يعيش حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة على وقع صراع مكثوم الصوت، مفاده تقليص تغطية الدوائر الانتخابية في الاستحقاقات التشريعية المقبلة، والواقع أن هذا المطلب أثير دون مقدمات، حتى بعض قيادات العدالة والتنمية، عادت لاتهامها المفضل للصحافة بتسريب نقاش داخلي أؤتمن على الحفاظ على سريته الصحافي قبل القيادي. وبدا أن حدة الانقسام حول هذا الموضوع باتت تُطرح على منوالين، أحدهما يناصر فكرة التقليص وتقزيم الحضور الانتخابي للعدالة والتنمية في تشريعيات 2021، دون تقديم مبرر كافي لذلك، لكنه في المقابل يطلب عدم إغلاق الموضوع في الحال، وترك باب النقاش مفتوحا حول جدوى المطالبة بتقليص حضور الحضور والوزن الانتخابي للبجيدي، يتقدم هذا الرأي وزير الدولة في حقوق الإنسان أحد أبرز قيادات العدالة والتنمية، في حين يعتبر موقف مساند لهذا الطرح أن العدالة والتنمية لا يمكن أن تواصل الانتخابات كما لو أنها معركة كسر عظام، وهذا ما تراه البرلمانية الشابة، والمثيرة للجدل آمنة ماء العينين. لكن في مواجهة هذين الموقفين ينتصب موقف جماعي لقيادات العدالة والتنمية، التي ترفض بشكل مطلق فكرة تقليص المشاركة في الانتخابات المقبلة التي يدفع بها بعض قادة الحزب، وفي مقدمتهم القيادي البارز مصطفى الرميد.
تقليص أم تكتيك
لا تعترف اليوم قيادة العدالة والتنمية بأن تقليص المشاركة في الانتخابات هي مسألة محل نقاش داخل أجهزة الحزب، بل إن عبد الله بوانو أحد قياديي الحزب اعتبر أن هذا الموضوع لم يُطرح إلا في حديث لمصطفى الرميد مع أحد أصدقاءه الصحافيين، الذي قام بنشر فحوى ما دار في اللقاء. بوانو الذي عارض نقاش أي فكرة في اتجاه تقليص المشاركة الانتخابية، معتبرا أنها مهددة للمسار الديمقراطي ومضرة بالأحزاب كاملة أكثر من ضررها على العدالة والتنمية لوحدها. بالرجوع للوراء قليلا وفي انتخابات 2016 غطت الأحزاب الثلاثة المتصدرة للانتخابات الجهوية والمحلية الماضية جميع الدوائر الانتخابية ال92 برسم الاستحقاقات التشريعية، وفقا لما أكدته وزارة الداخلية، والتي كشفت أن أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة قدمت 92 لائحة انتخابية، وهي بذلك تغطي جميع الدوائر الانتخابية بالمملكة، فيما تقدم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ب91 لائحة، وهو ما يجعل الحديث عن تراجع أي من هذه الكثل السياسية الكبرى عن تغطية كل الدوائر الانتخابية، بمثابة رمي للرصاص اتجاه الأرجل، لكن هل هذا هو السنياريو فعلا؟ هل تمكن تغطية كل الدوائر فعليا من الحصول على المراتب الأولى في الانتخابات، وبالعكس هل يعتبر تكتيك ترك الدوائر التي لا يملك فيها التنظيم حظوظا مفيدا جدا، ما يعني في المحصلة أن عملية التقليص لن تكون دائما ذات هدف تقليص المنافسة والتداول على المراتب الأولى. ما يزكي هذا الطرح، هو أن من الأحزاب التي أعلنت وزارة الداخلية عن تغطيتها لكل الدوائر المحلية والوطنية، لم يحصل بعضها سوى على أكثر بقليل من 50 مقعدا. والواقع أن الوصف الذي قدمته برلمانية العدالة والتنمية كان وصفا موفقا للغاية في كون المعركة الانتخابية السابقة كانت معركة كسر عظام، معتبرة أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي يسبق الانتخابات المقبلة لا يحتمل نفس أجواء الصراع وكسر العظم التي حكمت الانتخابات الأخيرة، والتي أفرزت البلوكاج السياسي كجواب طبيعي عن منافسة لم تُقبل نتائجها بالنظر إلى نفَس الصراع العنيف الذي حكمها » على حد قول نفس برلمانية البيجيدي.
الرميد: نقاش التقليص عابر وعفوي
تضاربت الأنباء بين من اعتبر أن نقاش تقليص المشاركة في الانتخابات القادمة كان من المواضيع التي طرحت خلال الخلوة التنظيمية السنوية، التي نظمتها الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية نهاية الأسبوع الماضي، وبين من اعتبر أن الموضوع لم تتم الإشارة إليه بثاثا ولم تتم إثارته لا في حديث رسمي أو غير رسمي. مصادر داخل الأمانة كشف في تصريحات إعلامية أن قيادة حزب العدالة والتنمية، خلال خلوة أمانتها العامة، رفضت فكرة تقليص المشاركة في الانتخابات المقبلة، واعتبرت هذه المصادر أن "لقاء الأمانة العام الشهري، الذي تم بطريقة نصف حضورية، ناقش موضوع تقليص المشاركة دون أن يكون ضمن جدول أعماله"، موضحا أن "التوجه العام هو رفض الفكرة باعتبارها مسيئة للمسار الديمقراطي، ومنافية لاستقلال القرار الحزبي" على عكس ما يدافع عنه القيادي مصطفى الرميد، الذي طالب بفتح النقاش حول فكرة التقليص، في حين أجمعت جل المداخلات التي ناقشت الموضوع على رفض الفكرة، معتبرة أنه "لا مبرر لها في هذا التوقيت، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي" على حد نفس المصادر. لكن عبد الله بوانو أحد الصقور داخل التنظيم، اعتبر في حديث مع الأحداث المغربية أن موضوع التقليص لم تتم مناقشتة، مضيفا أن كل الحديث الذي أثير حول الموضوع لم يكن ذا قيمة بالنسبة للحزب، مؤكدا أن كل الذي جرى هو حديث ودي بين الرميد وأحد اصدقاءه دون أن يتعدى الأمر هذه الحدود. لكن بوانو نفسه هو الذي أكد خلال الندوة التي نظمتها شبيبة حزبه « أن بعض الآراء التي تدعو إلى تقليص المشاركة في الانتخابات المقبلة "غير مقبولة وغير منطقية"، بل اعتبر أنها "تشوش على العدالة والتنمية وعلى برنامجه، مضيفا أن حزبه، جاء للمساهمة في العمل السياسي، متسائلا: "ما سبب الدعوة إلى تقليص المشاركة؟ هل هناك أحد له مشكلة مع العمل السياسي للحزب؟ "من له مشكلة فليقم بعمل مشابه للبيجيدي أو أحسن منه". واعتبر أن مثل هذه الإيحاءات بالتقليص، تعد "خطرا على العملية السياسية وليس على العدالة والتنمية فقط". وجاء موقف بوانو، بعد أخبار تروج داخل الحزب، بأن مصطفى الرميد، سبق أن قدم هذا المقترح داخل قيادة حزبه، لكنه قوبل بالرفض. وهذا ما يؤكد أن فعلا أن ما من دخان دون نار، ويؤكد أن الحديث عن التقليص وتباين الموافق، حتى في غير إطارها الرسمي والمؤسساتي في العدالة والتنمية، يمكن أن لا يكون حديث الساعة في الوقت الحالي لكنه ينتظر وقته فقط
التقليص والسياق السياسي
تفاعلا مع النقاش، اعتبرت النائبة البرلمانية عن دائرة الحي الحسني آمنة ماء العنيين أن هناك ضرورة للتفاوض الجماعي للوصول إلى تسوية حقيقية تؤطر المرحلة المقبلة، حيث لا يتحمل الوضع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا التوجه للانتخابات المقبلة في نفس أجواء الصراع وكسر العظم التي حكمت الانتخابات الأخيرة، والتي أفرزت البلوكاج السياسي كجواب طبيعي عن منافسة لم تُقبل نتائجها بالنظر إلى نفَس الصراع العنيف الذي حكمها. في المقابل اعتبرت ماء العينين أن هناك في المقابل حاجة « إلى فهم دقيق لمعنى التفاوض والتسوية، وهي مفاهيم ليست غريبة عن البيئة الديمقراطية، لأن التسويات الكبيرة هي توافق على المبادئ العامة المؤطرة، ثم يأتي التنافس الانتخابي ». وفسرت برلمانية البيجيدي موقفها، الذي يقارب الدفاع عن تقليص حضور العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة أن « التفاوض والتسوية في ظل مناخ سياسي هش يحكمه الفراغ ويفتقد إلى نخب قوية، لا يتجسد في إرسال "الإشارات" بالرغبة في تقليص المشاركة الانتخابية حتى لا يحصل الحزب على المرتبة الأولى، كما أن معنى التفاوض والتسوية لا يكمن في إصدار بلاغات التكذيب أو التصريحات والتصريحات المضادة. ووتساءلت ماء العينين عن البديل المطروح حتى اقتنع بعض قيادي الحزب بالمغامرة المبكرة بتسريب نقاش تقليص المشاركة بما يحمله ذلك من معنى يحتاج إلى نقاش كبير، على حد قولها، لكن التساؤل الذي وضعته آمنة ماء العينين، حتى وهي تؤكد أن الجواب عن سؤال المرحلة المقبلة غير متحصل ولم ينضج بعد، لا داخل حزب العدالة والتنمية ولا داخل دهاليز الدولة، سبقه إليها سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وهو يعتبر في جواب عن سؤال طرحته الأحداث المغربية قبل سنة حول طموحات وامكانيات البيجيدي في الفوز بولاية ثالثة، أن الأمر لا يتعلق فقط بالحضور بل بالسياق الدولي والاقليمي والوطني. لكن هل يتعلق الأمر فعلا بسياقات لا تريد النواة الصلبة للعدالة والتنمية أن تشرك فيها باقي القيادات والأعضاء؟ مصدر جد مطلع كشف أن العدالة والتنمية على أتم الاستعداد للتنازل عن الترشح في عدة دوائر، ما دام أنها أولا علقت أو حلت فروعها هناك كما هو الحال بالنسبة لوجدة، أو أنها تعرف مسبقا أن التنافس في عدد آخر من الدوائر لن يجديها، لكن في هذه الحالة يضيف نفس المصدر، الذي رفض كشف الجريدة عن هويته، أن البيجيدي لن يخسر شيئا ويمكن الفوز بولاية ثالثة، اللهم إلا في حال دخل مفاوضات حازمة تضمن له المشاركة في الحكومة أولا والمشاركة في صياغة تركيبة الأغلبية بل وحتى الاتفاق المسبق على تسمية رئيس الحكومة، الذي لن يخرج حسب هذا المتتبع عن حزب التجمع الوطني للأحرار، دون أن يكون عزيز أخنوش هو المعني، فالأخير راكم من العداوات مع البيجيدي بحيث يصعب أي اتفاق مع تواجده اسمه في المحور.