اكتشفت يان أرتوس برطران أواخر التسعينيات عندما وقعت له بمكتبة الألفية الثالثة بالرباط على كتاب جميل جدا هو: «الأرض منظورا إليها من السماء» la terre vue du ciel، الذي جمع فيه مجموعة من الصورة الباهرة والنادرة حول أجمل المواقع الطبيعية فوق كوكبنا.. وهي الصور التي عرفت فيما بعد أنه أخذها انطلاقا من منطاده في سياق رحلة علمية حول العالم.. في تقديم الكتاب، يشير يان أرتوس بشكل واضح إلى أن هدفه الأول والأخير هو إثارة انتباهنا إلى الجمال الذي نحن بصدد تخريبه بسبب نمطنا الصناعي المتطرف في العيش.. يعتبر برطراند من كبار المناضلين البيئيين الفاعلين الآن على الساحة الدولية.. أهدافه من انخراطه في النضال من أجل مستقبل أفضل لأرضنا لاغبار على ثوريتها.. يقول على هامش تقديمه لفيلمه home الذي حقق رواجا واسعا في العالم إلا في بلدان التخلف غير المعنية بالأسئلة الكبرى لكوكبنا: «اليوم، وفي مواجهة الأزمة البيئية العالمية، يوجد العالم في حاجة مرة أخرى إلى الشجاعة. شجاعة التفكير بشكل مختلف، شجاعة التخلي عن بعض الأشياء من أجل كسب أخرى أقل مادية، شجاعة السير نحو الآخرين، شجاعة الاعتراف بأخطائنا، شجاعة رفض الظلم في هذا العالم، شجاعة مواجهة المنطق الذي يسير بنا نحو الهاوية». استيقظ الوعي البيئي لبرطراند بشكل متأخر نوعا ما.. يقول: « أنا طفل المدن. لقد قضيت شبابي دون أن أهتم بالطبيعة. لقد تشكل وعيي بهدوء خلال العشر سنوات الأخيرة حيث اشتغلت، انطلاقا من 1967، في حديقة حيوانات بمنطقة الأليي ( فرنسا). في تلك الفترة، كنت أصطاد ليس من أجل المتعة ولكن في إطار العمل الذي كنت أقوم به. وفي أحد الأيام وجدت خنزيرا مصابا بجروح بليغة. لقد اقتلعت رصاصة جزءا من فكه، وكانت رجلاه مقطوعتان وكان يسير على ركبتيه. كان المنظر رهيبا ! لقد اضطررت إلى قتله بسكين حاد جدا كان بحوزتي. في تلك اللحظة، قلت في نفسي: ” لا، ليس لنا الحق حقيقة في فعل هذا ! ” كانت يداي ملطختان بالدماء. كنت أنظر إلى ذلك الحيوان المسكين الذي كان قد أصابه الهوان وعانى لمدى ثلاثة أشهر. كان ذلك اليوم هو اليوم الذي قررت فيه ألا أصطاد أبدا. لست ضد الصيادين، لأنني أعلم أنه ينقصنا العدد الكافي من الحيوانات المفترسة في غاباتنا. أما أنا فلن أقتل أبدا حيوانا في الغابة». ليسمح لي القارئ بالإشارة إلى بعض المحطات الأساسية في مسار هذا الرجل الاستثنائي.. سنة 1976، سيذهب يان أرتوس إلى كينيا. كانت هذه هي المرة الأولى التي يحلق فيها في الجو. وحتي يدرس في سياق أعماله العلمية سلوكات الأسود جاءته فكرة تصويرها انطلاقا من منطاد. ثم، و انطلاقا من الثمانينيات، سيخترق المصور برطراند سماءات العالم كله، على متن طائرة الهليوكبتر، وهو ما سوف يخلده لاحقا في إصدارات لن تتكرر. لقد قام هذا الرجل الذي ازداد سنة 1946 بإعادة إحياء، بمعنى ما، التجربة، المؤسسة للوعي البشري، لتلك الأرض وقد تمت رؤيتها لأول مرة من الفضاء، من طرف رجل الفضاء السوفياتي يوري غاغارين سنة 1961. ستشكل سنة 1994 بلا شك منعطفا حاسما في المسار المهني و الحياة الشخصية ليان أرتوس برطراند. وبدعم من اليونسكو، سينطلق في المشروع الضخم الخاص بإحصاء، انطلاقا من الجو، أجمل المواقع الطبيعية للكوكب. فكان كتاب الأرض منظور إليها من السماء. لاقى الكتاب نجاحا هائلا اتخذ أشكالا متعددة: معرض حضره 120 مليون شخص في 110 مدن في العالم، و كتاب بيعت منه 3 ملايين نسخة و ترجم إلى 24 لغة، و فيلم تم إخراجه سنة 2004.. يعبر العنوان الفرعي لهذا المشروع جيدا عن مجموع فلسفة يان-أرتوس برطراند: تقديم شهادة عن جمال العالم و محاولة حماية الأرض. ينشط رجل الإعلام هذا أيضا برنامج، الأرض منظورا إليها من السماء Vu du ciel ، و هو برنامج تلفزي على قناة فرانس 2 الفرنسية مخصص كلية للبيئة. سيدفع الالتزام البيئي بيان-أرتوس إلى تأسيس مؤسسة ذات نفع عام، هي مؤسسة “كود بلانيط” GoodPlanet، يحاول من خلالها تحسيس المقاولات و الجمهور بالتحدي الذي يمثله التغير المناخي. أذيع فيلمه الطويل «هوم» يوم 5 يونيو من سنة 2009، بمناسبة اليوم العالمي للبيئة في أكبر المدن العالمية. في هذا الفيلم، يقدم يان أرتوس الوضع الحالي و يقترح على المجتمعات أن تتبنى سلوكات جديدة. ومنذ حوالي سنتين سيمنح يان-أرتوس لقب سفير نوايا حسنة لبرنامج الأممالمتحدة من أجل البيئة.. يومن برطراند بقوة بالنزعة الكارثوية le catastrophisme، تلك التي تعتبر أن الأرض سائرة لامحالة الى حتفها، ما لم نغير جذريا من سلوكاتنا وأنماطنا الاستنزافية في العيش.. يعتقد برطراند مثله مثل إيكولوجيين كبار آخرين ( نيكولا هيلو، ألبير جاكار، إدغار موران، سرفان شرايبر، بيير رابحي…) أن النمط الإنتاجي/الاستهلاكي المتطرف ينتج مخلفات، بل كوارث لاقبل للأرض بتحملها في المدى المنظور- على العكس تماما من بعض الإيكولوجيين ( و منهم كلود أليغر وزير التربية الفرنسي الأسبق) الذين يرفضون بقوة الربط بين الأنشطة الإنتاجوية/الاستهلاكية التدميرية للبشر و التحولات الكبرى الجارية الآن في البيئة ( ارتفاع الحرارة، تلوث الهواء، زحف التصحر….) في نوع من التبييض المشبوه لممارسات لايمكن إنكار خطورتها.. يومن برطراند على العكس تماما ممن يسميهم بالبيئيين المتحالفين مع الرأسمال الصناعي الدولي باستعجال البدء في التفكير في بدائل حقيقية للنماذج التصنيعية الاستهلاكوية المتطرفة.. في هذا السياق، تشكل مشاهدة فيلمه «هوم» مدخلا جيدا لفهم كل الأخطار المحدقة بنا، نحن و الأجيال التي سوف تأتي من بعدنا..