رغم أنف «الجزيرة» ورغم أنف الاحتكار، سيتم تأميم كأس العالم سواء كان ذلك في المقاهي المفتوحة أمام العموم أو «مقاهي البيوت» المفتوحة أمام الأصدقاء والمقربين والأحباب.. فالمغاربة سيشاهدون كأس العالم حتى لو كان هذا آخر عمل يقومون به في حيواتهم.. والمغاربة، كما هو معروف عنهم، هم أبطال العالم المتوجون في رياضة «طارت معزة»، إذ إنه في الوقت الذي يعكف فيه «علماء درب غلف» على فك نظام «الفياكسيس 4» الذي ابتدعته «الجزيرة الرياضية» خصيصا لتجنب نيران قراصنة المغرب الأقصى، ينغمس المغاربة الآخرون في العمل على ضمان قوتهم اليومي من المباريات العالمية بطرق وأساليب أخرى ميمونة قبل أن تكون مضمونة.. ذلك أننا كشعب فقير أعداء فطريون للاحتكار الرأسمالي ولي الذراع المالي وسياسة الجيوب الفارغة، ونحن بالفطرة كذلك شعب «شيوعي الهوية» والدم، نقف سدا منيعا ضد احتكار قناة «الجزيرة» القطرية في شقها اللارياضي لحقوق المواطنين عبر العالم العربي الافتراضي في مشاهدة (قبل نقل) مباريات «غراف» الدنيا الأشهر في تلك الكرة التي صارت مستحيلة على المغاربة، بعد أن كانت مستديرة على الميدان... أسود المغرب الأطلسي غرقت في البحر الأطلسي، وعجزت عن بلوغ موقعة جنوب إفريقيا التي ستندلع رحاها المطاطية غدا. لكن ولأننا نحب الكرة حتى لو لم تتلفع بالأحمر والأخضر سنخلص الوفاء للمشاهدة، ونود بالتأكيد الاستمتاع بكرة تستدير على رقعة الملعب بذلك الشكل المحترف، ولهذه الأسباب بالضبط سننصب خيامنا في المقاهي والقاعات لتحقيق هذه الأمنية العارمة.. ولعل الجميل في الأمر أن هواة متابعة المباريات قد عقدوا العزم منذ بضعة أيام على «الاشتراك» في ما بينهم قبل الاشتراك في قناة «الجزيرة» اللارياضية، أي أن بعض المواطنين اختاروا أن «يتناقشوا» في ما بينهم بما «قسم» لهم الله من بقايا الشهر الحزين للاشتراك في قناة كأس العالم لمشاهدة المباريات، على اعتبار أنها فرض عين إذا قام بها رب البيت سقطت عن الباقين. وإن شئتم رأيي، فهذا هو ما تنشده الحكومة وتنتظره منذ أشهر معدودات على وجه إخماد نيران التصريح الحكومي الأخير.. فالحكومة المغربية ستتخذ من كأس العالم القادمة درعا واقيا ضد الآهات والمشاكل والاحتجاجات تصل مدة صلاحيته إلى 64 مباراة.. ولعل الراحة المنشودة للحكومة ومن جاورها هبة من سماء بلاتر وسحب الفيفا العابرة لملاعب جنوب إفريقيا.. فكأس العالم يا سادة شهر من السلم الاجتماعي وإجازة مفتوحة من شوارع الاحتجاج وعرائض المعارضة القاهرة وسحنات الصحافة العابسة، فلا حديث في سماء الوطن إلا عن منعرجات الكرة ونتائج الدقائق التسعين المتوالية و«إخفاقات الكبار» و«انتصارات الصغار» و«مفاجآت آل الفوز» و«شلة الاندحار».. وما دام الله يرزق الجميع، وغالبا من حيث لا يحتسبون، بمن فيهم مدمنو مباريات كأس العالم (الله يعفو)، فإنه والحمد لله قد أغنانا الله عن «الجزيرة» بمجموعة من القنوات «الشبعانة» الحاتمية التي «ستُفَرِّجُنا» على المونديال مجانا... وما على المواطن الذي يقرأ هذا الكلام إلا العودة إلى بعض ما نشر في الصحف حول لائحة القنوات المجانية ليعلموا أن كيد الكائدين كعادته يرجع إلى نحورهم، وعلى «الجزيرة الرياضية» أن تحمد الله على المقاهي التي تنمو في المغرب بمعدلات أكبر بكثير من معدلات نمو الفطر في البرية، وإلا لكان عليها أن تبحث عن متخصصين محليين في «نش الذبان» عن مقراتها وأجهزتها المشفرة.. أما بالنسبة إلي فلست ممن يتباكون على المونديال الذي اقترب منا كما يقترب موعد الساعة من رقبة المظلوم (أو الظالم لا فرق).. فالله لا يغلق ملاعب كرة حتى يفتح غيرها، ولا يقفل باب الرحمة لقناة تنقل المونديال ظلما وتجبرا إلا وفتح غيرها في دنيا «البيليكي» التي يعشقها المغاربة أكثر من زوجاتهم وأزواجهم.. وأقول الآن إن الكرة ليست في ملاعب المسؤولين، بل في جيوب الأثرياء وأرباب المقاهي.. فهم وحدهم القادرون على الانخراط في خدمات «الجزيرة» النائية عن هموم وفلوس المواطنين الفقراء والمزاليط.. أما هواة المشاهدة المنزلية العفيفة الطاهرة فما عليهم إلا الخضوع لدورات تعليمية سريعة في بعض اللغات الحية أكثر من اللازم كالألمانية و«السواهيلي» (المنطوقة في كثير من المناطق الإفريقية التي تنقل قنوات بلدانها المونديال)... وهي فرصة تعود فيها لغات الشتات إلى التجمع على شاشاتنا، فكرة القدم هي «بمثابة لينغوا فرانكا» (لغة مشتركة) هذا العالم، ولن يجد أي منا أية مشكلة في فهم صراخ المذيع وهو يهتف باسم ميسي أو رونالدو أو وهو يصرخ من روعة هدف هنا أو هناك، حتى لو كان هذا الصراخ بالهيروغليفية نفسها...