ما الذي قد يدفع بأي كان، للتوجه إلى منطقة بني منصور، سوى زيارة الأهل والأحباب أو قضاء مآرب إدارية. لا شيء غير هذا قد يشجع أي كان على «المغامرة»، للوصول لهاته الجماعة والتوغل في مداشرها. الوضع السيء للطرق في هذا الاتجاه، يدفع أي كان للتفكير مليا قبل الانطلاق، بل أنه قد يلجأ إلى التخلي عن السيارة في جزء من الطرق، ليكمل المسافة على أقدامه أو على ظهر الدواب. حيث لا تتوفر الجماعة على متر واحد من الطريق المعبد، وكل ما هناك ممرات جلها أحدثت من لدن السكان، الذين يجمعون ما تيسر بين الفينة والأخرى، لإصلاح تلك الممرات غير المعبدة. الطريق لبني منصور محفوفة بالمخاطر الطريق لبني منصور ليست غريبة، بل هي شبيهة بمئات الطرق الأخرى، المتواجدة بغالبية طرق قرى تطوان وشفشاون، زادتهم التساقطات المطرية الأخيرة رداءة. سيارة الأجرة الكبيرة وحدها تستطيع «اقتحام هاته الأدغال» يعلق سعيد، واحد من أبناء المنطقة ومستشار جماعي هناك، هاته المسؤولية جعلته يزور المنطقة بانتظام، وتحمل تعب الطريق وحفرها المتزايدة. خاصة وأن الجماعة لا تصرف درهما واحدا في ميزانيتها، على إعداد الطرق أو ترصيفها، حيث إن ميزانيتها كلها محدودة ولا يمكنها، حتى توفير أجور موظفيها الذين يعيشون أوضاعا صعبة، فيما تعيش المنطقة ككل عزلة متزايدة، ولا يبدو في الأفق أمل لتجاوزها في ظل هاته الظروف يقول سعيد. بني منصور الممتدة في منظقة بين شفشاون ووزان، قد يكون الوصول لها عبر طريقين، إما عبر شفشاون مباشرة، أو عبر طريق الريف في اتجاه الجبهة وخميس المضيق. تنتمي لقيادة أسيفان بإقليم شفشاون، يقال إنها من أكبر الجماعات القروية بالإقليم، ب25 عضوا جماعيا وساكنة مهمة لكنها في تراجع مستمر. فيما بنياتها التحتية تكاد تختفي، خاصة وأن الكثير منها بني في الفترة الإستعمارية. التجول بمركز الجماعة يبين بعض المرافق التي بنيت قديما، بعضها لازال يستغل وأخرى تلاشت، بفعل الإهمال الذي طالها، رغم أنها في وضع أجود من تلك التي بنيت مؤخرا، لو تم الاعتناء بها وإعادة إصلاحها، حسبما يوضح بعض السكان هناك. «الضو بحال اللي جا من الجابون (الصين)، اللي كيمشيه أكثر من اللي كيضويه»، بهاته المستملحة يجيب الكل بالمنطقة، حينما تسألهم عن الربط الكهربائي، الذي أصبح بالنسبة للسكان هناك، كالسلع الصينية التي سرعان ما تنتهي صلاحيتها. فالتزود بالإنارة تمت عبر المكتب الوطني للكهرباء، ورغم أداء الجميع لمستحقاته سواء في الربط أو الإستهلاك، إلا أن الخدمات تبقى محدودة جدا، بل وأن فترات انقطاعه أطول من فترات استغلاله، حسب الكثير من المستفيدين. بل أن بعض الفاعلين الجمعويين يطالبون بفتح تحقيق ،في الصفقة التي تمت في تزويد المداشر بالكهرباء، حيث لا تستطيع المحولات تحمل الضغط عليها، والأسلاك والأعمدة نفس الوضع، مما يجعل الانقطاعات تتكرر وتطول في كثير من الأحيان، خاصة خلال التساقطات المطرية. مدارس تتحول إلى مسابح «المدارس فهاذ الشتا، رجعت بيسينات» يقول أحد الآباء مستهزئا، حيث إن غالبية المؤسسات والأقسام التي بنيت في السنوات الأخيرة، غدت بدون فائدة بفعل قوة الأمطار المتساقطة مؤخرا، بل أن ما كان يسقط بالخارج يدخل للأقسام مباشرة، ناهيك عن تكسر النوافذ وتحول بعضها لما يشبه الإسطبلات تأوي إليها الدواب وبعض الحيوانات المشردة، ومن تلك النماذج مدرسة بنيت مؤخرا على مشارف الواد، بمنطقة خميس أمعوشا، حيث وصلت المياه لحدود السبورة بفعل فيضان الواد، ولولا أن ذلك حدث في وقت مبكر، قبل دخول التلاميذ لكانت الأمور سارت في اتجاه ما لا تحمد عقباه حسب بعض الآباء، الذين يتخوفون من إرسال أبنائهم لتلك المؤسسات المتهالكة والمهددة بالفيضانات. المريض لا يملك حق الحصول على الخدمات الصحية بالمنصورة، بما فيها المركز الذي «يرجى خيره»، فالمستوصف الوحيد هناك، لا يفتح ولا يشتغل جديا إلا يوم الثلاثاء موعد السوق الأسبوعي. «كيزيد إمرض المريض» يعلق بعض السكان، في جوابه عن حالة التطبيب وحالة المستوصف. حيث الطبيب يقاسي ويعاني أكثر من المريض، والملزم بالذهاب والإياب بين شفشاون والمنصورة. وفيما تتخذ الدولة مجموعة مبادرات لإنشاء دور للولادة، إلا المنصورة فلا تتوفر على هاته الخدمة، حيث تلد النساء في السيارات أو على ظهور البهائم، وهن في طريقهن للتوجه لمدينة شفشاون، وهو ما يجعل مدة السفر تطول والخطر يتزايد، حيث سجل ارتفاع في عدد الوفايات في صفوف الأمهات والأبناء.