قبل أن يعقد عالم اللسانيات العالمي نعوم تشومسكي العزم على إلقاء محاضرة في الضفة الغربية، وقبل أن تقرر إسرائيل منعه من دخول فلسطين أمس الاثنين، أصدر كتابا جديدا لم يصدره عربي واحد أو حتى فلسطيني.. لم يتعب كثيرا في أن يجد عنوانه: "الحرب على غزة ونهاية إسرائيل"، ويقع في نحو 125 صفحة من القطع المتوسط، ويضم دراستين ومقالة حول فلسطينالمحتلة والحقائق التي خلص إليها المؤلف بعد أن بحث عنها طويلا. أحد الاستنتاجات التي يصل إليها تشومسكي، المعروف بمناصرته للقضايا العربية وخاصة قضية فلسطين، هو أن إسرائيل تعمل دوما على تقويض الجهود التي توصل إلى أي تسوية، مقارنا عدوانها الأخير على غزة بالحروب التي شنتها سابقاً، ليتنبأ في ختام الكتاب ب"نهاية إسرائيل". ولأن الإسرائيليين لا ينسون أعداءهم أبدا، خصوصا تشومسكي المعروف بآرائه اليسارية ومواقفه من إسرائيل ونصرته للشعب الفلسطيني، حيث تعتبره إسرائيل محسوبا على معسكر اليسار الراديكالي الأمريكي، ويعتبر من أشد منتقدي الولاياتالمتحدة وإسرائيل، فقد أجبروه على العودة إلى الأردن، بعد أن منعوه من الدخول إلى الضفة الغربية، من خلال معبر الكرامة، حيث كان من المقرر أن يصل تشومسكي إلى جامعة بيرزيت الإسرائيلية، مساء أول أمس الأحد، لإلقاء محاضرة ولقاء مجموعة من الأدباء والأكاديميين الفلسطينيين في مدينة رام الله. وقد وصل تشومسكي إلى معبر الكرامة لكن ضباط أمن إسرائيليين أجروا تحقيقا معه، وبعد ساعات من الانتظار أخبره موظف إسرائيلي على الجسر بأنه لن يسمح له بدخول الضفة، وأن إسرائيل سترسل رسالة إلى السفارة الأمريكية في تل أبيب تشرح أسباب المنع. وفي تصريحات للقناة العاشرة الإسرائيلية، قال تشومسكي إن التحقيق استغرق عدة ساعات وقيل له إن حكومة تل أبيب لا تحب أقواله وأفكاره، موضحا أنه اقترح على المحققين أن يجدوا حكومة في العالم تحب سماع أقواله. وحسب الداخلية الإسرائيلية، فقد تم احتجاز تشومسكي على المعبر، وخلال التحقيق معه أكد أنه لا ينوي الدخول إلى "إسرائيل" وإنما إلى رام الله، كما شبه تشومسكي إسرائيل ب"الأنظمة الستالينية البائدة". من هو إذن هذا الرجل الذي تزعج كتبه إسرائيل؟ اسمه الكامل أفرام نعوم تشومسكي، ولد في 7 دجنبر 1928 بفيلادلفيا، وهو أستاذ جامعي مدى الحياة في اللغويات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وهو صاحب نظرية النحو التوليدي، التي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام في مجال اللغويات النظرية في القرن العشرين. وقد أسهم كذلك في إشعال شرارة الثورة الإدراكية في علم النفس من خلال مراجعته للسلوك الفعلي ل"ب.ف. سكينر"، الذي تحدى المقاربة السلوكية لدراسة العقل واللغة والتي كانت سائدة في الخمسينات. مقاربته الطبيعية لدراسة اللغة أثّرت كذلك على فلسفة اللغة والعقل، ويعود إليه كذلك فضل تأسيس ما أصبح يُعرف ب"تراتب تشومسكي"، وهي تصنيف للغات الشكلية حسب قدرتها التوليدية. بالإضافة إلى عمله في اللغويات، فتشومسكي معروف على نطاق واسع كناشط سياسي، وبانتقاده للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والحكومات الأخرى. ويصف تشومسكي نفسه بأنه اشتراكي تحرري، ومتعاطف مع التضامنية اللاسلطوية (وهو عضو في نقابة عمال العالم الصناعيين)، وكثيراً ما يُعتبر منظراً رئيسياً للجناح اليساري في السياسة الأمريكية. وحسب فهرس مراجع الفنون والإنسانيات، بين 1980 و1992، ذكر اسم تشومسكي كمرجع أكثر من أي شخص آخر حي، وكثامن شخص على الإطلاق. لكن أشهر جملتين لنعوم تشومسكي، كي يزول كل غموض عن الرجل، هما: "للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات، لأننا لم ننتخبهم أصلا"، والعبارة الثانية هي: "إذا لم نكن نؤمن بحرية التعبير لمن نحتقرهم فنحن لا نؤمن بها على الإطلاق".