كان ملصق لسهرة، سيكون ضيف شرفها هو من وصفه الملصق ب"نجم الويب" إكشوان إكنوان، كافيا الإثنين لكي يثير غضب وحنق مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، الذين رأوا في الملصق وفي عبارة "نجم الويب"، وفي استضافة هذا السيد بالتحديد علامة انحدار عام للذوق، ونوعا من الركوب على شهرته السريعة وغير المستحقة وبرهانا لم يكونوا ينتظرونه على أن "البلاد ضربها الخلا" مادامت النجومية قد وصلت إلى أناس مثل هذا السيد لم يقم بأي شيء في حياه سوي أنه نطق باسم فيروس بشكل خاطئ فتنافست المواقع الإخبارية في مد الميكروفون إليه، وجعلت منه نجم الويب الذي تقام هاته السهرة تكريما له باعتباره ضيف شرفها... غضب أهل الأنترنيت المغاربة أمر محمود، لكنه لا يجب أن يمنعنا من طرح السؤال الأكثر أهمية في هذا الموضوع وفي المواضيع التي تشبهه وهو سؤال: من يشاهد هاته الكائنات المسكينة، ويتابعها يوميا عبر اليوتوب والفيسبوك إلى أن تصبح نجوما للويب غير هؤلاء المغردين والمدونين بحنق شديد احتجاجا على المبادرة؟ الحقيقة التي لا مراء فيها، هي أن أغلبية مايسمى المواقع الإخبارية المغربية هي مواقع لا تحمل من معنى الكلمة إلا الإسم، وهي تنافس بعضها البعض في التردي والسقوط، وتشتغل بمنطق "البوز" الذي تعابه على بعضها البعض، لكنها تنخرط فيه بشكل خرافي ومشوه. وهي إذ ترى واحدا منها، وقد مد ميكروفونه إلى شخص ما وجلب بعض النقرات الإضافية، بغض النظر عن قيمة ماقاله أو ارتكبه أو اقترفه ذلك الشخص، تسارع دونما تفكير إلى القيام بالأمر ذاته إلى أن تكبر كرة الثلج أو فقاعته الفارغة وتخلق هاته الكائنات المسكينة غير المهيأة لشهرة وغير المستحقة لها... وسواء بالنسبة لهذا الشخص المسمى إيكشوان، أو لظاهرة نيبا المراكشي أو لساري كول أو لريشار عزوز وقبل كل هؤلاء "ظاهرة "مالين شي حاجة"، من مول الدلاحة لمول الكاسكيطة لمول لا أعرف ماذا، فإن هاته الشهرة الظالمة وغير المستحقة هي وبال فعلي، إذ تغير تماما حياة هؤلاء الناس ثم تلقي بهم على قارعة العودة إلى المجهول بعد انتهاء أثرها العابر والتافه، وبعد انتفاء الحاجة إلى مشاهدتهم بمجرد ظهور شيء ما جديد يتفوق عليهم في الغرائبية.. وهذه المسؤولية الملقاة على وسائل إعلامنا الجديدة هي مسؤولية ثابتة وأساسية، ولابد من مصارحة الجميع بها، لأنه لا يكفي أن تقول إن الجمهور يريد هذا الأمر لكي تعطيه مايريد دون تفكير فيه، وإلا فإن المواقع الأنترنيتية التي تحقق أعلى نسب المتابعة والمشاهدة في العالم بأسره - وفي مقدمة هذا العالم المغرب - هي المواقع الإباحية التي تحقق أرباحا يصعب تحديد قيمتها لفرط هولها. ويمكن في إطار هذا التنافس المحموم حول البوز، وتقديم مايريده الجمهور، أن تدفع مواقع البوز غطاء القنينة حتى الآخر وتتوكل على الله وتفتح « البزبوز » أو « الروبيني » وتجرب هذا الموضوع المربح جدا.. أىضا لابد من مصارحة أهلنا من مرتادي الأنترنيت بكونهم سببا حقيقيا وطرفا أساسيا في هاته المعادلة. فعندما تعرض عن المنتوج الإعلامي الجيد، والرصين والمحترم لنفسه ولقرائه، وتهرول نحو منتوج لا علاقة له بالصحافة بل هو مجرد انعكاس للمناخ العام السفلي الذاهب يوما بعد الآخر إلى انحدار خطير، فأنت تمنح هاته المواقع غير المهنية وغير الجادة، وغير الجديرة بالمتابعة ثقتك وتحجبها عن البديل الآخر الذي يحاول مخاطبة عقلك واحترام ذكائك عوض مخاطبة الغرائز البدائية فيك وفي مقدمتها غريزة التلصصية التي تجعلك كلما قرأت كلمة فضيحة أو شاهد قبل الحذف تضغط على زر الرابط دون تفكير إلا في التلصص على "مصيبة" جديدة من المصائب التي يتيحها الأنترنيت لرواده، ويزيدها عدم المرور التدريجي من عالم الورقي التقليدي، ووسائل الإعلام القديمة إلى الثورة الرقمية الهائلة التي تتيح للكل مشاهدة كل شيء وأي شيء... الحكاية هي أكثر تعقيدا من شتم شخص اشتهر بسبب تحالف الجهتين معا، وأكبر من التوقف عند حالة شخصية أو إثنتين من شخصيات نجوم الويب هؤلاء. الحكاية لها علاقة بشكل الإعلام الذي نريده وشكل الخطاب الذي نتوجه به للناس، وشكل التفكير - إن كنا نفكر أصلا في هذا الموضوع - حول وسائلنا الإعلامية الجديدة، وفي مقدمتها وسيلة الإعلام الأكثر قوة في عالمتا اليوم « الفيسبوك » التي يبلغ عدد سكانها المليارين الإثنين، وماتقذف به الناس ثم انعكاس هذا الذي تقذف به الناس على التصرف العام في نهاية المطاف... للاطمئنان على تعقيد المسألة والتباسها، يكفي أن تشاهد رئيس حكومة سابق في البلد وقد قرر أن اللايف الفيسبوكي و"تفراق اللغا" مع المشاهدين الأكارم هو أفضل الطرق ل »تواصل" عجيب مع الناس قائم على التهريج، وعلى استغلال هاته الرغبات الغريزية في إضاعة الوقت في الفارغات، عوض الاهتمام بالمليء الذي قد يغير شكل البلاد والعباد... الناس، بمن فيها من كنا نعتقدهم عقلاء، اقتنعت بأن هاته التفاهة هي الأكثر مخاطبة للجموع، وهذه أخطر خلاصة في الحكاية كلها، و"بيناتنا" هي تخلق رعبا كبيرا في القلب على مستقبلنا وأيامنا القادمة وكل الوافدات...