التزم الصمت لمدة، وظل لا يتكلم سوى لغة الموسيقى،انزوى داخل محرابه، واضعا عمامة الناسك المتعبد، يراقب ما يجري داخل الساحة الموسيقية المغربية وفي قلبه غصة لما الت إليه الأغنية المغربية، لكنه لم يخبئ رأسه في التراب كما تفعله النعامة، أو وضع يده على قلبه ينتظر الفرج وانعتاق أغنيتنا المغربية من مخالب الرداءة والإنحطاط ،بل شمر على ساعد الجد والنشاط، وحمل منظار الرصد ،ليقف على أدق الأشياء التي نخرت جسد الأغنية المغربية المريض. ثم خرج محاولا إنقاد مايمكن إنقاده ,ترك المحراب وبسط عينه الثاقبة ،في محاولة لوضع اليد على الشوائك التي أحاطت بالإبداع المغربي. شوائك عطلت نمو الكلمة الشاعرية التي تأسر القلوب، وأربكت مجاري اللحن والتوزيع والعزف والأداء ، بفعل بروز روافد صبت في مستنقعات ملوته ،تسبح فيها لوبيات طوقت الإعلام البصري بسياج من حديد، صعب العبور، ولطخت زجاجته الأمامية ،حتى انعدمت الرؤيا. هذا الإعلام البصري خاصة ،الذي اعتبره الفنان محسن جمال وسيلة لإبراز منتوج موسيقى رديء ،نهج سياسة غير عادلة ،بل انتقائية (باك صاحبي)، على حساب تعبيره." فبخلاف الإذاعة الوطنية وبعض الجهويات التي تبث بين الفينة والأخرى أغاني طربية أصيلة للرواد وما بعدهم، ظل هذا الإعلام رهينا لمزاجية بعض المسؤولين الذين لا يفقهون في الموسيقى شيئا، عطلوا كل شيء ،ومحو الذاكرة الفنية الراقية التي عاشت معها أجيال. هؤلاء الرواد يقول الفنان محسن جمال" مع الأسف هذا الإعلام طمس تراكماتهم وتاريخهم الفني، وذلك بتجاهلهم وعدم إدراجهم في برامج سخرت للتفاهة. أنا لست ضد ما يقدم من أعمال موسيقية ،يعجبني منتوج بعض الشباب المتميز بالكلمة الجميلة واللحن والتوزيع والأداء الصحيح. لكن مايؤلمني هو تبخيس الأعمال الفنية الراقية على حسب أغاني دون المستوى. لقد غابت برامج الحوارات الفنية والجلسات الموسيقية، التي كانت تضم خيرة النقاد والكتاب والملحين والمطربين. تبحر في قضايا فنية جميلة تمتع المتتبعين. بخلاف بعض المحطات الإذاعية التي مازالت تقدم أطبقا فنية راقية.لا يعقل أن يتم تغييب فنانين مرموقين أعطوا أشياء كثيرة للأغنية المغربية". بالمقابل يؤكد محسن جمال أن وزارة الثقافة تحاول جاهدة لإعادة الإعتبار لهؤلاء الفنانين المهمشين ،حيث تم استقبال البعض من منهم من طرف السيد وزير الثقافة السيد عثمان الفردوس مشكورا ،في محاولة للإنصات إلى معاناتهم وحل جميع المشاكل العالقة ." الخطوة التي قام بها السيد وزير الثقافة الشاب ، أعتبرها جبارة، تدل على الروح الوطنية لإرجاع جميع حقوق الفنانين الضائعة، وإعادة الأمور إلى نصابها، قام ببرمجة لقاءات مع جميع النقابات. كانت اللقاءات مفيدة، اعطى من خلالها أوامره لمكتب حقوق التأليف الذي تترأسه السيدة دلال العلوي لمنح جميع حقوق الفنانين قبل موعدها. وهذه الخطوة تدل على الإرادة القوية لوزارة الثقافة. وبهذه المناسبة أشكر جميع الموظفين الذين اشتغلوا صباح مساء لتوفير التوزيعات المالية لجميع الفنانين لضمان تغطية مصاريف الدخول المدرسي والعيد". هذا ولم يخف الفنان محسن جمال امتعاضه من بعض المهرجانات الموسيقية التي لا تقوم اختياراتها على عدالة بينة،بل انتقائية، وهو مايطرح عدة تساؤلات. ولا تفوتني المناسبة من دون أن اشكر الفنانة زينب ياسر على خطواتها الجبارة لضمان اوضاع اجتماعية للفنان المغربي.