البعض يأتي من معاهد الصحافة ، و البعض يأتي من معاهد الموسيقى ، فليس غريبا إذن أن نرى أقلاما تشبه الكمنجة ، و أخرى تشبه الطعريجة ، لكنها تحترف العزف لوجه المصباح فقط ، و نادرا ما نسمع أحدا يغني لوجه الشعب في علبة « أخبار الثوم » . في بلادنا المشهورة بفن « العيطة » ، لا ينبغي لأحد أن يكون مبالغا في توقعاته من أصحاب الأقلام الشاطحة ، خصوصا إذا كانوا من أهل « أخبار الثوم » . و إذا كانت الصحافة في البلدان الديمقراطية ترتدي جلباب سلطة رابعة ، و لا تكف عن الضغط بالمطرقة على رأس الأحزاب الحاكمة ، فالقصة عندنا مغايرة تماما ، لأن متطلبات السوق تفرض على الصحفي أن يتعرى من واجبه تجاه الشعب ، و أن يكون طبالا يعزف على مقام المصباح ، و يطلب البركة من أوليائه الصالحين ، و لا يهم إذا كانت أيدي حماة الدين ملطخة بدماء عيسوية .
لا شك أن السيد « تلفيق بودرهم » هو أحد أبرز الصحفيين المتمرسين على آلة الكمنجة ، لكنه للأسف لا يحيي إلا حفلات المصباح ، و يحرم باقي المغاربة من معزوفاته الملحمية ، و لا أحد يدري هل يجني شيئا من وسخ الدنيا ، أم أنه يحتسب أجره عند الله ، بتلك المقالات الراقصة التي يلحس من خلالها أصابع سيد المصباح . في الحقيقة ، لقد استطاع أن يثبت للمغاربة عبقريته في فنون الإعراب ، فهو يعرف كيف يجر الفيلا و ينصب صاحبها ، و إن كان الحسد يمنعنا من الاعتراف له بذلك ، لكن لا يهم ، مادامت الكتائب الإلكترونية للعدالة و التنمية تنوب عنا في التصفيق له ، ثم الصراخ في وجه المغاربة : « موتوا بغيظكم ! »
و مهما يكن ، فهو يعرف ماذا يفعل ، و لا حرج عليه في أن يكون خادما للمصباح المظلم ، ينظف عنه الغبار بمقالاته الناعمة ، و يدافع عن زجاجه إزاء الأحجار النقدية التي تريد تهشيمه و فضح هشاشته و سواد قعره . وقد يعترض البعض على هذه الوظيفة و يقارنها بما تفعله الفتيات على الرصيف المقابل لفنادق خمس نجوم ، لكن الأمر ليس كذلك ، فالسيد « بودرهم » يملك ورقة عذراء و حبرا لا يخرج في فترة الحيض ، ثم إنه ينتمي إلى عائلة صحفية محافظة ، و لا شك أن تقاليدها لا تسمح بالتفريط في العفة دون عقد نكاح .
بما أن وظيفة واحدة لا تكفي في ظل غلاء الأسعار الناتج عن سياسات المصباح ، بالإضافة إلى تسريح الأمير المنبوذ لبعض مستخدميه ، فإن السيد « بودرهم » كان مضطرا إلى البحث عن عمل إضافي ، و من حسن الحظ أنه وجد وظيفة سهلة لا تحتاج إلى جهد كبير ، و ليس مطلوبا منه سوى أن يكون مخلصا لفاكهة الموز بنكهة الغاز الطبيعي ، و أن يلتزم في سلوكه بسنة النفط المقدس .
قد يتساءل شخص خبيث : ماذا لو انكسر المصباح في الانتخابات القادمة أو التي تليها، هل سيحافظ الخادم على الولاء لسيده ؟ الأمر مستبعد تماما و لا يجوز أبدا في عقيدة أهل الاسترزاق ، و لعلنا نراه عندئذ يعتكف في الزاوية ، و يؤلف موسوعة علمية عن كرامات الشيخ ياسين ، أو ربما يكفر بالموز تماما إذا انخفض سعر الغاز في الأسواق العالمية ، ثم يشتري عباءة سعودية و يجلس تحت ظل النخل مستمتعا بالتمر الحجازي .
هنيئا للسيد « بودرهم » إذن بمكانته السامية كخادم للمصباح ، و نتمنى منه ألا يكف عن إتحافنا بمقالاته الملحمية عن معجزات رئيس الحكومة ، و عن شعبيته التي فاقت شعبية الداودية.