كانت النيران أسرع، وتغلبت على فرق الإنقاذ، بعدما حولت سوق بئر الشفا إلى رماد، وكبدت تجاره خسائر فادحة، أسفرت عنها فاجعة مساء أمس الأربعاء، حين اندلع حريق كبير، أتى على أزيد من 600 محل تجاري. الجماهير الغفيرة، التي توافدت على عين المكان منذ اندلاع الشرارة الأولى لهذا الحريق عند حوالي الساعة الخامسة مساء، حولت موقع الحادث إلى تجمع بشري ضخم، وبقدر ما كان الدخان الأسود يتصاعد أكثر إلى السماء، بقدر ما كان يتزايد أعداد المتفرجين، بعدما شوهد الدخان من مناطق مختلفة بالمدينة. وانتشرت صور الحريق بشكل سريع على مواقع التواصل الاجتماعي، حين كانت كاميرات الهواتف النقالة الأكثر نشاطا، وهي ترصد النيران تنتقل بسلاسة من جنبات السوق إلى وسطه، في انتظار وصول عناصر فرق الإطفاء، الذين وجدوا صعوبة في تجاوز المتفرجين قبل الشروع في تنفيذ مهمتهم. عملية إخماد الحريق استمرت إلى غاية الساعة العاشرة ليلا، بعدما ساهمت رياح الشرقي في انتشار ألسنة النيران بشكل سريع، إلى جانب تواجد مجموعة من المواد القابلة للاشتعال بالعديد من محلات السوق، الأمر الذي ضاعف حجم وقوة الحريق، وسهل على النيران التهام الأخضر واليابس، وكانت الحصيلة ثقيلة حين أتلفت جميع المتاجر القصديرية، التي كانت مخصصة لبيع الخضر والفواكه والملابس والأدوات المستعملة.
ولم تكن النار وحدها، التي ألحقت أضرارا بسوق بئر الشفا، وهو من أكبر الأسواق العشوائية بتراب مقاطعة بني مكادة، حين استغل مجموعة من اللصوص حالة الفوضى، وصاروا يسابقون الحريق من أجل السطو على ممتلكات التجار، كما لم يترك باعة القصدير والحديد "بالكيلو"، هذه الفرصة تمر دون أن يسجلوا حضورهم، بعدما تهافتوا على "غنيمة" مخلفات الحريق. تجار هذا السوق، أعلنوا عن إفلاسهم، بعد ضياع محلاتهم وسلعهم، خاصة وأن مجموعة منهم كانوا يستعدون لشهر رمضان، حيث تنتعش تجارتهم في "العواشر"، وطالبوا من المسؤولين بتعويضهم مراعاة لوضعيتهم نتيجة ظروفهم الاجتماعية الصعبة، فيما لم يصدر عن رئيس الجماعة و لا رئيس مقاطعة بني مكادة، خلال زيارتهما لمكان الحادث، أي قرار حول الإجراءات الاستعجالية المزمع اتخاذها. كما لم تبادر السلطة المحلية، إلى حدود صباح أمس، إلى اتخاذ أي قرار قبل تحديد الحصيلة النهائية، خاصة وأن غياب الوالي عن المدينة حال دون الحسم في كيفية التعامل مع مخلفات هذه الكارثة، وإن كانت الخطوة الأولى انطلقت صباح أمس حين تم التعجيل بتنظيف السوق والتخلص من آثار الحريق. ويأتي هذا الحادث في الوقت الذي الباعة بالسوق المنكوب يترقبون تنقيلهم إلى سوق بئر الشيفا الجديد، الذي تم إحداثه بحي كرزيانة بنفس المنطقة، التابعة لمقاطعة بني مكادة، وهو المشروع الذي يندرج في إطار أوراش طنجة الكبرى. وكان جلالة الملك قد أعطى انطلاقة أشغاله يوم 9 أبريل 2014، ورصد له غلافا ماليا قدره 100 مليون درهم، بشراكة بين عمالة طنجة- أصيلة والجماعة الحضرية لطنجة، ويضم 715 محلا تجاريا، ومرآب تحت أرضي يتسع ل 200 سيارة، ومقهى- مطعم، وإدارة، ومرافق أخرى. وكان من المرتقب أن يتم الشروع في استغلال الشطر الأول من هذا المشروع، في نهاية شهر أكتوبر من العام المنصرم، بعدما خصص له مبلغ 60 مليون درهم، من أجل الإسراع ببنائه بغاية "تحسين ظروف اشتغال التجار، وضمان استقرار الباعة المتجولين، واجتثات البنيات العشوائية والارتقاء بجاذبية المشهد الحضري". وسبق أن تم تحديد مدة إنجازه في 18 شهرا، كما تم الإعلان عن ذلك أمام جلالة الملك، لكن تأخر فتح هذا الشطر، لأسباب "تنظيمية"، أضحى اليوم أمرا مستعجلا أمام السلطات المحلية لمواجهة عواقب هذا الحريق.