و مع ذلك يستمر المسرح. و مع اقتراب نهاية الموسم المسرحي الحالي تنظم مهرجانات مسرحية دولية و محلية في مختلف ربوع المملكة. لعل أبرزها المهرجان الدولي للمسرح الجامعي، و هو الموعد الثقافي الذي استمر لسنوات و كبر معه عشق المسرح لدى الكثير منا. و قبل ذلك، و بمناسبة اليوم الوطني للمسرح، الذي يصادف الرابع عشر من ماي من كل سنة إحتفالا بذكرى الرسالة الملكية التي كان وجهها الملك الراحل الحسن الثاني للمناظرة الأولى للمسرح، نظمت وزارة الثقافة، سيرا على تقليدها السنوي، إحتفالية لبضع أيام تشهد تنظيم عروض مسرحية في مختلف ربوع المملكة لفرق مسرحية محترفة. و دعما لحق المواطنين في الثقافة تفتح أبواب قاعات العرض بالمجان في وجه عموم المتفرجين، عسى أن يترسخ الطقس و يصير تقليدا لدى المشاهد/المستهلك المغربي. و هكذا فإن الوزارة تقوم بدورها في "تهذيب الذوق الوطني". المسرح لحظة جميلة بالنسبة لفناني العرض الحي. لحظة فقط. قد تدوم لسنوات، لكنها لحظة تجعل من المسرحيين كفناني السيرك، يحملون أوتادهم، ليثبتوا عليها الحصى في كل مرة في موطن جديد، قرية أو مدينة جديدة. قد نخال أن المسرح سيموت مع غزو التكنولوجيات الجديدة، تماما كما أهدرنا الكلام لوقت طويل عن موت النص، لكن المسرح يحيى كذلك بتطور التكنولوجيات و بروز تقنيات جديدة. الناس صارت أكثر حاجة لعودة العروض الحية، لتخرج من عزلتها أمام الحاسوب و التلفاز. لكن يجب تحريضها بقوة على الخروج من قوقعتها المريحة، عبر إستعمال الأنترنيت و التلفاز و الراديو كوسائل للدعاية لذلك. لكن هل ينال مسرح الإشعاع السري الذي نمارسه بالمغرب ما يستحق من إعلام؟ هل تقوم المؤسسات الثقافية بدورها كاملا في الإعلان عن برمجتها و فتح باب الوفاء بينها و الجمهور؟ كم مسرحا و مركبا ثقافيا و فضاء سوسيو ثقافيا نبني؟ قاعات عرض بمواصفات جودة عالية في كثير من الأحيان، لكن قد ينقصها سبب النزول: تلك البرمجة الدائمة التي يتم نشرها و الإعلان عنها على نطاق واسع بشكل دوري. أعتقد أنه إلى جانب المسرح الوطني محمد الخامس، ذو التقليد العتيد في هذا الباب، وحده المركز الثقافي الحاجب يصدر برنامجا أنيقا يعلن فيه عن العروض التي سيحتضنها خلال الشهر. كيف يمكن للجمهور أن يرتاد المسارح و هو لا علم له ببرمجتها؟ المسرح يفتح عين المتفرج على الحلم و يدعوه إلى التطهير الذاتي، و هو حديقة من الحدائق الأساسية التي يجب فتحها متنفسا للمواطنين. ما أجمل ذلك اللقاء المباشر مع الجمهور الذي لا يقدر بثمن. لحظة حرية حقيقية بالنسبة للمتفرج. و لعل سياسة الدعم التي ننتقد أعطابها بين الفينة و الأخرى، مكنت مع ذلك من تعميم المسرح و الوصول به إلى المتفرجين من كل حدب و صوب، غير أن رغبة الوزارة الوصية في إرضاء أكبر عدد من الفرق يجعل الغلاف المالي المخصص لكل فرقة لا يمكن إلا من تقديم عدد محدود من العروض في السنة، و هو ما لا يشجع على الرقي بالوضع الإحترافي لهذه الفرق و ما يجعل عملها موسميا. يجب أن نمكن المبدعين من الظروف الملائمة لينال منتوجهم ما يستحق من إشعاع، حتى يظل المسرح تلك المدرسة التي يلجها المواطن لتغذية ذوقه الفني و ليس النهل من بحور التهريج و الميوعة التي تلاحقه أينما حل و ارتحل.