أخبار اليوم ربما أخطأ عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، حينما حصر شرعية الأحزاب في «التاريخي» منها، وربما خرج عن قواعد المجاملة عندما حول كلمته، في افتتاح مؤتمر حزب الحركة الشعبية، إلى وسيلة للهجوم على حزب الأصالة المعاصرة، وتخويف باقي الأحزاب من هيمنة الوافد الجديد، فهو لا يجهل أن الحركة الشعبية، ولو كانت نظريا في الأغلبية، فإنها تحاول الاقتراب من حزب «التراكتور» الموجود، نظريا مرة أخرى، في المعارضة، رغم أن الحركة كانت أكبر ضحية لخطة «الانتشار» التي اعتمدها حزب الهمة لاستقطاب الرحل في الغرفتين الأولى والثانية. لا يحتاج أحد ليذكّر بأن التعددية مبدأ دستوري وقاعدة أساسية في الديمقراطية، وأن التاريخ لا يصنع لوحده «الشرعية»، بل إن البرنامج والأفكار والنخب وصناديق الاقتراع والمصداقية، كلها تصنع من الشرعية للحزب ما لا يصنعه التاريخ، والحركة الشعبية دليل ساطع على هذه الحقيقة، فالحزب، الذي رأى النور قبل 50 سنة، لم يستطع أن يبلور هوية وعنوانا مستقلا له في الساحة السياسية. لكن الملفت في بيان حزب الأصالة والمعاصرة، الذي رد بغضب شديد على اتهامات بنكيران ل«الجرار» بكونه حزبا يسعى إلى إقصاء الآخرين، وأنه لم يولد من رحم المجتمع.. لعل الملفت هو اتهام «البام» ل«بي.جي.دي» بكونه حزبا «ينتظر في كل مناسبة سياسية إشارة، سواء لتحديد سقف حضوره الانتخابي أو اختيار قيادة هياكله»، على حد تعبير البيان. هنا لا بد من الرجوع إلى الواقعة التي يشير إليها البيان تلميحا، وهي واقعة صحيحة، ففي سنة 2003 بمناسبة الانتخابات الجماعية، عمد حزب المصباح إلى تقليص مشاركته في هذه الانتخابات تحت ضغط وزارة الداخلية، وتحت ضغط أحداث 16 ماي، ومحاولة أكثر من طرف، بما فيها الاتحاد الاشتراكي آنذاك، تحميل الحزب المسؤولية المعنوية عن أحداث الدارالبيضاء الإرهابية، بل هناك من دعا صراحة إلى حل الحزب ومنع الإسلاميين من العمل السياسي الشرعي... في ظل هذه الأجواء، تدخلت وزارة الداخلية، وضغطت بقوة على الحزب لتقليص نسبة مشاركته في الانتخابات، ولم يقف الأمر عند تقليص النسبة، بل إن الوزارة «الوصية» وضعت خريطة دقيقة محددة لترشيحات الإسلاميين، ولم تترك لهؤلاء حتى حرية اختيار أين يترشحون وأين ينسحبون، لأن السلطة اعتبرت أن الحزب خدع الدولة سنة 2002 عندما ادعى تقليص نسبة مشاركته في حين أنه لم يرشح أعضاءه سوى في الدوائر التي لا يتوفر فيها على أية حظوظ للفوز، لهذا عمدت الوزارة، هذه المرة، إلى رسم خريطة دقيقة لترشيحات الحزب لا تترك المجال للخروج من النسبة التي ستعطى له في نهاية يوم الاقتراع... قيادة الحزب الإسلامي لم تكن كلها آنذاك متفقة على «حني الرأس» للداخلية، لكن الاتجاه الواقعي انتصر في نهاية المطاف، وقال «المعتدلون»: يجب أن نتفهم الوضع وألا نواجه السلطة، وأن ننحني للعاصفة حتى تمر... وإذا كان البعض قد قرأ في هذا التنازل «مرونة» كبيرة وذكاء سياسيا من حزب العثماني آنذاك للخروج من عنق الزجاجة، فإن آخرين رأوا فيه تفريطا في استقلالية قرار الحزب، وإعادة إنتاج ل«أمراض» الأحزاب السياسية التقليدية... لكن أن يأتي اليوم حزب «الأصالة والمعاصرة»، وليس حزب اليسار الاشتراكي الموحد مثلا، ويؤاخذ الحزب على مرونته تجاه السلطة وعلى واقعية مطالبه، فهذا ما يتطلب من إسلاميي البرلمان توضيحا سياسيا أمام الرأي العام... استقلال القرار الحزبي جزء من معضلة العمل السياسي الراهن، وأحد أسباب ضعف الأحزاب السياسية التي تعول على «الإشارات» و«الإشارات المضادة»، أكثر مما تعول على رأي المواطن وعلى المصلحة الوطنية...