في الوقت الذي كان فيه ابراهيم غالي يأخذ صورا في المنصة إلى جانب الوفد المغربي في إحدى آليات الاتحاد الإفريقي في قمة أديس أبابا، كانت مخيمات تيندوف ترفع شعار إرحل في وجهه. قيادة البوليساريو التي ستتخذ من صور غالي ووفد المملكة المغربية «نصرا جديدا» تحاول ترويجه لنساء وأطفال المخيمات، لا يمكن أن تتجاهل غضب سكان مخيمات تيندوف الذين صمموا العزم هذه المرة على مواجهة عدوهم الحقيقي المتمثل في قيادة فاسدة ومخابرات دولة الجزائر المتحكم الرئيسي في اللعبة من أساسها. والجديد في الأمر والذي سيغير عدة أشياء في المخيمات هو أن الاحتجاجات تجاوزت قيادة الجبهة بعدما تيقن الناس من أنها مجرد صورة بلا روح، فحولوا احتجاجهم ضد دولة الجزائر… المحتجون هذه المرة ليست مطالبهم اجتماعية ومشتتة، بل تتمحور حول سؤال واحد: الخليل أحمد أبريه.. هلع قيادة البوليساريو من طرح السؤال حول الخليل أحمد ينبع من كون الملف ليس بسيطا، وأن النبش فيه يمكن أن يكشف عن خاشقجي جديد وإن بإخراج آخر... لقد كانت قضية الخليل أحمد أبريه قد طواها النسيان، ولم يعد يتابعها سوى عائلته وأقربائه، وبعض من رفاق دربه... غير أن التاسع من يناير الماضي سيحمل ما يعيد القضية للظهور. لقد انتشر في المخيمات خبر وفاة الخليل أحمد في أحد سجون الجزائر... الخبر كان مقتضبا لكنه فجر غضبا في صفوف قبيلة الركيبات السواعد، وبعدها في باقي قبائل المخيمات. ثم بدأت العائلة تتحرك من أجل التوصل بجثة ابنها والتعامل معها بالمستوى اللائق. الاستعداد لاستقبال جثة الخليل صاحبه طرح جملة من الأسئلة التي كانت كامنة. وبدأ الناس في المخيمات ينقبون في ما جرى وكيف جرى ولماذا جرى… ثم بدأ الاحتقان يتزايد والغضب يفصح عن نفسه. بعد أيام من انتشار الخبر وظهور بوادر غضب في المخيمات، سوف تكذب قيادة الجبهة خبر وفاة الخليل، لكنها لم تعلن عن مكان اعتقاله ولا عن مصيره... هكذا بدأت حكاية الغضب الذي سيصل إلى ما وصل إليه، وسيقوم الغاضبون لأول مرة في تاريخ المخيمات بالاحتجاج على الدولة الجزائرية... غير أن الذي يجري هذه الأيام في مخيمات لحمادة يخفي وراءه عدة أسئلة، تتناسل يوما عن يوم، أولها لماذا اعتقلت البوليساريو الخليل أحمد قبل عشر سنوات وهو الذي كان من الكوادر الرئيسية في الجبهة خصوصا على مستوى جهاز الأمن؟ ولماذا اعتقل أياما بعد تعيينه من طرف محمد عبد العزيز، مكلفا بملف حقوق الإنسان؟ ولماذا سلمته قيادة البوليساريو للمخابرات الجزائرية التي أخفته في ما بعد؟ هل صحيح ما يقال من أن الخليل يعتبر العلبة السوداء لأمن واستخبارات البوليساريو، وأنه كان سيقدم على خطوة ما بخصوص قضية الصحراء المغربية، وأن الخطوة تلك لا تصب في صالح المخابرات الجزائرية؟ ثم أين الخليل الآن إذا لم يكن قد قضى تحت التعذيب في معتقل سري بالجزائر؟ هي أسئلة وأخرى تفرض نفسها، لكنها تكشف عن أن ما يظهر الآن ليس سوى المكشوف من جليد فوق البحر، وأن أعماق القضية ربما أخطر مما يتصوره المتتبع، وأخطر مما يعرفه أهل الخليل أحمد في مخيمات تيندوف... قضية الخليل أحمد بتداعياتها يجب أن لا تبقى حبيسة سكان مخيمات تيندوف.. المجتمع الدولي يجب أن يتحرك كما فعل مع قضية الصحافي خاشقجي، فالجريمة هي نفسها.. ودولة الجزائر مطالبة بالجواب على ما وقع في القضية… من ناحية أخرى، لابد أن تكون مناسبة فتح ملف الخليل أحمد سببا في فتح ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات تيندوف. وهي خروقات خطيرة ولا يعرف المجتمع الدولي الكثير منها وعنها…