أنا شابة عمري 24 سنة، متزوجة منذ حوالي خمس سنوات، خلال الشهور الأولي زواجنا، شعرت أنني أسعد زوجة في العالم، لكن بعد مرور شهور، بدأت أحوال زوجي تتغير إذ لم يعد ذلك الشخص القادر على منحي الحب، أو الحنون الذي لا يبخل على امرته بكلمة طيبة أو لمسة تترجم حبه، إذ تحول إلى شخص آلي يلج البيت فقط من أجل الأكل والنوم، وعلاقته بي تكاد تكون مرتبطة بالمعاشرة الجنسية التي تدخل في باب الواجب الشرعي لا أقل ولا أكثر.استمرت علاقتنا على هذا المنوال، أكل، نوم ومعاشرة جنسية، وخلال هذه الفترة كان حملي وإنجاب طفلي الأول ثم الثاني وسيلتي الوحيدة لكسر روتين علاقتي مع زوجي. غير أنني خلال هذه الفترةو استشرت والدتي فيما أعاني منه، عندها طلبت مني والدتي أن أحدث زوجي بشكل مباشر فيما أشعر به. والمصيبة أنه رغم حديثي الصريح مع زوجي، إلا أنه لديه قدرة عجيبة على إنكار المشاكل والعيوب مهما عظم حجمها، بل الأكثر من ذلك كان يقول لي أن مطالبي هي أمور تافهة وأنني أعاني من مراهقة متأخرة. ولا أعرف حقيقة هل يعرف ويدرك هذه المشاكل وينكرها، أم أنه أصلا لا يراها ولا يدركها، فقد اعتدت منه على سماع جملة واحدة مهما كان حجم الأزمة " راني عيان والنهار كامل وانا خدام، باغي نرتاح|. زوجي اليوم منسحب بصفة عامة، فهو على استعداد أن يعود من عمله ليأكل وينام ثم يصحو ليجلس أمام التلفزيون بقية اليوم دون كلمة واحدة، وإن نطق ببعض الجمل فلن تكون إلا المليئة بالطلبات.حاولت أن أغير من تعاملي معه لعله يجدد ارتباطه بي وبطفليه، قلت له بصراحة ذات مرة إنني وحيدة وأنا معه، فأنا لا أشعر بوجوده حتى ونحن في نفس الغرفة، فحتى بصرف النظر عن حاجتي إليه في مشاركتي مسؤولية الأولاد. فأنا أحتاج إلى من يؤنسني، ومن يمنحني الحب، لكن لا حياة لمن تنادي . فاطمة/ طنجة من المبادئ الأساسية للزواج، التقدير والاحترام المتبادل بين الزوجين، والإيمان الراسخ بضرورة الاستمرار في الحياة المشتركة. لكن, تأتي هنا المشاعر لتزكي هذه الضرورة، وتبارك التعبير عن التقدير والاحترام الذي يبديه الزوج لزوجته أو العكس. وما هو معروف، هو أن الزواج قد تصادفه في طريقه، الكثير من الاكراهات وضغوط الحياة اليومية, ومشاكل الحياة المشتركة. لهذا، لا بد من إظهار الكثير من المشاعر والتعبير عن العواطف الكامنة، لأن ذلك من شأنه أن يقوي الثقة بين الزوجين، ويساهم في بناء الحياة الزوجية وقيامها على أسس متينة قادرة على الصمود أمام كل التحديات والصعوبات التي تصادفهما. فمن الصعب قيام الحياة الزوجية المشتركة، بدون تلك الشحنات العاطفية والكلام المعسول والإيماءات التي تكشف عن مدى حب وتقدير كليهما للآخر. إن التعبير عن المشاعر، والكشف عن العواطف بين الزوجين، هما بمثابة ترياق، يمنحان للحياة الزوجية حلاوتها ويبرزان قيمتها، ويساعدهما على اكتشاف مزايا وخصال ومكانة كل واحد منهما لدى الآخر، وهو ما يقوي وشائج الارتباط بينهما. فما جدوى الحياة الزوجية، إذا غابت عنها مشاعر الحب والتعبير عن التقدير والاحترام الصادق, والاعتزاز بالحياة المشتركة. فالزواج، كما هو موثق، غايته الدوام والاستمرار، وهو ليس بالمطلق، متعة يوم أو ليلة، بل هو الرغبة المتبادلة في قطع مراحل العمر معا. وتقاسم كل ما يمكن أن يعترضهما من إكراهات خلال قطع هذه المراحل، الحلو منها والمر، السار منها وغير السار، خاصة وأن هذه الحياة المشتركة سوف تخلف ذرية وأطفالا، سيحتاجون هم بدورهم إلى من يحبهم ويوفر لهم محيطا صحيا وسليما يقوي احترامهم للعائلة، وينمي شخصياتهم ويفتح أعينهم على مجتمع مدعوين لبنائه والعيش فيه. وهذا يقتضي من الآباء توفير الأجواء المناسبة داخل البيت العائلي وخارجه ولن يكون ذلك بعيدا عما سيراه ويشاهده الأطفال من التقدير والاحترام والمحبة المتبادلة بين والديهما، وعن الشحنات العاطفية والتعبير عن مشاعر الحب بينهما. إلا أن الأمور، لا تأتي بشكل تلقائي، فلا بد من توفير أجواء مناسبة وبيئة تعترف بهذه المشاعر وتقدر هذا السلوك بين الزوجين. فكثير من الظروف لا تتيح هذه الفرص أمام الزوجين للتعبير عن مشاعرهما تجاه بعضهما البعض، بل قد تخلق الكثير من العوائق والحواجز أمامهما وتكبحهما، فيتعود الزوجان على كتم هذه المشاعر أو تأجيل التعبير عنها إلى أن تتاح الفرص لذلك، أو قد يتم التعبير عنها بأمور أو رموز تبعد عنهما انتقادات الآخرين أو استهجانهم لمثل هذا التصرف. لهذا، نلاحظ أن الكثير من الأزواج, في مثل هذه المجمعات والثقافات، ما لا يقدرون على كشف مشاعرهم الرقيقة وعواطفهم تجاه زوجاتهم, أو العكس، أمام الملأ، أو في حضرة الأهل والأقارب، ولا يكشفون عن ذلك، ولا يعبرون عن مشاعر الحب تجاه بعضهما البعض إلا عندما يكونان في مكان آمن وبعيد عن أنظار الآخرين ومراقبة الفضوليين. فإظهار مشاعر الحب والاحترام بين الزوجين يعبر عن قوة شخصيتهما. فالزوجان ذووا الشخصية القوية والمؤمنان بجدوى الحياة المشتركة بينهما، هما اللذان يقدران على الإفصاح عن عواطفهما لبعضهما والتعبير الصريح عن محبتهما لبعضهما أمام الجميع، ما داما مقتنعين بأنهما لا يقوما بفعل محظور, في إطار العلاقة الشرعية، والمعترف بها اجتماعيا. إن القلوب لا تعترف بالحواجز والموانع، وهي عندما تحب، تفعل كل ما يمكن وما لا يمكن للتعبير عن هذا الحب. وسرعان ما يظهر أثر ذلك على محيا وأسارير وجه المحب وعلى نظراته مهما حاول إخفاءها. والذين ينتقدون هذا السلوك أو يعارضونه و يستهجنون التعبير عن مشاعر الحب بين الزوجين، هم أولئك الأشخاص ضعيفي الشخصية، أو الذين لا يعرفون قيمة الحب في الحياة الزوجية، أو الذين هم محرومون من ذلك لسبب من الأسباب. وقديما قيل عن ثعلب "لافنتين"، عندما لم يستطع تذوق العنب، قال عنه، بأن به حموضة. إن إبراز المشاعر بين الزوجين ينم عن تقدير كبير للحياة الزوجية، ومحبة قوية للحياة التي يتقاسمانها ويعبر بالملموس، عن ا لرغبة في الاستمرار معا، وفي إطالة عمر الحياة الزوجية والعيش المشترك. فما قيمة الحياة الزوجية بدون حب وبدون القدرة للتعبير عن هذه المشاعر النبيلة. إن ذلك في الواقع، هو الذي يعطي للحياة الزوجية طعما لذيذا ومذاقا، ما فتئ الأزواج يتوقون إليه ويتطلعون لمذاقه. وسيكون مخطئا كل من اعتقد عكس ذلك. أسألوا علماء النفس والأطباء النفسيين عن الأدوار التي تلعبها مثل هذه المشاعر بين الناس، وليس فقط بين الأزواج، وبصفة خاصة، فيما يتعلق بتقوية أواصر الحياة الزوجية واستمرار العلاقات بين كل المحبين ودوامها. الرجل المغربي لا يحجم عن إبراز مشاعره تجاه من يحب، زوجته كانت أو غيرها، ولكنه يتحاشى أحيانا ذلك، خضوعا لما ترسب لده من اعتقادات خاطئة في مجملها. إن البيئة المجتمعية والثقافة السائدة في مجتمعه هي التي يكون لها وقع قوي على إظهار المشاعر والتعبير عما يخالج النفس من عواطف ويقوي نبضات قلب المحبين. إن المجتمعات المحافظة والثقافات البالية والمهترئة هما بمثابة عدو للتعبير عن مشاعر الحب بين الأشخاص. فقد وضعت هذه، مجموعة من العوائق الأخلاقية والرمزية تكون كفيلة بكبح هذه المشاعر والوقوف ضد التعبير عنها في العلن. لذا نجد من يتوفر على هذه المشاعر, عادة ما يلجا إلى التعبير عنها في الخفاء وبعيدا عن الأنظار. والمغاربة في معظمهم من هذا الصنف، لأن ثقل العادات وقوة التقاليد هما اللذان يدفعان هؤلاء إلى عدم الإفصاح عن مشاعر الحب والتعبير عن العواطف التي يكنها البعض للبعض الآخر. فالرجل، حسب بعض الأعراف المغربية، يجب أن يصمد أمام المرأة، وألا يعبر لها بسهولة عما يخالج نفسه، وألا يهزم بيسر أمام أول امتحان عاطفي. وحتى إن فعل، فبمقدار، وعليه أن يتحاشى نظرات الفضوليين والحاسدين والغيورين من الأهل ومن غير الأهل والأقارب. نحن لا ندعو هنا إلى الانحلال الأخلاقي والتفسخ، أو إلى تعميم تلك السلوكيات المائعة التي نجدها في المجتمعات الغربية، كأن يصبح التعبير عن المشاعر العواطف مرادفا للميوعة والانحلال الأخلاقي، ولكن ندعو إلى ثقافة تعترف بالمحبة المتبادلة وإلى التقدير والاحترام بين الزوجين، وإلى معرفة كيف يمكن أن يعبر الأزواج عن حبهم لزوجاتهم، والعكس صحيح، لما لهذا التعبير من قيمة وأدوار في دوام علاقتهم وبناء هذه العلاقة على التقدير والاعتراف بقيمة الشخص الآخر ومكانته في قلوب بعضهم البعض. كثيرة هي تلك المجتمعات التقليدية التي لا تعترف بمشاعر الحب علنا، ولكنها لا تمنعها من التعبير عنها خفية وفي السر. وهذا ما نلمسه في كثير من الأوساط المغربية. فمن الصعب أن نقول عن الأجيال السابقة، التي تربت ونشأت في بيئة اجتماعية وثقافات مثقلة بالتقاليد والعادات المانعة للتعبير عن هذه المشاعر، بأنهم لم يكونوا يحبون بعضهم البعض. ولكن ما هو معروف أيضا، هو أن مثل هذه الأمور، والإفصاح عن مشاعر الحب بينهم لم تكن تظهر إلا داخل غرف النوم، وبعيدا عن كل من يوجد بالبيت العائلي. وعلى هذا الأساس، فكم من زوج كان يخفي هداياه لزوجته عن الكل، ولا يظهرها لها إلا عندما يكونان وحيدين في غرفتهما. وكم كان أولئك الأزواج الذين لا يبتسمون في وجه زوجاتهم إلا عندما يختليان مع بعضهما، أو يبتعدان عن الآخرين. وهذا سلوك لا زال شائعا في العديد من الأسر المغربية حتى في الوقت الراهن. عندما أطلق على الإناث أنهن من الجنس اللطيف فلأنهن رقيقات وسريعات التعبير عن عواطفهن وعن كل ما يحرك قلوبهن, كما أنهن سريعات الثقة في كل من يتغزل بجمالهن ويطري على محاسنهن. لهذا نجد المرأة حريصة على الإسراع بالتعبير عن مشاعرها وتحب من يبادلها هذه المشاعر، ويعبر لها عن عواطفه وأحاسيسه تجاهها. والتعبير عن المشاعر ليس بالضرورة شأن أنثوي، بل هو شأن ذكوري أيضا. في البداية، لابد من التأكيد على وجود العديد من الأشياء التي تضمن تناسق العلاقة الزوجية واستمرارها، ومن أهمها طرق التعبير عن الحب والمشاعر المشتركة التي تجمع بين طرفي العلاقة الزوجية. وهو الأمر الذي تشتكي منه صاحبة الرسالة التي بين أيدينا، لكن المفارقة في كلامها أن تؤكد على ثقتها الكبيرة في حب زوجها لها. علما أن أغلب النساء يشتكين من نفس هذا المشكل، وسببه أن معظم الرجال يعتبرون الحديث عن الحب والمشاعر شأنا نسائيا . ربما قد تكون المرأة، نظرا للتربية التي تلقتها وللثقافة المجتمعية التي تشبعت بها، أسرع من الرجل في التعبير عن المشاعر، ولكن الرجال أيضا لهم مشاعر، وقادرون على الحب الحقيقي والتقدير اللازم للمرأة. ومن المفاهيم الأخرى الخاطئة أن أحاديث الحب هي أمر نسائي بحت، وليس للرجال أي علاقة بالموضوع. إلا أن الررمانسية هي عنصر يدخل في التكوين البشري بغض النظر عن الجنس، إلا أن المجتمع لا زال يستنكر ذلك على الرجال. عموما يمكن القول أن الحديث عن الأحاسيس بين الشريكين / الزوجين أمر مطلوب لاستمرار العلاقة ولتطورها، لكن مع ضرورة التمييز بين شيئين أساسيين : الأول يرتبط بطبيعة النساء نفسها التي تجد في الكلمات والتعبير المباشر عن طريق الأحاديث الرومانسية أصدق الأساليب القادرة على منح العلاقة الزوجية قيمتها وعلئ التقدير الارتباط المشترك داخل مؤسسة الزواج. الثاني يرتبط باعتقاد البعض أن قضاء وقت حميم مع الشريك ما هو إلا مقدمه لممارسه الجنس، في أن الحميمية جزء مهم و أساسي في العلاقة الزوجية. بل إنها العنصر الذي يمنح العلاقة الزوجية عمقها ومعناها الحقيقي. ومعروف في علم النفس أن العواطف نوعان: عواطف الحب وعواطف الكراهية. وهذه العواطف مجتمعة توجد عند الإناث وعند الذكور، وهي التي تدفع إما إلى التقرب من بعضهما البعض، أو إلى النفور والابتعاد عن بعضهما. فقط، كل ما يجب أن نعرفه هو أنه للمجتمع ولنوع الثقافة السائدة فيه وعاداته وتقاليده قوة قد تضعف أو تدعم هذه المشاعر عند الرجل كما عند المرأة.