السينما بين الهند و باكستان، ليست فقط مقارنة بين نجاح بوليود و فشل لوليود، كما بينا سابقا، لكن هي أيضا السينما التي نشاهد فيها الهند و باكستان في الأفلام، و بما أن السينما الباكستانية حكمت على نفسها بالاعدام، وأصبح من المستحيل اليوم، و لخمسين سنة قادمة على الأقل، أن تحلم باكستان بمنافسة الهند في ميدان الفن السابع، فان الأفلام التي نشاهد فيها حضور الجارتين، هي أفلام هندية بالضرورة. تفوق الفيلم الهندي في رواية القصص ليس وليد اليوم، و مع ذلك فان صناع السينما في الهند لم يركنوا للسهولة، و طوروا أنفسهم سنة بعد سنة، في الجانب التقني كما في الجانب الأدبي، دون نسيان عصب "الحرب" في الجانب الانتاجي و الترويجي، و هي أمور غابت عن الفيلم الباكستاني للأسف. باكستان دخلت في حلقة مفرغة يصعب الخروج منها، لأن نفس المبررات "الدينية" و "الثقافية" التي خربت صناعتها السينمائية، هي نفسها التي يتم اليوم رفعها في وجه الانتاجات السينمائية الهندية، ولأن المسؤولين في باكستان يعلمون أن "غزو" سينما الجارة يتعاظم بسرعة "مرعبة" وسط الباكستانيين، فانهم يكلفون "رجال الدين" و أشباه "المثقفين"، لكي ينظموا تلك الهجومات السخيفة على "الجرأة" الحاضرة أكثر فأكثر في الأفلام الهندية، و بطبيعة الحال، ليس هناك وصفة أفضل لمداراة العجز عن المنافسة، من أسطوانة "أخلاق الأمة" المهددة ب"الفحش" و "التفسخ" والأحضان و القبلات و قصص الحب المشتعلة في كل ركن من سيناريوهات بوليود. طبعا، المشكلة أعمق، والمعضلة الحقيقية هي أن هناك ثقافة دينية "تخصي" الابداع في باكستان، ومادامت هي المسيطرة، فان الوقوف في وجه أمواج الفن السينمائي الهندي الهادرة، يصبح مدعاة للسخرية في ذهن كل متتبع عاقل. في الفيلم الهندي (فناء) الذي أنتج عام 2006، و تدور أحداثه في كشمير، يلعب "أمير خان"، أو ريحان في الفيلم، دور الإرهابي الكشميري الذي يتنكر في دور مرشد سياحي داخل المزارات الهندية، و هي طريقته لدراسة هذه الأمكنة حتى يتمكن لاحقا من تفجيرها، تنفيذا لأوامر قائده الذي يريد أن تستقل كشمير عن الهندوباكستان معا.. أثناء "عمله"، يقع في حب "زويا"، الفتاة العمياء التي تزور الهند لأول مرة، و سيكون ثمرة هذا الحب طفل، ستسميه أمه "ريحان" على اسم أبيه، قبل أن تدرك أن من أحبت هو في الحقيقة عميل ارهابي، و سيصبح الصراع في الفيلم بعد ذلك، ليس فقط بين أم تعطي الحياة، و أب يأخدها من آخرين، ليس فقط بين قيم الخير و الشر التي تتغير معانيها بتغير وجهة نظر الطرفين، حتى يصبح الخير خيانة، و يغدو الشر بطولة، لكن الصراع سيصبح بين حب شخص يزرع الموت، و بين حب وطن وهبنا الحياة، و من يستحق تضحيتنا و وفاءنا واخلاصنا وحبنا في المقام الأول و الأخير.. بنهاية هذا الفيلم، يصبح موقفك من الصراع في كشمير في غير صالح باكستان، حتى ولو كنت أيام الجامعة متعاطفا مع طروحات إسلام آباد.. في فيلم هندي آخر بعنوان (فير و زارا)، انتاج 2004، تزور فتاة باكسانية الهند (قامت بالدور، الجميلة بريتي زينتا)، نزولا عند رغبة مربيتها الهندية، وتلبية لأمنيتها الأخيرة، وهي أن تأخذ رمادها إلى مدينة السيخ المقدسة كيراتبور الهندية، وأن تقوم بنثرها في نهر سوتليج، بين أسلافها.. عند وصولها للهند، تتعرض الحافلة التي تقل زارا لحادث يتسبب في انقلابها.. و هنا يتدخل الطيار في سلاح الجو الهندي وقائد السرب "فير براتاب سينغ" لنجدتها (قام بالدور الأسطورة شاه روخ خان).. تكمل "زارا" طقوس نثر رفاة جدتها، و ينجح "فير" في إقناعها بالعودة معه إلى قريته، دون أن يخفي رغبته في قضاء يوم واحد على الأقل معها هناك. توافق "زارا"، ويقوم "فير" بأخذها في جولة وسط البنجاب الهندية. هذه الرحلة و المغامرة، و خيط الحب الذي بدأ ينسج منذ وهلتها الأولى بين "باكستان و الهند" سيتوقف فجأة.. وسترجع "زارا" مع خطيبها الذي جاء بحثا عنها. عند وصولها للديار، تدرك "زارا" أن لديها مشاعر عميقة من الحب ل"فير"، ولكن، نظرا لثقل الأعراف و التقاليد، يصبح واجبها هو الزواج من خطيبها، خصوصا أنه زواج من شأنه أن يخدم مهنة والدها السياسية. تبدأ "زارا"، الفتاة الباكستانية، برؤية "فير"، الشاب الهندي، في كل مكان حولها، تخبر أمها وخادمتها، وتذهب هذه الأخيرة لتتصل بقائد سلاح الجو الموجود في الهند، وتحكي له كيف أن "زارا" بائسة بدونه، وترجوه أن يأتي ليأخذها و يذهب بها بعيدا.. للأسف ، سيدبر والد "زارا" سيناريو لكي يسجن "فير" لأكثر من عشرين سنة بتهمة التجسس، فور وصوله لباكستان.. الفيلم ممتع و مقنع على أكثر من صعيد، وقد حصد هذا العمل السينمائي غالبية جوائز الدورة السادسة لأوسكار الأكاديمية الهندية الدولية للسينما سنة 2005، وفي مقدمتها جائزتي أفضل ممثل و أفضل ممثلة.. ينتقل الفيلم بين طيبة الناس في جانبي الحدود، و بين مكر السياسة و ثقل الصراع على حياة الناس العاديين و أحلامهم و قصص حبهم التي تصبح صعبة الاكتمال.. بعد أن ينقذ الشاب الهندي الفتاة الباكسانية، تقول له ممتنة: "أُطلب أي شئ تريده مني.. أعدُك بأنني سأفعله.."، يرد عليها قائلا: "كيف تعدينني بشئ لاتعرفين ماهو.. ربما تندمين على ذلك.."، فتجيبه بوثوق: "انه وعد من فتاة باكستانية الى هندي.. شرفُ بلادي مُهدد بالضياع الآن.. لا أستطيع التراجع!!..".. في هذا الحوار طلب شاب هندي من فتاة باكستانية يوما واحدا من حياتها، فكانت نتيجته أن وهبها 22 سنة من حياته، قضاها سجينا في بلادها حفاظا على شرفها و شرف عائلتها..