نخبر جيدا كيف نصفق لعمل مغربي، له كثير من مقومات النجاح و يبعث صاحبه إشارات تفاؤل لمستقبل سينمانا. بالإمكان أن نفخر بأن سينمائيا شابا من المغرب اسمه علاء الدين الجم حول جدية مسابقة "أسبوع النقد"، لهزل مقبول ينتزع التصفيق في قاعة مليئة عن 0خرها في الموعد السينمائي الأول عالميا. سمى شريطه "سيد المجهول" و فيه سخرية من استنزاف الجيوب باسم الجهل المقدس. تواطأ المخرج منذ البدء مع المشاهد، و بنى ضريحا مزورا باع من خلاله أفكاره و استهتر من خلاله بالمعتقدات البالية. مثل غالبية من تابعوا الشريط، دخلت تجربة مشاهدة مجهولة العواقب مع الشاب المغربي الذي تكون في الميدان في مراكش ثم في بلجيكا. في الأخير، تغادر القاعة مقتنعا بأن شبابا مغاربة يعيشون معنا و بيننا، بإمكانهم أن يحققوا أفضل انطلاقة في مشوارهم بهدوء و بدون صخب. سمعت عنه الكثير، و لم أعرفه من ذي قبل. تجربة سنوات علمتني أن المشاهدة، هي أفضل وسيلة للتعارف مع السينمائي صانع المشاهدة. شريط فيه هزل، بأسطورة كلها عبث ليس من المعتاد نهائيا أن تجد لنفسها مكانا في فئة رسمية في مهرجان كان. ساعة و أربعون دقيقة هو الرأسمال الزمني لهذا المجهول، استهلت بطريقة رائعة، و بإخراج محكم و بأداء مقبول من الممثلين الذين أدارهم الشاب علاء الدين الجم باقتدار. يضع الجم بعد عشر دقائق شريطه في السكة الصحيحة، و يعبر ليعبث عبثا جميلا، معتمدا على مقالب ساخرة و حاملة لعشرات الرسائل الجدية. كاميرا تتحرك ببطئ في فضاء مفتوح، سبق للمخرج أن صور به سلفا شريطين قصيرين. فضاء مفتوح، لكن بسرعة تكتشف بأن الشخصيات تختنق في داخله. الكاميرا تنتقي كل تفاصيل العبث، و تخلق لدى المشاهد رغبة في مواصلة فعل المشاهدة في مهرجان يغادر فيه الناس القاعات حين يكتشفون غياب تلك اللحظة السينمائية الجميلة. لم يغادر أحد القاعة، و العبث السارتري وجد له المخرج متنفسا في فضاء صحراوي في إطار تغذيه بسلاسة تفاصيل جد صغيرة لكنها جد معبرة على طريقة "تيرانس ماليك". من الإحباط إلى الإحباط، تسير خطوط حكاية ألف عشاق السينما مشاهدة مثيل لها في أفلام عالمية شهيرة. هنا تمت مغربتها، و نعبر لنتابع المحتال الذي يحتاط من المحتال، قبل أن يكون الرابح شخصا لم يكن في الحسبان. يسخر المشاهد من بطل يخسر، و النتيجة سخرية في سخرية، و تأفف من موروث كله غباء و كله ذهاء في نفس الوقت. في "سيد المجهول" لعلاء الدين الجم، يستوعب المشاهد العارف بسرعة بأن السيناريو كتب و نقح مرات و مرات، و هو أمر قد لا يكون بالضرورة في مصلحة الشريط دائما. هناك مقاطع كان بالإمكان أن تقبر في غرفة المونتاج، و قصة داخل قصة تفقد الأصل هيبته، و تمنح الفكرة الفرعية قيمة لا تستحقها أحيانا. تقنية التنافر تحضر من ألف الشريط إلى يائه، و هو اختيار موفق من صاحب الفيلم. حين تتحرك الكاميرا ببطئ تأتي المتعة بسرعة، و حين تتحرك بسرعة أكبر في بعض من مناسبات يسقط المشاهد في تثاؤب كان بالإمكان تفاديه. "سيد المجهول" في مجمله بروح بداوة مع تغييب البدونة في التناول، و "سيد المجهول" فيه سخرية جادة، و فيه تجنب للمزحة العبيطة التي تملأ كثيرا من أعمال أخرى عندنا. "سيد المجهول"، فيه المشاهد التي تذكرنا بأشرطة عالمية، دون سقوط في النقل العبيط و الحرفي لها. "سيد المجهول" فيه معلومة مهمة تتلقفها عين المشاهد العارف، و هي أن علاء الدين الجم مخرج وقع على بداية جميلة في الفيلم الطويل، و بعث بإشارات تجعلنا نتفاءل بأننا سنكون أمام مخرج بمقدوره تقديم شريط أجمل مستقبلا. "سيد المجهول" فيه خبر صار معلوما ال0ن.. شاب قدم شريطا ينسينا به كثيرا من م0س عرضها مؤخرا عديد من شيوخ السينما من بني جلدتنا، يعتدون على السينما و يتكلمون عن أفلام لا ينجزونها إلا في مخيلتاهم النتنة. نطلب أحيانا القليل، لنقول الكثير و نصفق للجيل الجديد من أسمائنا. نحن هنا أصلا لتعبيد الطريق لهؤلاء، أما كثير من الشيوخ العاجزين سينمائيا، فنتمنى من الخالق أن يبعدهم عن طابور الدعم ليتركوا الفرصة لمن لهم الرغبة و القدرة على صناعة فيلم محترم السينما و لمشاهد السينما. شكرا لعلاء الدين الجم على عبثه الجميل، و شكرا لفريق الفيلم الذي جعل جمهور "كان" يصفق لشريط مغربي أخرجه شاب مغربي عقد قران الخجل و الجرأة في "سيد المجهول". كنت أصلا في حاجة لحقنة إيجابية بعد مشاهدة فيلم مغربي، تساعدني على الكتابة بإيجابية اشتاق لها قلمي. 0خر الكلام، هنيئا للسينما المغربية بعلاء الدين الجم و السلام.