رداء أبيض اكتست به شوارع الرباط الخميس بين الثانية والثالثة ظهرا، سيظل عالقا بأذهان الرباطيين إلى زمن بعيد. الطقس البارد المسيطر على الأجواء في البلاد هذه الأيام، أهدى سكان الرباط فرصة معاينة حدث طبيعي نادر، إذ أن أهل العاصمة تعودوا على تساقطات مطرية في حالتها السائلة لعقود طويلة. غير أن انخفاض درجات الحرارة حول المطر إلى حبات بَرَد «تبروري» متوسطة وكبيرة الحجم، التصقت ببعضها بعد وصولها إلى الأرض، واستحالت إلى كساء أبيض غطى مناطق كبيرة من مساحة العاصمة الإدارية. الباحث في علوم الطقس والمناخ أنس الرياحي يشرح طريقة تشكل البرد علميا، حين تتجمد حبة المطر بفعل البرودة الشديدة، لتشق طريقها للسقوط بسبب الجاذبية الأرضية، فتلاقيها التيارات الصاعدة القوية في السحب، ترفعها الحبة إلى أعلى من جديد فتلتصق ببلورة الثلج (حبة البرد) قطرات أخرى، تتجمد عليها، فيزداد حجمها ثم تسقط مرة أخرى. وقد تعاود التيارات رفعها مجددا حتى تصبح ثقيلة، ولا تسقط على الأرض . وكلما كانت التيارات الصاعدة أكثر كلما ازداد حجم البرد. ثم يضيف «مع الملاحظة بأن تساقط البرد غير مربوط تماما ببرودة المنطقة التي يتساقط فيها، وإنما يرتبط بمقدار تكاثف الغيوم وامتدادها الرأسي». بعيدا عن التفسير العلمي لسقوط البرد، أخذت الظاهرة أبعادا أخرى على المواقع الاجتماعية. ففيما تفاخر بعض سكان العاصمة بهذه التساقطات، واعتبروا أنها ثلوج أنعم بها الله عليهم، استل آخرون هواتفهم الذكية، وشرعوا في التقاط «سيلفيات» تؤرخ للحظة، مشبهين مدينتهم بعواصم الشمال العالمية في أوروبا أو أمريكا. على الفور انتشرت صور من ضريح محمد الخامس بمنطقة حسان، إلى شوارع وسط المدينة المخترقة بخطوط الترامواي، تظهر العاصمة وقد اكتست حلة بيضاء قشيبة . الموضوع سيأخذ بعدا أكثر هزلا فيما بعد، بين الرباطيين وباقي سكان المدن الأخرى. بلغ التندر أشده حين أصر الرباطيون على مقارعة أصدقائهم البيضاويين والمكناسيين والمراكشيين، بصور من مختلف أنحاء المدينة تثبت حالتها الثلجية البيضاء، بعد أن اتهمهم هؤلاء بأنهم «لا يفرقون بين التبروري والثلج» أو بأنهم «تفاجؤوا بالتساقطات الباردة التي تنزل عليهم أول مرة بهذا الحجم وهذه الطريقة لأنهم لا يبارحون العاصمة في العادة». في نفس السياق، وصف آخرون سكان المدن الأخرى بالحاسدين، لأن الطبيعة لم تنعم عليهم بمشاهد مماثلة، وأن إنكارهم على الرباط تهاطل «الثلوج» أمر يدعو لوقفة حازمة من كل سكان العاصمة. وبين الهزل وواقع الحالة الجوية الأكيد أن العاصمة الرباط شهدت طقسا غير عادي بالمرة الخميس، حمل جزءا واسعا من ساكنتها على الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بثلج حقيقي، لدرجة أن حرب بلاغات «مازحة» استعرت على «الفايس بوك» تطلب من الرباطيين مقاطعة كل من تطاول على حقهم في الثلج، واعتبر ما تهاطل على المدينة مجرد «تبروري» .