الطريق السريع تزنيت–الداخلة.. شريان تنمية جديد للصحراء المغربية أبهر العالم    بسبب "فضيحة" عقد 62 مليون سنوياً مع فندق.. حماة المال العام يطالبون النيابة العامة بالتحقيق مع الميراوي        زيلينسكي يحذر من أن بلاده "ستُهزم" إذا قطعت عنها واشنطن المساعدات العسكرية    إغلاق مئات المدارس بسبب التساقطات الثلجية القوية بالمملكة المتحدة    رغم الانتصار على الغابون وليسوتو... المنتخب المغربي يتراجع بمركز في الترتيب العالمي        حريق مهول يأتي على مصنع للنسيج بطنجة    الحكم على إلياس المالكي ب4 أشهر حبسا نافذا    كيوسك الأربعاء | المغرب يسير بثبات نحو تأسيس صناعة دفاعية متطورة    36 قتيلا و2787 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين: عصر جديد في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية        اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    وجبات "السيبيا" ترسل أزيد من عشرة أفراد للمستعجلات في اشتوكة    المعارضة: السيادة الصناعية "شعارات"    مشروع قانون المالية 2025.. لقجع يتحدث عن إعفاء الأجور التي تقل عن 6000 درهم من الضريبة    رئيس الحكومة: الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس "طنجة تيك"    المؤامرة الجزائرية الجديدة.. زعزعة استقرار موريتانيا ومالي لتحقيق الوصول إلى الأطلسي    الصحافة الإسبانية تشيد بإبراهيم دياز بعد تسجيله هاتريك مع أسود الأطلس        قيمة رساميل الاستغلال للمشاريع الصناعية المُصادق عليها بلغت 140 مليار درهم مابين ماي 2023 ونونبر 2024 (أخنوش)    أكادير تحتضن تخطيط "الأسد الإفريقي"    "برلمان الطفل" يحتفي بربع قرن من الالتزام المدني وتربية القادة الشباب    بعد 20 عاماً من الغياب.. لمريني يشرف على أول حصة تدريبية على رأس الإدارة الفنية لهلال الناظور    المدور: المغرب من الدول السباقة في مقاربة محاربة الفساد وحقوق الإنسان        بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    أونشارتد: أحدث العروض التوضيحية المفقودة تراث عرض الكنز الصيد ديو في المزامنة    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    لافروف يحذر الغرب من النووي الروسي    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    الإعلام الإسباني يتغنى بتألق ابراهيم دياز رفقة المنتخب المغربي    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    في تأبين السينوغرافيا    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    المنتخب الكويتي يختبر المدرب سلامي    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يخافون ولا يستحون
نشر في أخبارنا يوم 11 - 02 - 2011

هذا النظام الذى ثار الشباب ضده فى 25 يناير، لم يعد يثير الغضب فقط، ولكنه أصبح أيضا يثير الاحتقار الشديد. إذ ما الذى يمكن قوله عن نظام يخاف ولا يستحى؟
لقد بُحّ صوت الشباب والرجال والنساء سنوات وسنوات، يطالبون فيها بتطبيق أبسط مبادئ العدالة فى توزيع الدخل، وبأن تلاحق مستويات الدخول مستويات الأسعار، وانتخابات نظيفة وبرلمان غير مزور، وبإنهاء هذا الاحتكار الخانق للسلطة من جانب حزب واحد كسيح يسمى إمعانا فى التضليل ب«الحزب الوطنى الديمقراطى»، وبأن يسمح لكل من يريد أن يكوّن حزبا أن يكوّنه دون المرور على لجنة كئيبة فى مجلس أكثر كآبة يسمى من باب التضليل أيضا «مجلس الشورى» لتقرر هذه اللجنة ما إذا كان هناك اختلاف حقيقى بين الحزب المراد تكوينه والأحزاب الأخرى، بينما المراد هو ألا يكون هناك أى اختلاف على الإطلاق، بين أى حزب والحزب الحاكم، أما الأحزاب القديمة التى كانت موجودة قبل تكوين هذه اللجنة فيجرى اللازم لشرائها أو تدجينها، حتى تصبح منتهية الصلاحية وعديمة الأثر.
بُحّت أيضا الأصوات، سنوات طوالا، مطالبة بالكف عن هذا المخطط الشيطانى لنقل الحكم من الأب لابنه، الذى لم يُعرف عنه قط اهتمام بالسياسة أصلا، ومطالبة بأن يمتنع وزير الثقافة عن معاملة البلد كعزبة خاصة له، يستخدم إيراداتها لتمويل حملة فاشلة لكى يصبح رئيسا لليونسكو، ويستخدم وزارته كلها لهذا الغرض، حتى لو تطلب الأمر أن تقوم الوزارة بأعمال قد تحصل بها على رضا إسرائيل عن هذا الترشيح، ومطالبة بأن يعاقب بالعزل وزير للشباب لأنه استخدم مواهبه فى التهريج لصالح النظام والبقاء جزءا من السلطة، فادّعى أن مصر مستعدة لاستضافة المونديال، فلم تحصل مصر من هذا التهريج إلا على صفر..الخ.
تكررت هذه المطالبات وأمثالها سنوات وسنوات، فكان الرد الوحيد هو مزيد من الصلف والغطرسة والإمعان فى الإثم. الفجوة فى الدخول تزداد، والبطالة تنتشر، والأسعار تمعن فى ارتفاعها، مع الزعم المستمر بأن النظام يضع مصالح الفقراء ومحدودى الدخل فى قمة أولوياته، بل يحاول النظام سحب الدعم من رغيف الخبز دون أى مواجهة لمشكلة التفاوت الصارخ فى الدخول، ويتكرر الزعم بأن أحوال الفقراء تتحسن بدليل زيادة عدد السيارات فى الشوارع، بينما الناس تتقاتل للحصول على رغيف الخبز مرة، وعلى أنبوبة الغاز مرة، ويسقط فى ذلك قتلى وجرحى.
أما الانتخابات فيزداد التزوير فيها فجاجة وغلظة، ويستمر الترويج لابن الرئيس فى لقاءات مسرحية سخيفة، يقوم فيها بقراءة كلام كتبه له غيره، وجرى تمرينه على القراءة والتمثيل فيها، فيتظاهر بأنه صاحب فكر جديد، وغير ذلك من الادعاءات المهلكة للأعصاب.
وأما وزير الثقافة فيحرص رئيس الجمهورية على مواساته بعد فشله فى الحصول على رئاسة اليونسكو، فيقول له العبارة الشهيرة «ارمى من ورا ظهرك»! فيثلج هذا القول صدر الوزير، ويتابع مسيرته فى خداع المثقفين. وأما وزير الشباب فقد أثبت بفشله فى مهزلة المونديال أنه قد أصبح فى حالة من الضياع الداعى للرثاء، يمكن استغلالها لصالح النظام إلى أبعد مدى، إذ ما أكثر الخدمات التى يمكن أن يقدمها للنظام رجل هانت عليه نفسه وفقد احترام الناس فسلّموه مسئوليته «أمين الدعوة والفكر» فى الحزب الحاكم، بأى مسئولية بث المزيد من الدعاية والفكر المزيف لصالح النظام.
وقل مثل ذلك عن «وزير التنمية» الذى أثار ابنه فضيحة مدوية بجمع أموال الناس الذين لم يدر بخلدهم أن ابن وزير التنمية يمكن أن يشترك فى خداعهم، فسلموه أموالهم عن طيب خاطر لاستثمارها لحسابهم، فأضافها لحسابه. ثبت بهذا أيضا أن وزير التنمية الاقتصادية، بعد هذه الفضيحة المدوية، التى جعلته بدوره فى حالة يُرثى لها من الضياع وفقدان احترام الناس، لقمة سائغة فى فم النظام، يفعل بها ما يشاء، يمضغها أو يلفظها، فإذا بالوزير يتفنن أكثر وأكثر فى ابتداع الأرقام التى تثبت أن أحوال الفقراء لا تسوء بل تتحسن.
الخلاصة أنه قد ثبت بما لا يحتمل الشك أن هذا النظام لا يستحى. ولكن حدث فى 25 يناير والأيام التالية ما أثبت أنه يخاف بشدة. إذ لم تنقض أيام قليلة على خروج الشباب للمطالبة بتغيير النظام وتنحى رئيس الجمهورية حتى أصيب رجال النظام بالهلع، وراحوا يجرون فى كل اتجاه أملا فى النجاة بأنفسهم. وظل رئيس الجمهورية صامتا عاجزا عن الكلام لعدة أيام ريثما يتدارس رجاله الأمر ويفسرون هذا الحادث الجلل الذى يكاد يودى بهم جميعا.
والمنظر لم يكن يخلو من طرافة، رغم خطورته وأهميته. إذ عندما قرر رئيس الجمهورية الكلام بعد صمت عدة أيام، أعلن تنحية الحكومة برئيس وزرائها وتشكيل حكومة جديدة. هكذا؟ بهذه البساطة؟ رئيس الوزراء الذى خدمك ولم يترك مناسبة للثناء عليك وتطييب خاطرك إلا انتهزها، تستغنى عنه بهذه البساطة؟ ووزير الداخلية الذى لم يدخر وسعا لحماية النظام، وصفّ الجنود صفوفا فى الشوارع لدى قيامك بأى رحلة من المطار أو إليه، أو لإلقاء خطبة فى أى مكان، وترك كل شىء فى البلد ليتفرغ لحمايتك وحماية أسرتك، تستغنى عنه أيضا بهذه البساطة؟ ناهيك عن وزير المالية، الرجل الذى تلقى تربية ممتازة على يد صندوق النقد والبنك الدولى، وأقدر الناس على تنفيذ توجيهاتهما وأكثرهم فهما لتصريحات واشنطن وإيماءاتها. هكذا تطرده بهذه السهولة؟ أما وزير الثقافة، قرة عينيك، فهل هان عليك إلى هذا الحد؟
قرارات العزل والتحفظ على الأموال والمنع من السفر تتخذ بسرعة، فالخطر شديد، حتى كاد يتحول إلى مسألة حياة أو موت، فلابد أن تلقى السفينة الغارقة إلى الماء ببعض من أعز ركّابها. من هو المكروه بوجه خاص فى نظر هؤلاء الشباب الغاضبين؟ المسئول عن التنظيم فى الحزب الحاكم؟ فليذهب هو الآخر. كل من له علاقة بالفقر والبطالة والإسكان. فليذهبوا أيضا.. كل من ثارت الشكوك حول ثرائهم الفاحش أو تورطهم فى فضيحة أو أخرى. نعم هم أيضا يجب التضحية بهم.
(ولكن لماذا يا ترى استبقيت وزير الإعلام بالذات، المسئول عن بث كل هذه الأكاذيب والترويج لها؟ هل تفسر ذلك، إنه أيا كان الأمر، ومهما تغيرت الحكومة، فلا بد أن تستمر الأكاذيب فى مسارها المعهود؟).
ولكن الشباب لم يرحل عن ميدان التحرير، فازداد الخوف واشتد الهلع. لابد الآن من التنازل عن أى نية فى الترشيح لرئاسة الجمهورية مرة أخرى، بل لا بد حتى من التخلى عن رغبة الابن فى الحلول محل أبيه. ولكن حتى هذا لم يكف، فلم يبق إذن إلا الخيول والجمال التى يقودها مجموعة من المأجورين الذين اعتادت وزارة الداخلية استخدامهم لضمان تزوير الانتخابات، وإرهاب القضاة الذين يحاولون مقاومة هذا التزوير.
ولكن حتى هذا العمل الممعن فى حقارته لم يسفر إلا عن عدد كبير من القتلى والجرحى، دون أن يجبر الشباب على ترك مواقعهم فى ميدان التحرير أو أى ميدان آخر. وزاد الأمر سوءا أنه لم يدر بخلد أحد أى شك فيمن دفع بهؤلاء المأجورين إلى هذا العمل. حتى رئيس الوزراء الجديد لم يستطع أن يقدم تفسيرا لما حدث، واكتفى بأن يتسم بأنه لا يعرف من دبر هذا العمل ولكنه آخذ فى التحرى عنه.
زاد خوف النظام فتخلى عن أهم شخصية فى الحزب الكريه فعزله من منصبه فى الحزب، وأعلن وزير المالية عن زيادة الرواتب والمعاشات بنسبة 15٪، دون أن يفكر فى طريقة تدبير الأموال، المهم هو التصرف على عجل، ولو تطلب الأمر طبع نقود جديدة، على أمل تهدئة الناس الآن، ولا مجال للتفكير فى المستقبل، إذ قد لا يكون لهذا النظام أى مستقبل.
مازال الشباب صامدا، ومازال النظام يرتعد خوفا. ولكن ما الذى يمكن أن ينتظره الشباب من نظام أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه نظام يخاف ولا يستحى؟ إن مثل هذا النظام لابد أن ينتهز أول فرصة لكى يستعيد مواقعه والعودة إلى الضرب من جديد. مازالت المعركة مستمرة إذن، ولا يجب أن ينخدع الشباب بمحاولات نظام خائف إلى حد الهلع، للإمعان فى الاحتيال والنصب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.