الشعر كمياء وجودي وماء تلويناتي الداخلية، هو ملاذ الشهقة والنفس النفيس، حبر القلب الدافق الكريم، نكاية بكل جدار، أساهد قمرا في العمق الابيض للورقة، الشعر يمنحني السلام أجنح اليه من ضراوة العالم، أغني بؤس اللحظة وفقرها من منبت الاذقاع، ينطفئ الزمن في الخارج ويشتعل داخل القصيدة. القصيدة امرأتي الجميلة التي تسوق الليل العاهل الى قارورة كحلها، القصيدة تدللني انا طفلها الواقع بكليتي في احضان الخيال الرؤوم، هي الحبيبة الحارقة بشفاه من رحيق العاشقة الغجرية المنوع، جلالة الملك المصولجة بالنبض، هي الحب الصعب المجاور للزلزلة، السكن غير الهادئ في الريبة، النصل الدامي اللامع بالاسئلة، النوع اللاعج على فراش من لهب وعلى وسادة تعج بالفراشات والندى الابجدية هناك والقلب هنا، كيف ترتق وترفو المسافة بالإبرة النحيلة للضوء، كيف تينع للالف عنادل في الرأس؟ كيف تشتعل قامة الالف بالنار، كيف تتعاقب الفصول في اصابعك؟ كيف تصغي لنمول دمك؟ كيف تصغي للصيف العالي، وهو يجرح سنابله؟ كيف يفتح حرف الباء بابه بكل اريحية الخيال؟ لتدخل الى باحة اعماقك بدهشة الطفل المايكبر ابدا. الطفل الذي يلاعب الكلمات وقطط اخيلته التي تخدش القمر باظافرها، وتدميه تحت الورق وتعافيه بذات جرحه المؤتنق المنير. حقا هذا العام لم اكتب، منذ مدة لم اخطط حرفا، منذ مدة جففت وتقاحلت، كانت المزنة الخلابة هناك وأنا انظر الى الابجدية من خلالها بعينين زرقاوين لنورس بارد يموت، انا الذي ألفت سموات الالف، النورس الجريح بارد يموت يدير عينيه اللامعتين بالخيال في بقايا ظلال اسماك بروق اللغة التي ألفها. نعم جففت، وتقاحلت لمرض الم بي كدت من خلاله ان افقد عقلي، كنت على حافة اذن (فانكوخ) المقطوعة، قيل لي انه مس، انا الذي لم أألف الا مس اللغة المشتعلة والاسئلة، كنت مسلوبا من إياي الى أن زرت مصلحة الأمراض العقلية بالمستشفى ومازلت اتابع حصص الدواء، قالت لي الطبيبة النفسانية الطيبة الجميلة انها »السكزوفرينيا« والاكتئاب، اه كيف كنت قبل اقراص (الصوليان) وأقراص أخرى أحس بان رأسي لا برزخ فيه بين طبل وطبل الا طبل اخر، رأس تزدحم فيه رؤوس غفيرة واصوات كأنها للتو قدمت من كوكب اخر، اصوات ذميمة تهس امرة اياي بالقفز، من النافذة مثلا او الانتحار، اصوات تتوعدني لا محالة انها ستتبول على قبري بعد ان اموت، لم أكن اخلد للسلام ولو لنأمة لحظة واحدة. يجب ان تعود للكتابة قالت الطبيبة الرائعة... اقراص الصوليان بدأت توقظ في كنفس ملمس الاجنحة النائمة، ابعاض النورس الباردة بدأت تحس بالدفء وقشعريرة السماء... اعود للكتابة، اعيد فأس حفار القبور الى يد الموت وأمحو شاهدة قبري الباردة الى حين.. اعود للكتابة، اعود للحياة مرة اخرى. مازال لدي هنا ما أقوله لظلي وللا شيء، ها أعود الي، الي اعود، اعود الى فراشتي ذات الضوء الغامض المفضي الى عتمة عاهله والى شفيف ضوء يكسرها بدلال، ها أتمدد في ظلي، ابلغ تمام اللحظة الخلابة وتمامي، ثمة نورس صغير يصاعد من ظفر خنصري، اجنحته الممددة في الهواء تقول انا حر وانت لست الا صنوي ايها الهواء المرفرف، في، نعم اعود الى الكتابة مرة اخرى، اعود الي، ما أجمل ان اغمض حرفا في ابتسامة الموناليزا، واوقظه من ا لنوم في لوحة سهل الكرك (فانكوخ) واسير بحرف تحت المطر وقد حرقت من أجله جميع المظلات وحرف اخر اضعه في صحن شحاذ ليسمع ر نين معدنه ليتأمل خطوط الاكف والمارة، على رسلك ايتها الكلمات ( على هويناك) وانت تفتحين افواهك الشرهة للخيال على حافة اصابعي، تشربين القهوة السوداء وسحائب التبغ ا لاسود بين سائل الدم وسائل الحبر، اعود الى الكتابة، اعود الى الحياة مرة أخرى، امتزج بالنورس الذي على حافة الموت بلغة ابن عربي حد (التكان)، ها ارفع ضلفة التابوت عني واتنفس عميقا الهواء والابجدية المغسولة.. على كفي اليمنى ديدان كانتني وعلى يسراي كومة اجنحة ترتعش بالحياة، اصل هذه بتلك فتطير الفراشات امامي، كأني ذات الذي اما امامي: اطفال لا يكفون عن دعوتي للعب، اعود الى الكتابة ثانية، اعود الى حرارة شرياني، اعود الى دم الكلمة، اتزلج كما طفل بابجدية من غمام وريح على اقواس قزح، ادخلها لونا فلونا بعد هدوء (تييلك العاصفة في الاعماق. اه انا الذي ألفت السير مغمضا على سلم الزلازل، ليست الهزة الوحيدة يا أنا، فقد عرفت الفقد واليتم مبكرا، وقفت عند معنى الا تعرف تقاسيم ولا وجها لامك، ما من صورة معنسة في الذاكرة، الاب ايضا تركك مبكرا، عرفت الضياع، ذقت الارصفة، رافقك سؤال الموت مبكرا، كان مرض (بهجت) يشحذ اظافره ويبريها، عرفت اسرة المستشفيات، التشرد خبرته فعليا، كيف كنت ستصمد امام كل هذا، لولا العناية الالهية والشعر؟ الشعر قوة اذن والخيال نعمة، الشعر مناعة لتقيء الذبيح فيك لتجشئه خارجا ثم لتتأمله مفصلا مفصلا، وابعاضا ابعاضا بالمنفلت ?الشعر- أستعيد المنفلت والهارب، استعيد الذهب واحرقه دونما ندم، حيث لاحظ للرتابة، أحول الزمن الصعب الى ماء في مزهرية، الزهور التي حدث ان قطفتها من قوس قزح النار، تكلم ايها الدم اني مصيخ ومصغ اليك، حرك شفتي وصمم الاشياء من حولي، فانا مهاجر قديم من والى بلاد الاخيلة، اعرفك خارج الكتابة تتجمد وتتجلدن، لن اتوقف ثانية عن الكتابة، لن اتوقف ثانية عني، فراشة الضوء الغامض برد اجنحتك نفسي، اعشق الاهيبك الوسيمة في الرحيق والحريق. اذكرها (تييلك) طفولتي البعيدة، كنت ارافق الكلاب اكثر من البشر، ريكس، تيسكا، الفا، منوش القطة، علمتني الكلاب انه لا فرق بين ان تسير بقوائم او ارجل وان الخوف من سعار البشر اخطر من الخوف من سعار الكلاب، النباح لغة حية في كتاب الطبيعة، تستعيد يا أنا كيف سمموا كلبتك (تيسكا) في الشارع بلحم مفخخ وكيف حملتها امام الملأ ( شارع اذ) ذارفا دموع الطفل الذي شاهد وبكى، دفنتها بما يليق من مراسيم حقيقية، بكل صلوات القلب وملح العينين، صلت خلفكما ايامكما الجميلة، معا، وتلك اللحظات المكتنزات باللعب وشعر الحياة، آه من القتلة يا تيسكا، آه من ياءات النداء، يا يا...يا ياءات النداء ليس الا الترجيع و الصمم اه تيسكا وانت تفتفين الروائح، لا رائحة مضواعة للانسان هنا، انت في الجنة الان يا تسيكا، مازلت تحتفظين برائحة جسدي، ستتشممه امي في العالم الاخر، في الحياة الاخرى وستعرف من خلال الرائحة اننا اصدقاء، اهمسي لامي هناك ان ابنك بخير، اهمسي لها ان هنا تحت السماء (فخاخ وسم) اهمسي لها ان ابنك مازال يهرب من المدرسة ويلاعب الكلمات والكلاب والقطط، مازال يدفن محفظته في رمال الشاطئ، يدفن كتب التاريخ والجغرافية، يمنحه المعلم صفرا على هامش الدفتر وتمنحه الاشياء الفرحة به النقطة البعيدة لسر الوجود هناك في مزبلة الجرايفات كنت تلتقط الزجاج المكسور مثلما ايامك و عظام المشمش وصنادل البلاستيك لتبيعها في الملاح العم (بدوي) وبعدها تعلمت السرقة، انابيب مياه المنشآت و(بلومب) شباك الصيد في الميناء.. لتشتري علب السجائر وتبيعها تعلمت السرقة ومدحت لصوص العالم الشرفاء نكاية باللحم الزائد في الثلاجات وأجراس الابناك، لذلك اثار اعجابك عروة ابن الورد (لحى الله صعلوكا اذا جن ليله مضى في المشاش الفا كل مجزر) كيف اكتشفت جبران خليل جبران واشتريت بنقود المسروقات كل ما كتبه جبران، كان جبران عود الثقاب النفيس الذي اشعل الغابة النائمة في داخلك، تخليت عن اللص وعن اليد التي تسرق لتنبت لك يد اخرى تكتب وتتشمم الكون والاشياء حولها، ها انت تتفقد هذه اليد، تتفحصها، في اعماق راحتها اطفال يلعبون وطيور تلتقط السموات لاجنحتها، حقولا ترى وبحيرة تنزل اليها عاريا الا منك لتتباجع مع الماء، مع جبران صعدت مع النبي الى الجبل وجرحتك الكتابة والمحبة فتبعتهما معا، ها انت مازلت الطفل (المايكبر) ابدا، مازلت تتصابى مع الاشياء، وتلعب بكل تلقائية مع طفولات الاشياء والحياة، مازلت تردد مع جلال الدين الرومي (كل هذه الصور والخيالات بمثابة اللعبة وانت بحاجة اليها طالما ظللت طفلا وعندما تنجو الروح من الطفولة تصير في وصال فارغة من الحس والتصور والخيال). نعم ايتها القصيدة المدلال انا حجاج نهديك الناضجتين ديكتاتور الندى نهداك قاطفهما انا لا محالة ولا محالة انا حلاجهما المصلوب تحية لدمعتي الواقفة التي تكبرني قامتها قليلا هذه المياسة بقدمين فرحتين، تحية مضواعة بأريج القلب ورحيق الروح.