قدمت الفرقة الجزائرية التابعة للجمعية الثقافية الاستجمام، مساء الأحد بالمركب الثقافي سيدي بليوط، مسرحية من آخر كتابات الراحل عبد القادر علولة «التفاح»، وهي نصوص مسرحية قصيرة تتناول وضعيات اجتماعية، شخصية وفنية متنوعة. مسرحية التفاح اشتغل عليها، هذه المرة، المخرج جميل بن حماموش الذي سبق وأن أخرج مسرحية «حمق سليم»، التي أدت فيها الفنانة رحاب علولة الدور الرئيسي، وهي المسرحية التي أداها أيضا الراحل عبد القادر علولة في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. واللافت في هذا العمل المسرحي هو أنه يجمع مجددا أفراد عائلة الراحل عبد القادر علولة حول أعماله. فرحاب هي ابنة المرحوم علولة، أما المخرج جميل بن حماموش فهو ابن أخت الراحل. ويجتمعان مع الممثلين أمين بوكراع، جلال حجال ومصطفى لخضر حول «التفاح» التي تروي وحم امرأة حامل، ويوميات عامل نظافة مكلف بمراحيض، وتتناول أيضا معاناة فنانين مسرحيين لا يجدون مكانا يشتغلون فيه. في لقاء «أخبار اليوم» مع زوجة الراحل عبد القادر علولة، أعربت هذه الأخيرة عن سعادتها لعرض مسرحية «التفاح» في المغرب، وقالت في هذا الصدد: «نحن سعداء جدا بوجودنا في بلدنا الشقيق المغرب، حيث إنه منذ 17 سنة لم يدخل المسرح الجزائري إلى مدينة وجدة، وها نحن ندخل الآن بمسرحية «التفاح» رغم الحدود المغلقة، إذ جئنا عن طريق الجو إلى الدارالبيضاء ثم التحقنا بوجدة على متن القطار، وهذا أثلج صدورنا كثيرا». وعن تجاوب الجمهور مع مسرح علولة تقول: «مازال هناك تفاعل كبير مع مسرحه، كما أن أعضاء الفرقة ل يزالون شبابا مما يفتح الأفق على المستقبل»، وعن أرشيف علولة تقول: «أنا أترأس مؤسسة عبد القادر علولة، وهي جمعية ثقافية لها مشروع إقامة مركز للوثائق والأرشيف المسرحي، مع العلم بأننا نلاقي صعوبة في جمع هذا الأرشيف، ونتمنى أن نقدم للأجيال الصاعدة خدمة حتى يكون لديها اطلاع على المسرح الجزائري». أما رحاب علولة فقد صرحت لنا قائلة: «نحن نحاول بواسطة الشباب، وعن طريق فرقة الاستجمام، أن نكمل عمل المرحوم عبد القادر علولة، ونتمنى إن شاء الله أن نكون في الطريق التي رسمها هو. أخذنا نص «التفاح» وأعطيناه رؤية شبابية. اشتغلنا عليه كما كنا نحب بكل حرية إبداع»، وعن مدى حضور علولة عند الجمهور تقول رحاب: «إننا نشتغل على التواصل مع الجمهور خلال العرض المسرحي، والذي لن يكتب له النجاح إلا به ومن خلاله». ويقول حسن نفالي عن سر وجود هذه الفرقة بالمغرب: «لقد جاءت الفرقة إلى المغرب للمشاركة في المهرجان الدولي لمدينة وجدة، واتفقنا مع الإخوة في وجدة بعدما تنهي الفرقة عرضها هناك أن تقدم عرضا هنا بمدينة الدارالبيضاء. وتحملنا نحن كنقابة المصاريف... العرض يندرج في سلسلة عروض عبد القادر علولة رحمه الله الذي يستلهمها من مجال الحلقة، و»التفاح» تحاول، من خلال الرواية ومن خلال المسرح داخل المسرح ومن خلال الحكواتي، أن تعالج القضايا الاجتماعية التي تعرفها الجزائر بالخصوص، والتي يعرفها العالم العربي عموما. هناك زوجة علولة التي لاتزال تحمل على عاتقها عبء فرقة وأرشيف عبد علولة الذي كانت له علاقة وطيدة بالمغرب، حيث كان كلما هيأ مسرحية، إلا وكان أول بلد يفكر في عرضها فيه بعد الجزائر هو المغرب.. وهذه مناسبة للاحتفاء بهذا الرجل». ويعد المؤلف والمخرج المسرحي عبد القادر علولة واحدا من أهم المخرجين العرب والجزائريين الذين عملوا على تكييف أفكار برشت وإنجازات المسرح الملحمي للجمهور الجزائري، من خلال ربطها بالمخزون الهائل من التراث والثقافة الشعبية العربية عموما، معتمدا على أهم وسائل التوصيل التي تحقق العلاقة الفعالة بين الفنان والمشاهد. ولهذا، فإنه كان يبحث في التراث الجزائري والعربي عن تلك الأشكال الماقبل المسرحية أو الدرامية وربطها بمفاهيم المسرح الملحمي لتحيينها حتى تنسجم مع متطلبات عرض مسرحي لجمهور ومجتمع ليس أوربيا. وقد عمل علولة على تحقيق مسرح “الحلقة” شكلاً وأداء وإنتاجية وفرجة، بعد أن توصل، من خلال الممارسة العملية، إلى قناعة شخصية بأن القالب المسرحي الأرسطي ليس هو الشكل الملائم الذي يستطيع أن يؤدي به رسالته الاجتماعية. وفي محاضرة له سبق أن ألقاها في برلين سنة 1987 في المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لنقاد المسرح، شرح تجربته التي أوصلته إلى شكل مسرحي غير أرسطوطاليسي بسبب محدوديته فهو «يتميز بالتكرار الممل للفضاء، مما يخلق العرض المسرحي الساكن، أو يكون هنالك طغيان الخطاب السياسي المباشر الذي يكاد يحول المسرح إلى بيانات سياسية، فكان يجب إعادة النظر في كل العرض المسرحي جملة وتفصيلا». «وفي خضم هذا الحماس، وهذا التوجه العارم نحو الجماهير الكادحة، والفئات الشعبية، أظهر نشاطنا المسرحي ذو النسق الأرسطي محدوديته، فقد كانت للجماهير الجديدة الريفية، أو ذات الجذور الريفية، اتجاهات ثقافية خاصة بها تجاه العرض المسرحي، فكان المتفرجون يجلسون على الأرض، ويكونون حلقة، وفي هذه الحالة كان فضاء الأداء يتغير، وحتى الإخراج المسرحي الخاص بالقاعات المغلقة ومتفرجيها الجالسين إزاء الخشبة، كان من الواجب تحويره. كان يجب إعادة النظر في كل العرض المسرحي جملة وتفصيلا». وأمام هذا الوضع وجد الكاتب وزملاؤه في الفرقة أنفسهم مرغمين على إدخال بعض التعديلات، فألغوا في البداية جزءاً من الديكور، لكنهم وجدوا أنفسهم بعد عدة عروض بدون ديكور، ولم يبق في الفضاء المسرحي -حسب رواية الكاتب دائما- إلا بعض الإكسسوارات ذات الضرورة القصوى. ثم أعقب هذا التعديل في الديكور تعديل مماثل في الأداء التمثيلي أيضا، يتلاءم مع الوضع الجديد، لأن رد الفعل لدى هذا الجمهور كان مختلفا تماما عما ألفوه من جمهور الصالات المغلقة، فهو لا يريد أن يكون منعزلا عن اللعبة وعن الممثلين، وهنا يتساءل علولة قائلا: «ما العمل عندما يكون المتفرج أمامك ووراءك؟ لقد وجب إذن إعادة النظر فيما كان عليه أداء الممثل».