تأخرت التساقطات المطرية، واعتقد الجميع أن الموسم موسم جفاف بامتياز، خاصة عقب إعلان الحكومة لبرنامج استعجالي لمواجهة تبعات الجفاف وشح الأمطار. فاستكان الجميع مستسلما، خاصة بالنسبة للمواطنين الذين يقطنون قرى المغرب العميق، الذين لم «يستعدوا» لفصل الشتاء، كما تعودوا من قبل، إلى أن باغتتهم التساقطات قبل أكثر من أسبوع، فأعقبتها الثلوج بمستويات قياسية. التدفئة همّ جماعي لساكنة المناطق الجبلية ، تنشغل بذلك قبل دخول فصل الشتاء، والكل يتعبأ لهذه الفترة الحرجة من السنة، لكن هذا الموسم، فاجأ البرد الجميع... " في قلب الأطلس المتوسط يمكنك أن تنام من دون تناول وجبة العشاء، لكن من الصعب عليك أن تغمض عينيك من شدة البرد، فالأسر لم تستعد لموسم الصقيع بالشكل المطلوب. السكان في هذه المناطق الجبلية الوعرة اعتادوا على التزود الأسبوعي من المدن بالحاجيات الضرورية للحياة، حيث يعيش سكان بعض القرى بجبال الأطلس أوضاعا صعبة للغاية بسبب موجة الصقيع، وتساقط الثلوج مما يزيد من تفاقم عزلة بعض المناطق، فيما تجد بعض الفئات نفسها في شبه عراء تام تحت درجة حرارة تصل إلى ما دون الصفر".. هكذا يحكي بعض أبناء هذه القرى بمرارة . وتشتكي ساكنة هذه المنطقة من ضعف التدخلات لرفع حصار الثلوج عنهم، وبالتالي من غياب أي إجراءات لإخبارهم بقدوم التساقطات الثلجية الكبيرة بهدف اتخاذ ما باستطاعتهم من الاحتياطات الضرورية اللازمة لظروف طقس استثنائية و قاسية. هكذا تجددت معاناة سكان العديد من القرى الواقعة بالأطلس المتوسط مع موجات البرد والصقيع والتساقطات الثلجية، التي تشل أنشطتهم اليومية وتقيد حركيتهم، ليرغموا على البقاء في بيوتهم المتواضعة، درءا لتبعات انخفاض درجات الحرارة، التي تصل هذه الأيام إلى معدلات تحت الصفر. ساكنة إقليمإفران، مثلا ، لا همّٓ لهم عدا التفكير والانشغال باقتناء حطب التدفئة لمواجهة المناخ الصعب المتميز بالبرد القارس والصقيع المهيمنين خلال فصل الشتاء، حيث تعرف مستودعات بيع الحطب إقبالا كبيرا عليها، بدافع التخوف من ارتفاع ثمن الحطب أو انعدامه...وهو التخوف الذي تجسد على ارض الواقع حين وقفت ساكنة الإقليم الشهر المنصرم ومع التهاطلات المطرية الغزيرة والثلوج على ندرة العرض المتوفر لحطب التدفئة بمختلف نقط البيع لدى مستغلي الغابة، المعتمدين سواء في إفران أو في آزرو أو في مناطق أخرى بالاقليم/ مما جعل السوق تعيش نوعا من المضاربة في الأسعار، بحيث إذا كان السعر المعتاد هو 900 درهم للطن الواحد، فإن هذا السعر غير معترف به من قبل مستغلي الغابة وأصحاب المستودعات الخاصة ببيع حطب التدفئة من نوع "لْكرّۥوشْ"، كون السعرالحقيقي هو 1000(ألف) درهم (دّيه ولا خلّيه) ، يقول أحد المتضررين من هذه المضاربة ، مضيفا " هنا على الزبون الاستعانة بمن هم أقرب أو أدرى بعملية الحصول على الطن الواحد من الحطب، حيث تدخل الوساطة ، ليكون المواطن مجبرا على قبول هذه الوساطة وبالسعر المفروض، أي على الأقل زيادة 100درهم عن الألف ، لقضاء غرضه من الحطب.. فضلا عما يتطلبه الأمر من تكاليف إضافية تتمثل في النقل و التخشيب ، وهو ما يعني أن تكلفة الطن الواحد لا تقل عن 1200درهم في أحسن الأحوال". وأجمع عدد من المواطنين من خلال تصريحاتهم ، على ضرورة تدخل الدوائر المعنية والمسؤولة ، سواء من قبل ادارة المياه والغابات أو من طرف السلطات الإقليمية والمحلية ومعها المجالس المنتخبة للوقوف على هذه التجاوزات و المضاربات في سعر الطن الواحد من حطب التدفئة، متسائلين عن غيابها في مجال تنظيم البيع ، مستغربين ، كذلك، الكيفية التي تهدر بها الثروة الغابوية التي تتعرض للاستغلال العشوائي . في السياق ذاته ، يخلي البرد القارس والثلوج الرحل من بعض المواقع الباردة شتاء، ليستقروا في مناطق أكثر دفئا في الطريق إلى مكناس والحاجب وإيموزار كندر" لعدم قدرتهم على تدبر تكاليف شراء الحطب الباهظ الثمن الذي يصل إلى 1300 درهم للطن"، يؤكد مواطن يتخذ من موقع قرب ميشلفين مكانا للبحث عن زبناء يغريهم بركوب بغله مقابل 50 درهما أو ما جادت به "قريحتهم"، عن كل رحلة. ففي إقليمإفران بمنطقة الأطلس المتوسط ، يكابد التلاميذ المعاناة مع البرد القارس بصمت في ظل هشاشة مجموعة من المؤسسات التعليمية ببعض الفرعيات، وكذلك تفشي الفقر الذي يجعل الآباء غير قادرين على توفير الملابس الواقية من البرد لأبنائهم، أو حتى توفير التغذية التي تعطيهم الطاقة اللازمة لمواجهة قساوة الطقس، ما يؤثر على التحصيل الدراسي. فبالرغم من أن وزارة التربية الوطنية لجأت مؤخرا إلى توفير الفحم قصد تدفئة المؤسسات التعليمية، فإن هذا المنتوج يواجه بالرفض من طرف رجال التعليم وكذلك التلاميذ، نظرا لتداعياته الصحية بسبب عدم توفير المدفئات الخاصة بالفحم التي تحول دون تسرب الدخان. تساقط الثلوج في بعض القرى في إقليمإفران، يتسبب في انقطاع الدراسة لمدة قد تصل إلى شهر واحد أحيانا، إلى جانب ارتفاع أثمان المواد الغذائية ، ورغم توفر كاسحات الثلوج، إلا أنها تكون غير قادرة عن فك الحصار عن الدواوير يالسرعة المطلوبة . وبالنظر الى أن السكان يفتقدون الكثير من الآليات التي تقيهم قساوة البرد، فإنهم يحرصون على اعتماد "التكافل الاجتماعي"، وهو صيغة من صيغ التعايش بين الأسر لتخفيف وطأة البرد والحاجة، بعدما تجندت طيلة فترة الصيف لتوفير مدخرات المأكل واللباس والحطب، لتصرف ذلك في فصل الشتاء بتدبير محكم، بموازاة مساعدة الأسر لبعضها البعض عبر تبادل المؤن وتعويض النقص الحاصل لدى كل أسرة. وبخصوص المواد الغذائية التي يستعين بها سكان الأطلس على تحمل قساوة المناخ، نجد الشعير، الذرة والبطاطس... تشكل العناصر الأساسية لتحضير الأكلات المحلية، التي لا تخلو من زيت الزيتون، والإبزار لمقاومة البرد. وأمام صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية بهذه المناطق يبقى العلاج التقليدي لمواجهة نزلات البرد الحادة أفضل الطرق للعلاج التقليدي ضد البرد بالمنطقة، كشرب البيض الطازج، الحليب الساخن، السانوج، حبة الرشاد، زيت الزيتون، والعسل.علما بأن أغلب المتضررين من البرد من الأطفال وكبار السن . مجموعة من القرى والمداشر دخلت فيما يشبه مرحلة «البيات الشتوي» منذ أسبوع، بعد أن تهاطلت الثلوج على هذه المناطق وقطعت المسالك المؤدية إليها .فالثلوج التي تساقطت بشكل مكثف منذ أسبوع، قامت بإغلاق مجموعة من الفجاج والممرات الجبلية فارضة حصارا محكما على مجموعة من القبائل المنتشرة في جبال الأطلس المتوسط والكبير، خاصة وأن سمك الثلوج يتراوح مابين ستين سنتمترا و أربعة أمتار في مناطق مختلفة، الأمر الذي يعزل المنطقة بكاملها عن المحيط الخارجي، ويتسبب أيضا في نفوق قطعان الماشية ونفاد العلف، حيث يقل العشب و تتجمد المياه. هكذا يعيش سكان المناطق الجبلية على إيقاع الخوف من تداعيات موجة البرد المنتشرة بهذه المناطق هذه الأيام. هكذا إذن يجد مجموعة من السكان أنفسهم، وأمام ارتفاع ثمن حطب التدفئة بهذه الأقاليم، وتحكم مافيات الحطب في الأسعار التي ارتفعت بشكل قياسي، يتوجهون إلى الغابات المجاورة لحطب الأشجار، الأمر الذي يعرضهم للمواجهة مع حراس الغابة ولمتابعات قضائية . هكذا إذن تفجر موجة البرد بجبال الأطلس مجموعة من الإشكاليات التي ظلت مغيبة لحد الآن في كل البرامج المقررة لهذه الأقاليم؛ فمن انعدام التجهيزات الأساسية، خاصة الطبية منها بمجموعة من المراكز القروية لمواجهة مثل هذه الحالات، إلى التلاعبات بحطب التدفئة، إلى المطالبة بإعادة النظر في تصنيف هذه المناطق. كل شيء يجب أن يتوقف هنا إلى حين مرور فصل الشتاء، فعلى الرجال برمجة المعاشرة الزوجية وفق برنامج يؤخر الإنجاب إلى مابعد الأشهر الثلاثة (نونبر، دجنبر ويناير) فالويل كل الويل لمن استلذ دفء الفراش في غير المواقيت المعلومة وتسبب في إدراك زوجته الوضع خلال هذه الفترة من السنة، فقد تكون العواقب وخيمة... وهناك حكايات عديدة في هذا الشأن . موجة البرد القارس تشكل عاملا مؤرقا للأسر المغربية بالقرى والمناطق الجبلية، والتي قد يصل الأمر خلالها إلى حدوث وفيات بين الأطفال وكبار السن لغياب وسائل التدفئة واللباس الشتوي، والافتقار إلى الامكانيات المادية للتداوي، والاكتفاء بالوصفات التقليدية لمعالجة نزلات البرد . إنها موجة البرد القارس التي تقابَل ببرودة رسمية في معالجة الظاهرة، فإذا كان مناخ هذه المناطق معروفا بكثرة التساقطات الثلجية خلال فصل الشتاء بالنظر للطابع الجبلي لها، فإن الواقع كان يفرض أن يتعامل المسؤولون بكثير من الاهتمام بمشكل البنيات التحتية والتجهيزات الخاصة بالتدفئة، ليس فقط بالمؤسسات العمومية والتعليمية، بل أيضا بالمنازل والإقامات عبر تخفيضات في أسعار استهلاك الطاقة. بكلمة واحدة ، تزيد برودة الأداء الرسمي في التعامل مع إشكالية التدفئة من معاناة السكان في المناطق الجبلية والنائية، مادام المسؤولون في منأى عن وطأة الصقيع المدمر ؟!