في ظهور نادر للوزير الأول في البرلمان، وقف عباس الفاسي لمدة ساعتين تقريبا أمام مجلس النواب، أول أمس الاثنين، ليقدم حصيلة حكومته التي مضى على عملها سنتان ونصف. وتلا الفاسي وثيقة من 49 صفحة تضمنت جردا لعمل الحكومة في عدد من القطاعات، اختلطت فيها الأرقام بالعبارات الإنشائية والوعود. التصريح تناول مواقف من عدد من القضايا، مثل سبتة ومليلية وتقرير المجلس الأعلى للحسابات والتبشير والمخدرات.. ولم يفوت الفاسي الفرصة لتسجيل موقف بخصوص تقرير المجلس الأعلى للحسابات المثير للجدل، مشيرا إلى أن الحكومة تتعامل بإيجابية مع التقارير التي ينجزها المجلس، "انطلاقا من إيماننا العميق بأهمية المحافظة على المال العام". مشيرا إلى أن الحكومة عازمة على "تقوية الدور الرقابي لهذه المؤسسة". وأشار عباس الفاسي إلى أن التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات تضمن ملاحظات ورصد اختلالات تتعلق بسنوات 2007 و2008 و2009، كما أنه تضمن رد المعنيين بالأمر عليها، وقال: "هناك مساطر قانونية، وللمجلس كامل الصلاحية في اتخاذ ما يراه مناسبا، وفي جميع الحالات فإن الحكومة ستحترم قرارات القضاء، ونعتبر أن الجميع سواسية أمام القانون، ومن مسؤوليتنا الأخلاقية المحافظة على المال العام وكرامة المواطنين". وكان لافتا للانتباه أن يتناول الوزير الأول موضوع زراعة المخدرات في المغرب وسياسة الحكومة تجاهها، حيث قال: "لقد قامت بلادنا في السنتين الأخيرتين بمجهودات جبارة في ما يتعلق بمحاربة تجارة المخدرات وتفعيل الآليات القانونية من خلال المتابعة والزجر، وأسفرت هذه المجهودات عن نتائج مهمة تمثلت في انخفاض الأراضي المزروعة بالقنب الهندي من 134 ألف هكتار سنة 2003، إلى 56 ألف هكتار سنة 2009، أي بانخفاض نسبته 60%"، كما أشار إلى مضاعفة حجم مصادرة المخدرات، حيث "تم حجز 180 طنا من مخدر الشيرا سنة 2009، أي بارتفاع نسبته 60% مقارنة مع سنة 2008". وبخصوص البطالة، أشار الوزير الأول إلى أن الحكومة استطاعت التقليص من نسبتها، إذ "تراجع معدلها الوطني من 8,9% سنة 2007 إلى1,9% سنة 2009، مع تسجيل انخفاض ملموس في الوسط الحضري بما يناهز نقطتين". وأكد أن الحكومة تعمل "جاهدة على تحسين وتطوير برامجها في التشغيل الذاتي وإعادة تأهيل الخريجين وإدماجهم، بحيث فاق عدد المستفيدين من هذه الإجراءات 208.696 شابا على مدى السنوات الأخيرة". وفي ما يتعلق بالتعليم، أكد الفاسي أن "بلادنا تسير بخطى حثيثة نحو كسب تحدي تعميم التعليم لفائدة مختلف الفئات العمرية المعنية، بحيث تم تسجيل نتائج جد مرضية في هذا المضمار، بلغت 7,94% بالنسبة إلى الطور الابتدائي، و75.4% بالنسبة إلى التعليم الإعدادي الثانوي، وذلك في أفق تعميم كلي للتعليم الإلزامي قبل سنة 2015". وفي ما يخص السكن الاجتماعي، شدد عباس الفاسي على تعبئة الحكومة ل"أزيد من 3850 هكتارا من العقار العمومي، من أجل توفير وتنويع منتوجات السكن الاجتماعي بما يتناسب والقدرة الشرائية للمواطنين ودخولهم". مشيرا إلى أن الحكومة "ستخصص مساعدة نقدية مباشرة للأسر في حدود 40 ألف درهم، فضلا عن الإعفاءات الضريبية، قصد التشجيع على اقتناء المنتوج الاجتماعي المحدد في 250.000 درهم". وفي المجال الصحي، تحدث الفاسي عن نظام المساعدة الطبية الذي شرع في تطبيقه في جهة تادلة أزيلال، "حيث وصل عدد المستفيدين منه حاليا إلى حوالي مائتي ألف مواطن معوز". مشيرا إلى عزم الحكومة تعميم هذا النظام على باقي جهات المملكة انطلاقا من هذه السنة، "ليشمل مستقبلا أكثر من 5,8 ملايين مستفيد من ذوي الدخل المحدود والمعوزين". كما أشار إلى إطلاق الحكومة برنامج "تيسير" للدعم النقدي المباشر المشروط بالتمدرس لفائدة الأسر الفقيرة، وذلك في أفق تحسين هذه الآلية الجديدة للتضامن من حيث الامتداد الجغرافي والمجالي، ومضاعفة عدد المستفيدين الذي يقدر حاليا ب290 ألف تلميذ. إصلاحات سياسية في أفق 2012 في المجال السياسي، أكد الوزير الأول عزم الحكومة على "إجراء استشارات مع الفرقاء السياسيين من أجل بلورة إصلاحات سياسية بناءة، تتوخى عقلنة المشهد السياسي والحزبي وتخليق العمليات الانتخابية وتقييم وتقويم ضوابطها، بغية إقرار الحكامة السياسية وتحصين المكتسبات، وإعادة الاعتبار للشأن السياسي حتى يكون المغرب هو الفائز السياسي الأول في استحقاقات 2012". وفي موضوع سبتة ومليلية المحتلتين، دعا الوزير الأول "الصديقة إسبانيا" إلى الحوار مع المغرب "من أجل إنهاء احتلال هاتين المدينتين المغربيتين والجزر السليبة المجاورة لهما"، وحاول الفاسي التقليل من قيمة غياب المغرب على مستوى منظمة الاتحاد الإفريقي، مشيرا إلى أن "المغرب عضو في تجمع دول الساحل والصحراء الذي يضم 27 دولة إفريقية"، وأنه يحتضن "مقر مجموعة الدول الإفريقية الغربية المطلة على المحيط الأطلسي؛ هذه المجموعة المدعوة إلى القيام بعمل مهم في مجالات محاربة الإرهاب والهجرة السرية وتجارة المخدرات". ولم يغفل الوزير الإشارة إلى موقف الحكومة من التبشير بالمسيحية في المغرب، قائلا: "إن دستور المملكة إذا كان يضمن لكل واحد ممارسة شؤونه الدينية، فإن ذلك لا يعني تغافل الحكومة أو عدم تعاملها بحزم مع بعض المحاولات اليائسة للتنصير والتشكيك في العقيدة الإسلامية". وبخصوص سياسة الحكومة تجاه الأمازيغية، أشار إلى "انطلاقة القناة الأمازيغية، في نفس الوقت الذي نواصل فيه دعم تدريس اللغة الأمازيغية بمختلف المدارس المغربية"، حيث "تدرس 3700 مؤسسة تعليمية اللغة الأمازيغية، في حين وصل عدد التلاميذ الذين تمرسوا على هذه اللغة 560 ألف تلميذ". لكنه أشار إلى أنه "إضافة إلى تشجيع تعلم اللغات الأجنبية، تحرص الحكومة على دعم اللغة العربية وتقويتها في العديد من المرافق والمعاملات الإدارية والحياة العامة، لأننا نعتبر أن العربية لغة القرآن الكريم". واعتبر الفاسي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمملكة، والأمازيغية "ملك لكل المغاربة بدون استثناء"، وأنهما "رافدان أساسيان للثقافة والتراث المغربيين". وتطرق الوزير الأول إلى الإعلام المغربي، مشيرا إلى أن "الصحافة لعبت أدوارا طلائعية في التحولات السياسية والمجتمعية لبلادنا، وساهمت في تعزيز وتوطيد المسار الديمقراطي"، لكنه دعا إلى "وقفة تأمل جماعية للتطلع إلى مسارات جديدة لوسائل الإعلام تساير الرهانات الكبرى لبلادنا". وبخصوص الإعلام العمومي، اعتبر الوزير الأول أنه "يبذل مجهودات كبيرة لمواكبة دينامية الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا"، لكنه دعا إلى أن يتحلى الإعلام العمومي ب" توازنه وحياده واستقلاليته"، وبأن "يجتهد أكثر في المساهمة في إقرار مصالحة المواطن مع الشأن السياسي، وفي بث روح المواطنة والأمل وقيم التنشئة السياسية والمشاركة الإيجابية في التعاطي مع قضايا الوطن". وشدد الفاسي على أن "الحكومة تتقبل بصدر رحب النقد البناء والمعالجة الصحافية المهنية والموضوعية لمختلف المواضيع التي تهم الرأي العام، والبعيدة عن التحامل والذاتية". وبخصوص إصلاح القضاء، كرر الوزير الأول التزام الحكومة بإصلاحه باعتباره "من أهم الأوراش الهيكلية التي تنكب عليها الحكومة"، مشيرا إلى أنه "تم إعداد مشاريع قوانين تصب في اتجاه تعزيز ضمانات استقلال القضاء من الناحية المؤسساتية، وتحصينه بدعم وسائل المراقبة".