حتى وهو ميت يستطيع كل هاته الحياة... نتحدث عن الراحل والزعيم الكبير عبد الرحيم بوعبيد الذي تخلد كل الفعاليات المغربية، ولا نقول الاتحادية، ذكرى رحيله السنوية هاته الأيام، وتتذكر القائد اليساري الذي كان، والزعيم الوطني الذي كان، والنموذج غير القابل للتقليد الذي كان.. للجيل الجديد حظ كبير اليوم أنه يعايش الهوة الرقمية الهائلة، وثورة التكنولوجيا ومختلف التطورات الواقعة في العلم الحديث. لكن لهذا الجيل حظ عاثر في التعرف على زعماء وسياسيين كبار. الآخرون، القدامى، المخضرمون، المتقدمون في السن قليلا، الحالمون دوما وأبدا بالأوهام لم يروا هواتف نقالة ذكية، ولا مواقع تواصل اجتماعي تبث كل هذا الكم الغريب من الحقد خلف الأسماء المستعارة، ولا هم شاهدوا الستريمينغ وموت التلفزيون وبداية عصور غريبة جدا من الفرجة، لكن حظهم القليل والمبعثر عوض نفسه باللقاء بأناس من طينة عبد الرحيم بوعبيد لم يكن متكلما فقط، ولم يكن مهرجا، ولم يكن من النوع الذي يزايد على بلده، ولم يكن من محبي الاستقواء بالأجانب ومال الأجانب. كان مغربيا من قلب المغرب، بسيطا حتي اليوم الأخير، مدافعا عن الوطن أولا ثم عن الحزب إن بقي بعض الوقت، مهتما بالمستقبل غير آبه بالماضي إلا التاريخ منه إذ يضعه في المكان الأول للتقدير، وحالما بقدوم يوم على المغرب والمغاربة يصبحون فيه مثل المتقدمين لا مثل المتأخرين. واجب الأجيال الجديدة الأول والأهم على من سبقونا أن نحكي لهم عن أناس مثل عبد الرحيم بوعبيد، لئلا يتخيلوا أو يتوهموا أن السياسة أو الانتماء الحزبي هو مايرونه اليوم من أشباه إلا من رحم ربك والوطن.. واجب التاريخ، وواجب الذكرى وواجب الذاكرة، وواجب الوطن، يقول لنا كل في مكانه إن دورنا هو أن نقول للناس اليوم والآن وهنا إننا لم نكن هكذا، وأننا جربنا قادة حزبيين كبارا إلى درجة لا يمكن تصورها، لذلك يبدو لنا الخلف غير قادر إلا على اللهاث وهو يحاول اللحاق بهذا السلسال المجيد من الأكابر لسنا ماضويين، لكننا أناس نعرف معنى أن تفقد كبارا وألا تجد من يعوضهم حتى الآن. لكننا في الوقت ذاته متفائلون ومؤمنون بالنبوغ المغربي، وقدرته هو الذي أنجب ذات يوم عبد الرحيم، أن ينجب آخرين يشبهونه في الزمن الحالي وفي الأزمنة القادمة بكل تأكيد وبكل ارتياح مغربي صميم