دعا المشاركون في مائدة مستديرة، التأمت الأربعاء بالرباط حول "ظاهرة زواج القاصرات: مشاكل وحلول"، إلى اعتماد مقاربة اجتماعية شمولية كفيلة بالحد من زواج القاصرين، لا سيما الفتيات، وتضمن لهم الحق في استكمال دراستهم واكتساب الخبرات الكافية التي تساعدهم على تأسيس أسر سوية. وأكد المشاركون في هذا اللقاء، الذي نظمته "جمعية حقوق وعدالة" بدعم من السفارة النرويجية والمعهد الدنماركي للأبحاث والمعلومات حول النوع الاجتماعي والمساواة والتنوع، أنه لا يمكن تجفيف منابع هذه الظاهرة، التي تهدد مستقبل الشباب، إلا من خلال تشجيع التمدرس ومكافحة الهدر المدرسي ومحاربة الهشاشة والفقر وفك العزلة عن المناطق النائية. كما أوصوا بتجريم زواج القاصر، وإدانة الولي أو الوصي وكل من ثبت تورطه ومساعدته في زواج القاصر بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وجعل مقرر منح الإذن بالزواج قابلا للطعن، إضافة إلى اعتبار عقد الزواج الوثيقة الوحيدة لإثبات العلاقة الزوجية، ومأسسة مقاربة النوع الاجتماعي في المنظومة القضائية والعدلية. وخلصوا أيضا إلى ضرورة تعميم التعليم وتقريبه من المناطق النائية من أجل الحد من ظاهرة زواج القاصرات، وتحديد السن الإجباري للتمدرس وفرض غرامات مالية على المهملين لحق تمدرس أبنائهم، مع التأكيد على ضرورة التوعية والتحسيس بخطورة الظاهرة خاصة في المناطق المستهدفة. وفي هذا الصدد، قالت فاطمة أوكدوم، رئيسة غرفة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، إن أكثر ما يؤرق هو أن "الزواج المبكر آخذ في الارتفاع رغم أن السن الأدنى للزواج المنصوص عليه في مدونة الأسرة هو 18 سنة"، موضحة أن الأمل كان كبيرا في أن تساهم هذه المدونة في الحد من الظاهرة وتمكين القاصر من استكمال تكوينه واكتساب الخبرات الكافية التي تساعده على تأسيس أسر سوية تساهم في بناء مجتمع معافى. وشددت أوكدوم على "خطورة التحايل على القوانين الذي يبطل سريان مفعولها من خلال استغلال بعض الفراغات التشريعية التي تسمح للأب بتزويح ابنته القاصر دون عقد زواج شرعي، ثم اللجوء، من ناحية أخرى، إلى مسطرة ثبوت الزوجية"، معتبرة أن هذا النوع من التحايل "يرسخ شكلا من أشكال الاتجار بالبشر الذي يحرم الفتيات من حقهن في العيش داخل أسرة تضمن لهن كل حقوقهن الاجتماعية وكرامتهن الإنسانية". وذكرت في هذا الشأن، بأن المادة 16 من مدونة الأسرة التي تم التنصيص عليها بهدف توثيق الزيجات التي لم يتم توثيقها مسبقا بسبب بعض الإكراهات المادية أو المجالية أو المجتمعية، أصبحت بالنسبة لبعض الأشخاص وسيلة " لشرعنة ما هو مخالف لكل الاتفاقيات الدولية التي تنادي بحقوق الطفل ومحاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة". من جانبها، قدمت ميشيل زيراري، الأستاذة بكلية الحقوق بالرباط، عرضا يقارن بين مدونة 1957 ومدونة الأسرة لسنة 2004، أبرزت من خلاله أن نقاط القوة في المدونة الجديدة تتجلى في كون المحكمة تأخذ بعين الاعتبار وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وذلك طبقا للمادة 16 من مدونة الأسرة التي تنص على مسطرة ثبوت الزوجية. وأوضحت في هذا الإطار أن وضع هذه المادة يمكن من إضفاء الشرعية على الأطفال الذين ينتجون عن هذه العلاقة. وبدوره، أوضح ممثل عن وزارة العدل والحريات أن استراتيجية الوزارة في ما يخص مسألة زواج القاصرات نجحت في تقليص نسبة الزيجات (11,99 بالمائة في سنة 2011 مقابل 10 بالمائة في سنة 2015)، وذلك من خلال اللقاءات التشاورية التي عقدتها الوزارة مع المسؤولين القضائيين، فضلا عن تعميم الوزارة لتعيين المساعدين الاجتماعيين في محاكم قضاء الأسرة.