موازاة مع دخول قضية أحداث الحسيمة مرحلتها الاستئنافية بعد أحكام ابتدائية تدين المتهمين، خرجت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بتقرير جديد تقول فيه بأن المتهمين تعرضوا للتعذيب. غير أنه بالنظر لأطوار القضية فقد تم إجراء أزيد من 40 تقرير للطب الشرعي بتكليف من المحكمة الابتدائية للدارالبيضاء لم تثبت جميعها تعرض المتهمين للتعذيب، وجاء ذلك بعض عرضهم على الخبرة الطبية التي نفت وجود آثار للتعذيب، ما يدحض هذه الادعاءات، وهو اعتبرته المحكمة في النهاية مجرد ادعاءات المتهمين بالتعرض للتعذيب «غير جدية وعارية من كل إثبات». وبعد دحض الخبرات الطبية مزاعم التعذيب يعود تقرير هيومن رايتس ووتش ليلتف حول هذه الادعاءات ليقول إن الاعترافات التي أدين المتهمون من أجلها تم انتزاعها منهم تحت التعذيب، ومما جاء في التقرير أن «المتهمين اعترفوا بارتكاب أعمال عنف ضد رجال الشرطة وإضرام النار في سياراتهم وإحراق مبنى لعائلات موظفي الشرطة في إمزورن، بلدة صغيرة قرب الحسيمة، وتنظيم احتجاجات غير مرخص لها. لكنهم نكروا اعترافاتهم أمام قاضي التحقيق ثم أثناء المحاكمة». لكن الملاحظ أن التقرير الذي أعده كل من رضا بنشمسي الذي يعيش في واشنطن والمحامي عبد العزيز النويضي يصر على تعرض المتهمين للتعذيب رغم ما تنفيه الخبرات الطبية التي خضعوا لها والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو إصرار ذو خلفية سياسية معينة، وينحرف بالتقرير عن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها كل التقارير الحقوقية المبنية على التحقق والتأكيد على جميع الروايات والتجرد والموضوعية. والدليل على ذلك هو أن الأحكام الصادرة ضد المتهمين لم تعتمد فقط في إدانتهم على اعترافاتهم، وهو ما يقوض هذا الدفع، ذلك أن المحكمة أخذت بأدلة مادية كانت حاسمة من قبيل فيديوهات لبعض المتهمين تتضمن أحاديث واعترافات بالإضافة إلى فيديوهات تصور إضرام النار في مقرات سكنى رجال الأمن ناهيك عن شهادات بعض المتهمين التي تذكر بالاسم متهمين آخرين وتعترف بتورطهم. كما أن المحكمة اعتمدت عشرات التسجيلات الصوتية والأشرطة والمكالمات الهاتفية التي تثبت حسب قناعتها تورط المتهمين وهي كلها أدلة مادية لا علاقة لها باعترافات المدانين لدى مصالح الأمن. ومن أجل تأكيد مزاعمها لجأت المنظمة الدولية التي تعنى بحقوق الانسان إلى تأويل لتقرير المجلس الوطني للحقوق الإنسان وهو القراءة التي اعتمدت على أخبار تم تداولها في يوليوز 2017 تقول بأن التقرير يجزم بتعرض بعض المتهمين للتعذيب لكن، المجلس نفسه خرج حين تداول هذه الأخبار ليوضح بأن «الاستغلال الأحادي لبعض الشذرات من وثيقة داخلية قد أدى إلى استنتاجات لم يخلص إليها العمل المنجز من قبل الخبيرين المكلفين من قبل المجلس بشأن الثبوت القطعي لتعرض كل المعتقلين الذين تم فحصهم والاستماع إليهم للتعذيب». وهذا التوضيح طبعا لم يرد في تقرير هيومن رايتس ووتش لأنه يدحض مجمل ادعاءاتها، لكنها اكتفت بالقول إن تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان لم يكن نهائيا، وهو ما يعني قيامها باجتزاء ما يخدم أطروحتها المركزية في وجود تعذيب، والاستغناء عن باقي تصريحات المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي ينكر ذلك. الأكيد أن المنظمة الدولية حاولت في تقريرها أن تبين أن المتهمين تعرضوا للتعذيب لكن، الحقيقة هي التي تعرضت للتعذيب في النهاية.