ما المقصود بالسينما الشابة؟ هل هي سينما تمارسها فئة عمرية تتراوح بين 18 و 40 سنة؟ أم أن السينما الشابة هي سينما تتناول تيمات مرتبطة بالفئة العمرية للشباب؟ لكن بأي حق سنقرر مكان الشباب ماذا يجب أن يشاهدونه وما لا يجب أن يشاهدوه ؟ ألا تكمن عظمة السينما في هذه الدهشة التي تنتابنا أمام أمور تتجاوز عمرنا؟ أم السينما الشابة هي ،على غرار السينما الموجهة للأطفال ، سينما موجهة لجمهور الشباب هل نتوفر بالمغرب على كم هائل من الإنتاج السينمائي، كما هو الشأن مثلا بأمريكا، مما قد يدفعنا لطرح مسألة السينما الشابة كخصاص تعاني منه سينمانا الوطنية؟ أم أن المقصود بالسينما الشابة سينما تأتي بعد سينما قد سبقتها ؟ والحالة هاته هل نتوفر على اتجاهات في السينما المغربية ينتج أفلامها مخرجون لهم نفس الخلفية الجمالية والتيمية كما حصل في فرنسا مع الموجة الجديدة؟ أم هي أخيرا سينما مخرجوها أعمارهم مختلفة لكنهم يشتركون في كونهم أنجزوا فلما أو فلمين على غرار ما شهدته فرنسا في نهاية الثمانينيات؟ يبدو لي أن المقصود الذي يعنيه أصحاب هدا المصطلح هي الفئة العمرية ولهذا اخترت ثلاثة مخرجين تندرج أعمارهم ضمن هذه الفئة وهم مراد العباري 28 سنة ، خالد المعتمد 32 سنة ، محمد كومان 40 سنة ومن خلالهم أتمنى طرح قضايا ترتبط بسينما الشباب بشكل عام. ملخص الأفلام الثلاثة شريط مراد العباري «الظرف» يتحدث عن شاب طموح، حاصل على شهادة ويبحث عن عمل لكنه يصطدم بواقع أقوى من طموحاته. اأما شريط خالد المعتمد المعنون «خلاص» فشخصيته الرئيسية أمنية، تلميذة مراهقة تعيش بالبادية، تعاني من رهاب ( فوبيا) تجاه الطريق بعدما عاشت مأساة حادثة سير أودت بحياة إحدى صديقاتها. علامات الوضع البادية على أمها الحامل تجبرها على قطع الطريق للبحث عن المولدة. أخيرا فلم محمد كومان «الطفل والخبز» تدور أحداثه بحي شعبي بمدينة مراكش حيث تعيش امرأة مطلقة وأم لطفل عمره ثمان سنوات مع زوج لا يطيق العيش مع ابنها. تضطر الأم لمحاولة التخلي عن ابنها. بعض القضايا الجمالية 1 -علاقة الصوت بالصورة تشكل الحوارات , المؤثرات و الموسيقى مواد التعبير الصوتي في السينما. فكيف تعامل المعتمد، كومان و العباري مع هذه المواد؟ عموما نجد في الأفلام الثلاثة الصوت الداخلي (son in) أي أن مصدر الصوت (حوار + مؤثرات + موسيقى) يظهر على الشاشة بشكل متزامن مع الصورة. شريط مراد العباري لا يتضمن الحوار لكنه يلجأ الى الصوت الداخلي في الجزء الأول من الفلم حيت المؤثرات تظهر على الشاشة بتزامن مع الصور . لكن في الجزء الثاني عندما تمل الشخصية من البحث عن العمل يلجأ المخرج الى الموسيقى و هي موسيقى تصويرية تعبر عن الحالة النفسية للشخصية . أثناء كتابة جنريك النهاية يلجأ المخرج الى الموسيقى التصويرية . شريط كومان هو ال0خر يلجأ الى الصوت الداخلي مع الاشارة الى أنه لايتضمن الموسيقى التصويرية أما شريط المعتمد فهو الآخر يحترم هذا الاستعمال لكن عبر الايحاء. فمثلا عندما ما ترجع الفتاة الى المنزل عوض الذهاب الى المدرسة نسمع الأم تسألها عن عدم الذهاب. لا نرى الحوار لكننا نستشفه. في جنريك النهاية نسمع أغنية لطفلتين لكننا لانرى مصدرها. شريط المعتمد هو الآخر لا يتضمن الموسيقى. خلاصة القول هو أن الأفلام الثلاثة لا توظف علاقة الصوت بالصورة بشكل تقليدي بالكامل. فمراد العباري لم يستعمل بالكامل الحوار، إحدى المقومات الأساسية في مجتمع ثقافته شفهية بالأساس. أما فيلما كومان والمعتمد، بعدم استعمالهما للموسيقى، فهما يدعوان المتفرج للتركيز على ما يراه بعيدا عن دغدغة عواطفه. 2 -وجهة النظر فلم كومان و فلم العباري لا يعتمدان وجهة نظر راو محدد بل يتضمنا وجهة نظر بصرية أي وجهة نظر الكامرة. أما فلم المعتمد فيتضمن الخطاب غير المباشر الحر الذي يقصد به على مستوى اللغة التعبير عن خطاب الشخصية لكن عبر خطاب السارد؛ إنه إذن مزيج من الخطاب المباشر والخطاب غير المباشر. المقصود بهذا المصطلح سينمائيا التعبير بصدق كبير عن الشخصيات ففي بداية فلم المعتمد يظهر منظر للبادية يتوسطها بعيدا من الكامرة طريق للسيارات . تم تظهر أمنية و هي تنظر عبر لقطة ذاتية إلى المنظر . بالإضافة إلى وجهة النظر على مستوى السرد يمكن أن نشير إلى وجهة النظر الأيديولوجية في هذه الأفلام . ففلم كومان و العباري تغيب فيهما وجهة النظر الأيديولوجية وهذا ما تؤكده نهايتهما . في فلم «الطفل و الخبز» لا نعرف هل المرأة الشابة ستتخلى عن ابنها من أجل لقمة الخبز أم ستتراجع عن قرارها . في فلم «الظرف» لانعرف مضمون ذلك الظرف : هل سيعمل أخبارا سارة أم لا؟ أما فلم المعتمد فيحل مشكلة البطلة و تتخلص من رهابها لكنه يجعلها تواجه صعوبة أخرى و هى تسلق الجبل للذهاب عند المولدة. 3 -الإيقاع فيلما كومان و المعتمد يعتمدان لقطات ذات إيقاع بطيء يتناقص والإيقاع السريع الموجود في الأفلام التجارية السائدة . فلم العباري يتضمن في جزئه الأول إيقاعا سريعا و هو إيقاع له ما يبرره في سياق الفلم أي الحيوية و النشاط اللذان يميزان شابا يبحت عن العمل . لكن في الجزء الثاني يصبح الإيقاع بطيئا و هو إيقاع له ما يبرره أيضا : خيبات البحت عن العمل . 4 -زمانية الفلم فلما العباري و كومان يحترمان الخطية الزمنية أما فيلم المعتمد فيتضمن بعض الاسترجاعات الفنية التي تتيح فهم حاضر أمنية. أخيرا نختم الحديث عن الجماليات عبر طرح التساؤل التالي: إذا كانت الصورة السينمائية الكلاسيكية تحرص على قيم الجمال فهل السينما الشابة مطالبة بالسير على نفس النهج أم عليها أن تهتم أكثر بالتعبير عن الواقع عوض تزييفه؟ تيمات الأفلام الثلاثة إن التيمات المتناولة في السينما الشابة يجب أن تعبر عن هوية الجيل الذي ينتمي إليه الشباب هكذا فجيل القرن 21 يعاني من مشكل البطالة و هذا ما عبر عنه شريط «الظرف « و هو بهذا فلم شاب . عكس فلمي المعتمد و كومان اللذان يتطرقان لمشكل التمدرس بالعالم القروي و مشكل الأمهات اللواتي يعانين الفقر و هنا أفتح قوسا لأشير إلى أن هذه الافلام الشابة لا تعالج بعض التيمات التي هي من صلب اهتمامات الشباب فالعلاقة الغرامية مثلا في هذه الأفلام شبه منعدمة. تيمة مشتركة بين الأفلام الثلاثة يمكن إيجازها في صعوبة العيش في مجتمع تنعدم فيه شروط العيش الكريم . هكذا إذن فإن سينما الشباب من خلال الأشرطة الثلاثة هي سينما نافعة مادامت تتطرق للاختلالات التي يعرفها المجتمع ميزة الاشرطة الثلاثة يمكن أن تلخص في كونها سينما القرب, أي سينما تمتح إبداعاعيتها من الواقع القريب من هؤلاء الشباب. فمراد العباري صور شريطه بالمنزل, أقرب مكان للشخص. محمد كومان صور شريطه بالمدينة العتيقة بمراكش التي يعرف جيدا أزقتها مادام قد ازداد بها أما المعتمد فصور شريطه بالبادية لأنه عاش تجربة تلميذ مات بنفس الطريق التي صور فيها فلمه. في الأفلام الثلاثة ثمة تعبير شخصي عن مشاكل المجتمع عبر أسلوب شخصي هو الآخر أي ليس ثمة تصور مشترك للسينما يؤطر الممارسة. سينما المؤلف فلم خالد المعتمد هو فلم يتطلع لأن يجد له مكانا ضمن سينما المؤلف أي سينما ضد الفرجة بمفهومها التجاري . أما أفلام العباري و كومان فهي أفلام تعبر عن واقع اجتماعي ضاغط لكن بأسلوب قد يتجاوب معه الجمهور العريض , و هنا يمكن اأن نطرح السؤال التالي: أي أفلام تصلح لنا في ظل عزوف الجمهور عن القاعات السينمائية, سينما تتواصل مع الجمهور أم سينما تعبر عن هواجسها دونما الأخد بعين الاعتبار ثقافة الجمهور السمعية البصرية شبه المنعدمة ؟ ميزات السينما الشابة على مستوى الإنتاج إنها سينما تعتمد على شروط إنتاج جد اقتصادية مقارنة مع ما هو معمول به في السينمات الكبرى مما يجعل أسلوب التصوير هو الآخر مغايرا عما هو متداول عالميا. فمحمد كومان أنتج فلمه اعتمادا على إمكاناته الذاتية ومساعدة أحد الأصدقاء وكان يجد صعوبة في الحصول على الآليات. مراد العباري اعتمد على المساعدة المالية للنادي السينمائي ببرشيد و مساعدة بعض الأصدقاء التقنيين الدين اشتغلوا معه بالمجان. رغم ذلك وجد صعوبات في الإنتاج لعل أهمها استحالة الحصول على رخصة التصوير وبتالي فالتوزيع غير ممكن لأن الفلم له صفة غير قانونية. رغم هذا فالفلم تم عرضه في مهرجانات سينمائية وطنية و حصل على 8جوائز. لكن العباري في غياب شركة للإنتاج اضطر الى حذف المشاهد الخارجية و صور في منزله. وحده خالد المعتمد استفاد من مساعدة المدرسة العليا للسمعي البصري بمراكش ذلك أن المدرسة تؤدي واجبات الممثلين و آليات الاشتغال. ولكن بالمقابل تفرض المدرسة عدم الابتعاد عن المدرسة بقدر محدد من الكيلومترات. أضف إلى ذلك الصعوبات الزمنية ,إنجاز الفلم يجب ألا يتجاوز 3 أيام, و ألا تتجاوز مدة الفلم 15 دقيقة (5دقائق في اليوم ). ظروف الإنتاج الصعبة يكون لها طبعا انعكاس على الإخراج. قد يكون التقطيع التقني مغايرا للتقطيع التقني المبتغي و يضطر المخرج للتضحية بمجموعة من اللقطات. قد يبتعد عن la figuration و عوض الترافيلينغ يستعمل البانورميك. ما يلاحظ على الشباب عموما هو طابع الأنانية و هذا الأمر له ما يبرره نظرا لعامل السن. لكن بالإمكان أن يعملوا بشكل جماعي لمساعدة بعضهم البعض و الاستفادة من خبرات و إمكانات الآخر رغم قلتها و هذا ما توفق فيه مراد العباري. لم يعد الشباب يعتمدون في تصويرهم على كاميرات ثقيلة بل على أخرى خفيفة مما يقلل كثيرا من الصعوبات و يجعل بعض الحركات و التنقلات جد ممكنة. ليس الممثل من يخضع للكامرة كما في السابق بل العكس . ما هي أنواع الكامرات التي صور بها مخرجونا الثلاثة ؟ خالد المعتمد استعمل كامرة gvc hd و هي كامرة تستعمل الكاسيط فيديو و تزن 10 كلغ. أما محمد كوما فاستعمل كامرة d full hd5 و هي كامرة تستعمل carte mémoire ووزنها أقل من الكامرة الأولى في حين استعمل مراد العباري كامرة canon 550d و هي الأخرى تستعمل carte mémoire ووزنها لايتعدى نصف كلغ. السينما الشابة وسؤال الجمهور تعاني هذه السينما الشابة من التهميش الذي يطالها و بالتالي فجمهورها محدود. يرجع البعض هذا التهميش لأسباب ذاتية. فمادامت هذه السينما نخبوية فلن يشاهدها سوى جمهور جد محدود . هناك سبب موضوعي و هو تفادي الموزعين لهذه الأفلام ليس لكونها نخبوية كما يزعمون و لكن لكونها لاتدر عليهم مداخيل كما الفلم التجاري . وحتى إن وزعت فهي توزع في مهرجانات محدودة في حين أن المطلوب هو توزيعها في كل المهرجانات المغربية حتى و إن كان ذلك خارج المسابقة الرسمية . عالى الأندية السينمائية القليلة الفاعلة أن تعمل على برمجة أفلام الشباب في أنشطتها. حتى النقد السينمائي مدعو للاهتمام بأفلام الشباب قصد التعريف بها والإقرار إذن بوجودها. على النقد أن يتعامل برحابة صدر كبيرة مع الإنتاجات السينمائية للشباب لأنهم في بداية البحت عن طريقهم . على سبيل الختم السينمائيون الشباب مطالبون بالاستفادة ممن سبقوهم. فهل هناك جسور للحوار مع الجيل السابق ؟ كيف السبيل لخلق هذه الجسور؟ الاستفادة من السلف جلية في فلم خالد المعتمد الذي استفاد من تأطير المخرج الإنجليزي هوج هودسون Hugh Hudson الكبير تماما كما كان يفعل جيلالي فرحاتي في السابق مع النساء في مساعدة الإخراج. وفيما يلي بعض الاقتراحات لدعم سينما الشباب – دعم المهرجانات السينمائية للشباب وذلك عبرعرض أفلامهم وفق شروط اختيار محددة. – مطالبة القنوات التلفزية المغربية بتشجيع المخرجين الشباب الذين أبانوعن موهبة عالية من خلال إخراج أفلام قصيرة و ذلك عبر تكليفهم إخراج أفلام تلفزية على غرار ما قامت به قناة ARTE سنة 1993 عندما نهجت سياسة دعم السينما الشابة الفرنسية. – دعم المركز السينمائي المغربي لهؤلاء الشباب لأنهم يشكلون استمرارية السينما المغربية , و على الخصوص مدهم برخصة التصوير. – السينمائيون المغاربة يتحملون مسؤولية كبيرة في إعداد الخلف عبر استدعاء بعض الشباب لحضور إنجاز أفلامهم, عبر النصيحة و الحوار. و هذا المطلب ليس بجديد فأنا أتذكر أول جامعة صيفية بمدينة تازة حيت طالبنا سعد الشرايبي أن يحضر بعض شباب الجامعة الوطنية للأندية السينمائية لبلاطو تصوير أفلامه ووافق حينها.