كان طفلا صغيرا ولكن صغره لم يمنعه أن يكون غلاما محبا للتحدي. وبينما هو متكئ على وسادة نومه سمع حكاية أسطورة من جدته أسمتها حجاية جن العاصفة . شرعت جدته في قص الحكاية بعد أن تأكدت من نومه. لأنها لا تريد أن تسمعه حجايات دامية لا تروق الا للكبار . هذا طبعا بعد أن حكت له حكاية مطولة عن الصابرة بنت بلادي. كان العربي طفلا ذكيا و من ذكائه تلك الليلة الباردة التي تساقطت بها الأمطار بغزارة انه مثل و كأنه نائم و لكنه نائم ما انفك يسمع كل حرف تنبس به جدته مسعودة. أضاء الصباح الموالي وأنار بنوره ولاح . وبعد أن صلى و فطر غفل عائلته وانصرف على أصابع رجليه إلى المطبخ وراح يقلب بعينيه عن السكين الكبير الخاص بذبح الأضحية فلم يجده. فجأة تذكر أن السكين مخبأ في مخبأ الدرج مع إخوته السكاكين الصغرى … لمع الفرح في عينيه ثم خطا خطوات خفيفة نحو أمه و استأذنها بغيابه طوال اليوم عن المنزل – وعلى حساب ما قال لامه _ انه معروض من طرف احد أصدقائه. هذا افتراء آخر اختلقه عذرا لامه لكي لا تسمعه ما لا يسمع طوال النهار و تلومه لوما قاسيا طوال الليل. إنها تحبه و هو يحبها و لكنه يختلف عنها بعشقه للتحدي. ولو علمت المسكينة إن ابنها عزم على تنفيذ ما جاء في أسطورة جن العاصفة التي حكتها جدته مسعودة البارحة ما تركته يخرج من باب الدار . أو بالأحرى لبدلت له مكان نومه في بيت آخر غير البيت الذي تنام فيه جدته. مد يده لجيبه و التقت منه بعض الدريهمات البيضاء و أعطاها لصاحب الطاكسي الصغير الذي أوصله للشاطئ .يعذ ذلك شكره . ثم راح يمشي يمنة و يسرة و رجلاه تغوصان في تلك الرمال الذهبية و كأنه يبحث عن الكنز المفقود . كان – انتظاره للعاصفة – متفائلا وهذا ما ساعده في عدم الاكتراث لموجات البرد القارصة التي كانت تصفعه من حين لآخر تحت بصيص ضئيل من الشمس. وهو ينتظر راح يخاطب نفسه مهموما: _ كيف لهذه العاصفة أن تأتي و نحن في موسم الشتاء. ولكن يجب أن تأتي العاصفة بأي كان .اكره أن اعرف في نهاية اليوم أن يوم عطلتي من الدراسة راح سدى و هباء منثورا دون تنفيذ ما عزمت على تنفيذه البارحة. فتح محفظته وتناول منها بعض قطع من الخبز المحشو بالسردين المعلب و مرر المضغات مع شربات متقطعة من الماء المعدني .وبعد أن تغذى توظا و صلى الظهر ثم استمر في بحثه عن تلك العاصفة التي تأتي بغتة و في مشية بحثه بدا كالجندي الحر المكلف بمهمة حرص أغلى ما قي الوطن. ما أن يرمق بعض النظارة و المارة بالقرب منه حتى يختفي عنهم و لما لا يختفي عنهم. وهو عول على شيء لم يكن في الحسبان شيء لم بتعوده الخلق من جنسه . كيف لأحد من البشر تصديق أمر تحديه للمجهول في هذا اليوم المكهرب اد أن العربي نوى أن يضرب بسكين الأضحية الكبير قلب جن العاصفة ليرديه قتيلا حتى يتأكد من صحة حجاية جدته مسعودة. مضت دقائق و تلتها ساعة ثم بزغ الفرج و كأنه فرحة رؤية هلال رمضان الابرك. سمع العربي صوت العاصفة يذوي في أذنيه.أدار وجهه فادا بعاصفة تجري أمامه متجهة نحو أمواج البحر و بسرعة الضوء وضع العربي السكين في قبضة يده ورمى بمحفظته جانبا و تفق يجري نحو العاصفة ناويا على قتل جنها المارد .هنيهات فليلة أسرع فيها الخطى ثم انتهى به الجري ووقف حيث المياه تجري . وها هي رجلاه في مقدمة البحر ترتطم بأمواجه من جميع الجوانب فاحكم قبض السكين و استعد لقتل جن العاصفة التي تتجه نحوه. تسارعت دقات قلبه خوفا من الذي سيحل بعد حين دارت به العاصفة من جميع الجهات. البحر من ورائه و الناس من أمامه و السماء الرمادية من فوقه وهو بينهم ولكن العاصفة جمعت بينهم جميعا.فرفع يده عاليا ثم ثنى ركبته على الرمال المبللة و غرز سكين الأضحية في قلب جن العاصفة.كاد لقلبه يخرج من موضعه وهو ينتظر خروج الدم كما زعمت جدته مسعودة.مرت دقائق و دقائق محت فيها زبدة البحر البيضاء اثر غرز سكين الأضحية ومحت معها خرافة أسطورة الجدة. خفق قلب العربي من جديد و دبت فيه الحياة السعيدة وراح يضحك مسرورا بانجازه العظيم على تفنيده لوجود جن العاصفة .حمل محفظته على ظهره وهم على على الرجوع للدار و لامه وهو يتمتم مع نفسه قائلا لها: __ لا ريب أن ما يرهبنا به الصهاينة و أمريكا و إسرائيل و اليهود ومن والاهم هو أيضا خرافة في خرافة…نعم إن العدو و خرافة ما دامت الريح التي قاتلت قبيل فليل كانت مجرد عاصفة شتوية.