AHDATH.INFO عرف المشهد السياسي بمدينة الدارالبيضاء تحولات كبيرة بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية ليوم الثامن من شتنبر، والتي حملت تغيرا جذريا في موازين القوى جعلت حزب العدالة الحزب المهيمن على المشهد في المحطتين الانتخابيتين السابقتين (2015، 2016) ، يفقد مواقعه في قلب قلعته الانتخابية ، مقابل صعود حزب التجمع الوطني للأحرار. فخلال هذه الانتخابات، وعلى مستوى الاستحقاقات التشريعية، لم يتمكن العدالة والتنمية من الحفاظ على المقاعد ال 15 التي حصل عليها، فيما لم يفز حينها حزب التجمع الوطني للأحرار سوى بمقعدين .. وكان حزب الأصالة والمعاصرة الذي يتقاسم المشهد اليوم مع حزب الحمامة، قد ظفر بسبعة مقاعد محتلا وقتها المرتبة الثانية. تراجع حزب المصباح من 15 مقعد إلى مقعد واحد ، إلى جانب فقدانه للمقاعد التي تحصل عليها في الانتخابات الجماعية والجهوية السابقة (30 مقعدا في الانتخبات الجهوية مقابل مقعدين يوم 8 شتنبر ، و74 مقعدا على مستوى مجلس المدينة من بين 147 مقعدا، مقابل 18 مقعدا من أصل 131)، له دلالته في ما يخص تقييم تجربة هذا الحزب في تدبير الشأن المحلي من موقع رئاسته لعدد من المجالس الجماعية ورئاسة مجلس الجماعة، فضلا عن كونها مؤشرا حسب عدد من المتتبعين للشأن المحلي، على تراجع شعبية هذا الحزب لدى الساكنة البيضاوية، لاسيما وأن المدينة عانت بسبب الفشل في حل عدد من الملفات المرتبطة بالمعيش اليومي للمواطن. ومقابل هذا التقهقر، سجل حزب التجمع الوطني للأحرار تقدما غير مسبوق في النتائج على مستوى المدينة، حيث تصدر نتائج انتخابات أعضاء مجلس جهة البيضاء - سطات، بعدما تمكن من حصد 26 مقعدا من مجموع مقاعد مجلس الجهة، البالغ عددها 75 مقعدا (مقابل 6 مقاعد سنة 2015)، وكذا نتائج انتخابات أعضاء مجلس جماعة الدارالبيضاء بحصوله على 41 مقعدا من مجموع مقاعد المجلس البالغ عددها 131 مقعدا ، إلى جانب حصوله على ثمانية مقاعد في الانتخابات التشريعية (مقابل مقعدين). المقاربة الرقمية لهذه النتائج تظهر سيطرة حزب الحمامة على الخريطة الانتخابية على مستوى كبرى حواضر المملكة، في ما تبقى مسألة رئاسة المجالس التمثيلية رهينة بطبيعة التحالفات التي تنسجها الأحزاب المتصدرة للنتائج ، والتي قد تجد نفسها مضطرة للتحالف مع أحزاب صغيرة لتشكيل أغلبياتها داخل المجالس والفوز برئاستها. فالقاسم الانتخابي، الذي جرى اعتماده في هذه المحطة في سياق التعديل الذي شهدته قوانين الانتخابات بالمغرب، فعل فعله في رسم الخريطة السياسية المحلية وسمح للأحزاب الصغيرة بأن تحصل على حصة لها على مستوى الانتخابات الجماعية، والذي حد من هيمنة الاحزاب الكبرى على المشهد كلية. ففي هذه الانتخابات لم يتمكن أي حزب من الظفر بمقعدين معا في الدوائر التشريعية والجماعية، بل كانت المسعف للعديد من المرشحين الذين كان ترتيبهم متأخرا ليجدوا لهم موضعا في قائمة الفائزين. وهذه الملاحظات الاولية الخاصة بالسياق الانتخابي المحلي بمدينة الدارالبيضاء، هي التي أكدها الباحث الجامعي أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، في حديث خص بها وكالة المغرب العربي للانباء معلقا على نتائج استحقاقات استحقاقات 8 شتنبر. وقد أبرز في ما يخص ما أفرزته عملية التصويت، وأسباب تراجع نتائج حزب العدالة والتنمية بأحد قلاعه الانتخابية، أن طبيعة التصويت في هذه المحطة الانتخابية هي التي تحكمت في نتائج الاقتراع، إذ غاب "التصويت السياسي" بمدينة الدارالبيضاء مقابل "التصويت المحلي". وأشار، في هذا الصدد، إلى أن "التصويت السياسي الذي هيمن في سنتي 2015 و2016 بهذه المدينة، غاب وبرز عوضا عنه تصويت محلي، بمعنى أن اللوائح المحلية هي التي تحكمت في توجيه الدوائر التشريعية". وأضاف أنه لوحظ أيضا أن "هناك تصويتا يمكن أن نسميه تصويتا شبه عقابي، لأن الحزب الذي يسير العمودية فقد أغلب مقاعده، وأيضا حزب العدالة والتنمية لن يستطيع أن يرأس أي مجلس من مقاطعات الدارالبيضاء، بل الأكثر من ذلك أن العمدة السابق لمدينة الدارالبيضاء فقد مقعده البرلماني، وهذا ما يعكس التراجع الكبير وغير المسبوق لحزب العدالة والتنمية في أحد قلاعه وفي الدوائر التي كان يكتسح فيها". وتابع أن الحزب فقد مقاعده حتى في الدوائر التشريعية التي كان مهيمنا عليها، مثل دائرة الحي الحسني ودوائر أخرى، فيما حافظت، بالمقابل، الأحزاب الكبرى على مقاعدها في جميع الدوائر البرلمانية بالدارالبيضاء، ويمكن الإشارة هنا إلى حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، بالإضافة إلى حزب الحركة الشعبية. ويبقى أن نتائج انتخاب أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات وأعضاء مجلس الجهة محليا لا تشكل استثناء عن تلك التي ظهرت على المستوى الوطني، وبالتالي لا يمكن أن نقرأ النتائج المحصل عليها بهذه الجهة بمعزل عن النتائج المسجلة عبر التراب الوطني. وبهذا الخصوص، أكد رشيد لبكر،أستاذ القانون العام بكلية الحقوق التابعة لجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن النسبة الهزيلة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية رئيس الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته، تبين أنه فقد حتى أصوات المنتمين إليه أو المتعاطفين معه، مما يفيد- في نظره- أن صناديق الاقتراع أصبحت لها الآن صولة وكلمة الفصل، الشيء الذي يعكس نوعا من التقدم في نسبة وعي المواطن، وفي قدرة الحسم التي أصبح يمتلكها الصوت الانتخابي. واعتبر أن التوجه بكثافة لصناديق الاقتراع، على غير العادة، شكل أيضا رسالة وعقابا صريحا حيال الحكومة الحالية المنتهية ولايتها، ربما – برأيه- لكونها دبرت شؤون المواطنين بطريقة لا تستجيب لرغباتهم وانتظاراتهم.