تقع تافراوت بنفوذ عمالة تزنيت، وهي منطقة مميزة بدأت ملامحها تتغير بفضل جهود أبنائها الذين يترجمون فخرهم بالإنتماء للمنطقة من خلال محافظتهم على عادات وتقاليد يعملون على احيائها كلما سنحت لهم الفرصة، سواء كانوا مهاجرين خارج المغرب، أو وافدين على المدن المغربية الكبرى. ويعد الزفاف فرصة لبعث الروح في الكثير من العادات التي «بدأت تتراجع لكنها لم تختف» كما تشير محجوبة أمريبض رئيسة جمعية تيمغارين التي عملت على تقديم بعض تفاصيل طقوس المنطقة، على اعتبارها من الفاعلات الجمعويات في مجال التعريف بالتراث الأمازيغي. «أسروس».. بدون تفاصيل المهر بعد العثور على العروس المناسبة، تتحضر عائلة العريس ليوم «أسروس»، وهو يوم الخطبة الذي تستقبل فيه عائلة العروس عائلة الخطيب بالتمر وآملو، عوض التمر والحليب، حيث يقوم الضيوف بغمس التمر في آملو وسط زغاريد المستقبلين. بعد دخول الضيوف يتم تقديم الخبز المزين باللوز دلالة على حرارة الإستقبال من جهة، وعنوانا على غنى المنطقة باللوز من جهة أخرى. تحرص العائلة على عدم الإختلاط، حيث يجلس الرجال في غرفة مستقلة عن النساء اللواتي يعملن على ترديد بعض الأهازيج بصوت منخفض حتى لا تصل لمسامع الرجال. داخل الغرفة التي تضم الرجال، يتعرف الأب على خطيب ابنته من قريب، ليتم بعدها الاتفاق حول موعد يوم الزفاف. كما يحرص الأب على عدم ذكر تفاصيل المهر على اعتبار ابنته ليست سلعة للبيع، تاركا الأمر بيد الزوج، كما أن الهدف من الزواج بالنسبة للأب هو الحصول على رجل من معدن طيب، “ولد ناس”. بعد الموافقة تتم قراءة الفاتحة، وتنتقل النساء للحديث حول ما تريده الزوجة المستقبلية من هدايا العرس، إضافة إلى أخد مقاساتها من أجل تحضير ملابس الزفاف. أثناء اللقاء يتم تحضير الطاجين الذي تتميز به المنطقة، والذي يعد طبقا رئيسيا في الولائم. عند انتهاء الحفل لا تتردد النساء من عائلة الخطيب سواء كن شقيقاته أو والدته من وصف الخطيبة، ووصف ما كانت ترتدي أمام العريس من أجل تقريبه من صورتها. غالبا ما يتم تحديد موعد الزفاف خلال فصل الصيف، بحكم وجود أغلب أفراد العائلات خارج المنطقة، سواء داخل المغرب أو خارجه. استعداد جماعي تبدأ مراسيم الزفاف من بيت العروس وقد تمتد من يومين إلى سبعة أيام حسب المستوى المادي لكل أسرة. ويعد يوم الحنة أول أيام الإحتفال، حيث تستحم العروس رفقة عدد محدود من صديقاتها اللواتي يعملن على جلب الماء وتوفير المساعدة لها، كما تحرص الفتيات رفقة العروس على وضع الحنة لمرات متتالية حتى تكتسب اللون الأسود في أكفهن، كما تحرص الفتيات على تعطير الماء بالخزامى والقرنفل. تعمل الفتيات على ترديد أغاني أمازيغية تتغنى بجمال العروس التي ازداد حسنها فجأة، حتى أضحت مرغوبة من الجنس الآخر، وكيف أن الملائكة تعمل على تزيينها، لتظهر للجميع في أبهى صورة. وغالبا ما تكون هذه العبارات ارتجالية من وحي الحدث. من جهته يعمل العريس أيضا على الذهاب للحمام رفقة أصحابه، ويرتدي جلبابا أبيض. في هذه الأثناء تعمل باقي النساء سواء كن من عائلة العروس أو جاراتها على اعداد الخبز، وكسر اللوز و طحنه وتقديمه على شكل هدايا يتم الاستعانة بها من أجل استقبال الضيوف. وتفد النساء على بيت العروس وهن يحملن فوق رؤوسهن سلالا قد تحمل الخبز، أو الزيت، أو آملو. بعد خروج العروس من الحمام ترتدي زيا مزركشا، وتضع فوقه لحافا أبيضا، وهو زي موحد ترتديه جميع الحاضرات، وليتم تمييز العروس تجلس في الركن الأيمن من الغرفة مغطاة الوجه خوفا عليها من العين، كما أن البعض يعتقد أن جمالها حكر على الزوج الذي يعمل على نزع الغطاء عن وجهها في نهاية الحفل. موكب «إسلان» يقدم «أوكريس» بعد يوم الحنة، تستقبل أسرة العروس “أوكريس”، أو ما يصطلح عليه في مناطق أخرى “الدفوع”، حيث يبعث العريس رزمة كبيرة عبارة عن حيك أبيض يضم دملجا من الفضة، أدوات زينة تقليدية، وزيا ترتديه العروس أثناء توجهها لبيت عريسها، إضافة إلى العديد من الهدايا الموجهة للعروس، ووالديها. تحمل هذه الهدايا من طرف “إسلان” وهي كلمة أمازيغية تعني العرسان، وهم في الغالب من أصدقاء العريس. وقد كانت العروس في الماضي تنتظر مجيء “أوكريس” حتى تتمكن من أن تتزين بمحتواها، لكن الأمر أصبح اليوم مجرد تقليد، حيث تكون العروس في كامل زينتها، وتكتفي وصيفاتها بتمرير الكحل الموجد ضمن الهدايا كنوع من التبرك. عندما يصل”إسلان” إلى بيت العروس، يتقدم أصغرهم سنا حاملا بين يديه “أوكريس”، أي الهدايا، ويلامس بها رأس العروس التي يكون وجهها مغطى، أو يلامس بها كتفها. يعمل أيضا على أن يوضع طبق من العصيدة بين يدي العروس، ويقوم صديق العريس بصب السمن الذائب فوق العصيدة بينما تقوم هي بتحريكها بالملعقة، وذلك لمعرفة مدى مهارتها. يحافظ بعض سكان المنطقة على هذه العادة لحدود اليوم، من أجل إضفاء جو من المرح على الحفل. بعد أن يضع أصغر أفراد “إسلان” الهدايا بين يدي العروس، تسلمه عائلة العروس باقة كبيرة من الحبق، أو من الزهور كنوع من تبادل الهدايا. يتخلل الإحتفال توزيع الأطعمة التي تشبه لحد كبير الولائم داخل جميع أنحاء المغرب، غير أن سكان المنطقة يحرصون على تقديم بعض الأطباق المحلية التي يعلنون من خلالها الافتخار بالإنتماء للمنطقة. مثل البسيس، بركوكس، التمر المرافق بآملو. والبسيس عبارة عن شعير محمص بالملح، يطحن ويغربل حتى الحصول على ما يشبه الدقيق، يعجن بالسمن الذي يصنع من الزبدة البلدية والزعتر ، يعجن جيدا ويوضع في طبق ويزين اللوز،ليتم تناوله مع الشاي، وهو طبق يفتخر أهل المنطقة بأنه يوحد بين مائدة الفقير والغني. أما بركوكس فهو عبارة عن شعير مطبوخ على البخار “مفور” توضع في وسطه زلافة مملوءة بالسمن و العسل وأملو، ويزين بالبيض. تتم مراسيم الحفل بحضور فرقة أحواش النسائية داخل بيت العروس. نهار «البسيس» كان اختتام الحفل في الماضي يتم من خلال وضع الحايك على العروس، لترافق عم زوجها على ظهر دابة نحو بيتها، لكن سكان المنطقة تخلو عن هذه العادة، وعوضت بحضور الزوج الذي يعمل على اصطحاب زوجته بنفسه نحو بيت أسرته. أثناء انتقال العروس تردد النساء أهازيج حزينة دلالة على الفراق، و يقوم الأخ الأكبر بتقشير أعلى الباب كدلالة على محو آثار شقيقته من البيت حتى لا تعود له مجددا عقب خصومة أو طلاق، لكن هذه العادة تراجعت. عند وصول العروس لبيت زوجها رفقة أهلها، يتم إمطارهم باللوز من سطح المنزل، كنوع من الترحيب. وفي صبيحة اليوم الموالي، وهو المعروف بنهار البسيس، تأخذ عائلة العروس طبق البسيس الذي يتم تناوله مع الشاي داخل بيت العريس. في هذه الأثناء يبدأ الاحتفال بحضور فرقة أحواش التي تتوسط فناء المنزل، حيث تقف النساء في صف واحد وعلى رؤسهن إزار يغطي وجوههن، لتبرز الأكف التي تم تزيينها سابقا بالحناء، ويتراوح عدد النساء ما بين 10و16امرأة يكن في الغالب فتيات، حيث يرفض رجال المنطقة انخراط نسائهن في الغناء، ويصاحب غناء النساء بإيقاعات الطبول والدفوف التي تقرع من طرف مجموعة من الرجال يجلسون أمام النساء في شكل حلقة حتى لا يتمكنوا من رؤية النساء. تعلوا الأهازيج إلى أن يبرز أجمل صوت من بين أصوات الفتيات. يعمل الحاضرون على التدقيق في ملامح العريس، ويلاحظون طريقة استقباله لأهل العروس، معتبرين ذلك بمثابة المقياس لمعرفة مدى رضاه عن العروس..!! سكينة بنزين