التحدي الكبير في الكتابة المسرحية هو البحث عن لغة دارجة إبداعية تمزج الواقع والفكر والشعر... في هذا الحوار الذي أجريناه مع الدكتور عصام اليوسفي، على هامش الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب، بمناسبة إصداره لمسرحيته الجديدة «دموع بالكحول»، يتحدث الكاتب والباحث المسرحي عصام اليوسفي عن اختياراته وقناعاته الفكرية والجمالية والفنية ورهانات الكتابة الدرامية، وعلاقته بالجمهور والنقد ومقاربته للمشهد المسرحي الوطني.. ويعد الدكتور عصام اليوسفي الذي يشتغل في صمت بعيدا عن الأضواء، من فرسان كتاب الدراما في المغرب المعاصر، وأحد أعلام الدرس المسرحي في الحرم الأكاديمي، أصدر مجموعة من الكتب ونشر عددا هاما من الدراسات، توج خلال المهرجان الوطني للمسرح في السنة الماضية كأحسن مؤلف للموسم الماضي، بمسرحيته «دموع بالكحول» التي حصدت عدة جوائز أخرى على رأسها الجائزة الكبرى.. ألف وترجم عدة مسرحيات من بينها في صنف الترجمة نصوص لكولتس وشديد وشزكال، وفي باب التأليف كتب بالإضافة لمسرحيته الأخيرة والشهيرة «دموع بالكحول» مسرحية «سفر» ومسرحية «العساس» التي تألق فيها ممثلون محترفون شباب بقيادة المايسترو عبد العاطي لمباركي الذي توج بدوره كأحسن مخرج للموسم الماضي.. كما أصدر كتابا حول المسرح و السينما.. والأستاذ عصام اليوسفي، دراماتورج وكاتب ومترجم وباحث في الفنون الدرامية ومختلف أشكال الفرجات الحية، حاصل على الدكتوراه من جامعة باريس تخصص الدراسات المسرحية، سبق أن تقلد منصب مدير المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط حيث يقوم حاليا بمهمة التدريس، كما سبق أن شارك كعضو في لجنة الدعم المسرحي في مواسم سابقة، وشارك في لجان تحكيم عدة مهرجانات مسرحية وفي ندوات ولقاءات وطنية وعربية ودولية حول المسرح والفنون الدرامية. في البداية نهنئك، الأستاذ عصام اليوسفي، على الإصدار الجديد الذي حملته إلينا بمناسبة الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر وهو نص مسرحيتك الشهيرة «دموع بالكحول» التي نالت جائزة أحسن نص بالمهرجان الوطني للمسرح بمكناس خلال دورة السنة الماضية (يوليوز 2013).. وعلى هامش هذا الإصدار نود أن نسألك حول علاقة الكاتب المسرحي بالنشر، هل ثمة إكراهات خاصة حينما تكون بصدد تهيئ نص مسرحي للنشر سبق أن أنجز على خشبة المسرح، هل يمكن الحديث عن مسافة جديدة يتخذها الكاتب مع نصه لاسيما أنه سيكون موجها للقراءة وليس للتمثيل.. وهل ثمة أيضا إكراهات مرتبطة بالنشر والتوزيع خصوصا وأن الإقبال على النص الروائي أو النقدي يكون غالبا أكبر من الإقبال على النص المسرحي.. يعني أن الناس لا يقرؤون المسرح لأنهم يحبذون أن يشاهدوه «ملعوبا» على الخشبة للوصول إلى مسعاهم العام في تحقيق متعة الفرجة.. كيف ترى هذه التداعيات؟ علاقة الكاتب المسرحي بعملية النشر هي بالفعل عملية معقدة نوعا.. ما وكما ذكرت فالرواية والمؤلفات النقدية تتوفر على حظوظ أوفر للوصول للقارئ بخلاف النص المسرحي الذي يبقى انتشاره في أغلب الأحيان محدودا في الإطار المهني أو الأكاديمي. فيما يخص تجربتي مع نص «دموع بالكحول» ففكرة نشر المسرحية كانت حاضرة منذ البداية والذي حفزني أكثر هو نجاح المسرحية على مستوى العرض وأيضا ردود الفعل الإيجابية للجمهور والنقاد والأصدقاء من المهتمين. كل هذا شجعني على تجاوز بعض الإكراهات التقنية والمادية وطلبت من الصديق والناشر رشيد البرومي إصدار هذا المؤلف في دار النشر «إسكيس»، التي سبقت أن أصدرت لي مؤلفين نص نقدي حول «المسرح والسينما» و نص مسرحي مقتبس بعنوان «الطابعان». أما فيما يخص علاقتي مع النص بعض عرضه فلم تتغير، النص يبقى ثابتا في شكله ومضمونه وأيضا منفتحا على قراءات إخراجية متعددة حسب رِؤية المخرج الذي اختار الدفاع عنه أمام المتفرج... لست متشددا كثيرا في العلاقة الممكنة بين النص والإخراج ولكن هناك خطوطا يجب احترامها بالضرورة. في تجربتي مع أسماء الهوري مخرجة الإبداع الأول للمسرحية كانت هناك بعض التغييرات الطفيفة والمبررة حسب طبيعة الرؤية المقترحة ولم أعترض كثيرا على تدخلاتها خصوصا أن أسماء قدمت قراءة ذكية ومتميزة رغم بعض المقاومة الإيجابية في بداية الاشتغال... راكمت تجربة مميزة في الكتابة المسرحية، وصرنا نتلمس بعض الخاصيات الأسلوبية التي تسم كتاباتك الدرامية، من قبيل تملكك للغة الشارع واليومي الممزوجة بمستجدات المعجم الساخر الذي يبدعه الشعب من دون السقوط طبعا في الابتذال اللغوي كما نشاهد ونلمس ذلك في بعض الإنتاجات التلفزيونية، فضلا عن قدرتك الهائلة على السمو بلغة الشعب إلى مدارج الرقي، كما لاحظنا ذلك في الحوارات الحميمية العميقة والجريئة في مسرحية «دموع بالكحول» وفي المعجم «الشبابي» المصطفى بعناية في مسرحيتك «العساس».. هذه الاختيارات الفنية وإن كانت لصيقة بطبيعة الحال بانتصارك للغة الدارجة المغربية، فهي مرتبطة أيضا وأساسا بنوعية المضامين والتيمات التي تشكل محور اشتغالك وانشغالك الفكري وأفقك الثقافي، خصوصا ما يرتبط منها بالمضامين ذات الطبيعة الإنسانية القوية المشفوعة بنفس نقدي قاسٍ وبطابع جمالي سلس وبأسلوب ساخر وكوميدي لاذع إلى أبعد الحدود.. من ثمة ينطرح السؤال الأزلي حول علاقة الشكل بالمضمون، وحول علاقة السياسي والسوسيو اقتصادي بالفني والثقافي والجمالي، فكيف يتأثث نسيج هذه العلاقة في مخيلتك، وما حدودها وما رهاناتها، ألا يكتسي هذا الاختيار طابع المغامرة والمخاطرة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالكتابة للمسرح بما هو فرجة بصرية تمتح من كل اللغات الركحية ولا تقف فقط عند حدود اللغة المنطوقة؟ ما رأيك؟ لقد تحدثت في بداية سؤالك عن نقطة أساسية والتي أعتبرها شخصيا الرهان الأول في عملية الكتابة وهي رهان اللغة. في رأيي المسرح يشتغل على الأحاسيس، واللغة هي التعبير الأول لرؤية الفرد لمحيطه، في فعل الكتابة لا أركز كثيرا على الطباع والنفسيات بقدرما أهتم بشكل خاص بالمواقف و التعبير عن المواقف من خلال الحوار. أبحث دائما على كتابة متوترة تسمح بالمزج بين الحدث المشوق والتأمل المتوتر لكي ألمس إحساس وفكر القارئ أو المتفرج. تكلمت أيضا على الاشتغال على لغة الشعب أو الشارع والرقي بها إلى تعبير أسمى، أنا أنطلق من فكرة وحكاية لأصل لأحاسيس مرتبطة بمسارات لها انتماءات وأشكال تعبيرية مختلفة وأحاول دمجها في أسلوب خاص وموحد يحضر فيه البعد الاجتماعي والفكري والنفسي وأيضا الشعري بالخصوص. الجنس المسرحي يلعب كذلك دورا في طبيعة اللغة المشتغل عليها، فلغة مسرحية «العساس» تختلف عن لغة مسرحية «دموع بالكحول» على مستوى اختيار المفردات والتعابير ولكن الإيقاع اللغوي والتعبيري يبقى واحد أو أطمح لأن يبقى واحدا. مضمون النص يمكن أن يؤثر في شكل الكتابة ولكن يبقى الأسلوب هو الجوهر (أسلوب الحكي وأسلوب التعبير)... فيما يخص اللغة الدارجة والانتصار للغة معينة، ليس لدي موقف أو قناعة محددة أو اختيار معين، بالفعل الدارجة المغربية هي الأقرب للوجدان الجماعي ولكنني كتبت أيضا نصوصا بالعربية الفصحى وبالفرنسية وسأبقى حرا ومنفتحا على كل أشكال التعبير اللغوية حسب الرغبة والموضوع والظرفية... ولكن أنا معك في أن التحدي الكبير في الكتابة المسرحية هو البحث عن لغة دارجة إبداعية تمزج الواقع والفكر والشعر... بناء على ذلك، يمكنني أن أصنف كتابتك الدرامية ضمن ما يمكن أن أصفه ب «الواقعية الحداثية» وأعني بها المنهج الفني الذي يتبناه الكاتب المسرحي والذي من خلاله يخاطب وجدان الناس من دون أن يدغدغ عواطفهم، ويتجه رأسا إلى عقولهم من دون أن يثير صداع الرأس، ويطرح الأسئلة التي تستفز الدولة والمجتمع.. ومن ثمة ينتصب سؤال العلاقة مع الجمهور المتلقي، وأنت تعلم أن جسور التلقي يبنيها المبدع ب «الإسمنت المسلح»، فتلك مهمته وحده وليست موكولة لأي طرف آخر، بمعنى أن المبدع إذا كان متمكنا من جذب إعجاب الجمهور واستمالته بالإقناع والمتعةSEDUIRE LE PUBLIC فإنه لا محالة سيحقق النصر على كل أشكال المقاومات والإغراءات التي تسكن ذهنية وعقلية وسلوك ما يسمى بالجمهور الواسع.. وإذن، فأي استراتيجية يراهن عليها الكاتب عصام اليوسفي عند التفكير في وضع نص مسرحي وصياغة أجوائه وفضاءاته وعلاماته ودلالاته وصوره ومفرداته... لمجابهة ومواجهة المقولة المصرية الشهيرة التي اخترقتنا في المغرب منذ زمان والتي ترفع شعار «الجمهور عايز كدة»؟ لا يمكنني وصف أو تصنيف الكتابة التي أشتغل عليها بشكل دقيق، ربما ليست لدي المسافة الكافية لذلك.. ولكن ما يمكن قوله هو أنني أكتب بالضرورة في تفاعل مع الواقع وأنصت لما يحيط بي، ولكنني في نفس الوقت لا أكتب بشكل واقعي... أكتب عن الواقع وبأسلوب غير واقعي. القراء أو الجمهور يمثلون المجتمع والواقع، ويشكلون أيضا حلفاء في مشروع الكتابة، ولكن لا أكتب في أفق الإغراء أو الاستمالة بل القاعدة الأولى هي الكشف والمكاشفة النزيهة. أولا أكتشف ذاتي من خلال الكتابة وأحاول تكسير الجليد الذي يوجد بالداخل، ثم أنفتح على العالم لأقدم رؤية للأشياء التي اقتسمها مع الآخرين. التواصل مع جمهور واسع هدف أساسي ولكن لا يلغي البحث عن الكثافة في الأفكار والأسلوب الأنسب لخلق الإحساس والتفكير، كاتب بدون أسلوب لا يمكنه أن يدعي هذه الصفة... لا أتعمد بناء جسور التلقي بقدر ما أحاول بناء حكاية متماسكة ومثيرة وأدعو القارئ المتفرج لبناء جسره الخاص للدخول لعالم متخيل ولكن حامل لأحاسيس حقيقية وواقعية. فكرة الجمهور يريد أو ينتظر... هي فكرة تنبني على منطق التجارة ولا علاقة لها بالإبداع ولا أستحضرها لحظة الكتابة... تم إنجاز عملين لك سنة 2013 «دموع بالكحول» و»العساس»، وهما نصان مختلفان على مستوى جنس الكتابة، كما قلت قبل قليل، وربما أيضا على مستوى طبيعة الجمهور المرتقب.. المسرحة الأولى قامت بإخراجها الفنانة أسماء هوري وتوجت بالجائزة الكبرى في مهرجان مكناس الماضي بالإضافة لجائزة النص وجوائز أخرى، بينما النص الثاني فاز بجائزة الإخراج والذي قام به الفنان عبد العاطي المباركي ونال أيضا جائزة التشخيص للممثل سعيد أيت باجا. ما هي أوجه الاختلاف والتلاقي بين المسرحيتين؟ مع العلم أن الإثنتين لقيتا نجاحا ملحوظا، هل لكل واحدة أفق خاص، وجمهور خاص؟ بالفعل الأعمال أو النصوص التي قدمتها كانت ربما موفقة وكانت أيضا محظوظة لأنها جمعت حولها في كلتا التجربتين فريق فني متمرس ويحمل طاقات إبداعية ورؤية فنية متكاملة. وأنا شخصيا ممتن للأصدقاء والمبدعين الذين ساهموا في إنجاز هذين العملين وأود من خلال هذا المنبر أن أوجه تحية خاصة لكل واحد منهم... بالنسبة لجنس الكتابة وطبيعة الجمهور، من المؤكد أن هناك اختلاف، فمسرحية «دموع بالكحول» هو نص درامي يحمل بعدا ولمسات تراجيدية معاصرة، وبنيته متشذرة، ولغته تطمح أن تكون شاعرية؛ بينما مسرحية «العساس» هو نص كوميدي يمزج بين كوميديا المواقف واللغة والطباع مع تركيبة تمزج بين أسلوب الحكي والمحاكاة التي تعتمد على لغة الإيحاءات ولا تخلو من شاعرية حسية.. متمنياتي هي أن تجد المسرحيتان تجاوبا مع الجمهور الواسع الذي يبحث عن متعة حسية وفكرية لأنني لم أستحضر قط مفهوم الجمهور الفئوي أو الجمهور الواسع في أسلوب الكتابة... بحكم تجربتك الفنية والنقدية، وبحكم تراكمات المشاهدة المسرحية، وأيضا بحكم التصاقك المهني اليومي بمادة المسرح كمدرس، هل يمكننا اليوم تصنيف الكتابة المسرحية عند الكتاب المغاربة، وأنت واحد منهم، إلى تيارات ومدارس متباينة، بحيث نستطيع تلمس فسيفساء جمالي وفكري في الخريطة الدراماتورجية المغربية؟ بالتأكيد أنني لا أقصد إعمال تراتبية ما أو تفاضل أو حتى مقارنة، لكني أرمي من خلال هذا السؤال إلى الدعوة لنهج مقاربة نقدية مؤسسة ومبنية على تاريخ وواقع المسرح المغربي، لاسيما أن الريبرتوار المسرحي الوطني، الحديث منه والمعاصر، زاخر من حيث النصوص والعروض بمادة يمكن أن تكون موضوع بحث ودراسة، فعلى مستوى الكتابة ثمة أجيال تعاقبت وتواصلت ووشمت ذاكرة المسرح المغربي بنصوص اعتبرت في حينها ولازالت تعتبر طليعية، كما هو الشأن بالنسبة لأحمد الطيب العلج، وعبد الله شقرون، وعبد الصمد الكنفاوي، والطيب الصديقي، وعبد الكريم برشيد، ومحمد قاوتي، ومحمد تيمد، ومحمد مسكين، والمسكيني الصغير، وأحمد العراقي، وعبد الحق الزروالي، وعبد اللطيف فردوس... وصولا إلى الحساسيات الجديدة التي غالبا ما نجد فيها أن المخرج هو الذي يتكلف بالكتابة أو الاقتباس أو الإعداد الدراماتورجي كما نلمس ذلك عند حسن هموش، وبوسلهام الضعيف، وجواد السنني، وعبد المجيد شكير، ومحمد الحر، ونعيمة زيطان، وأسماء الهوري... وغيرهم ممن اهتموا أساسا بالكتابة كالزبير بنبوشتى ومحمد زيطان وإدريس كسيكس وعبد الإله بنهدار والسبيع... وآخرين. على أي هذا الجرد، وإن كان مقتضبا، لأن ثمة أسماء وتجارب هنا وهناك في المغرب العميق لا تسلط عليها الأضواء، يبين مدى غنى الخزانة المسرحية المغربية بتعدد وتنوع حملة القلم باختلاف مشاربهم وحساسياتهم، ألا يستحق هذا الزخم تأسيس رؤيا نقدية جادة وممأسسة لتصنيف الكتاب الدراميين ببلادنا ومعيرة طرق وتقنيات اشتغالاتهم الدراماتورجية واختياراتهم الجمالية والفنية؟ هذه دعوة أكثر منه سؤال، دعوة لتصنيف أساليب وأشكال الكتابة المسرحية بالمغرب. هناك دراسات جادة قام بها نقاد وأساتذة باحثون وحددوا من خلالها تيارات مسرحية مرتبطة بتجارب إبداعية معينة، وقاموا أيضا بتحليل مميزات كل تجربة. أنا لست مؤهلا للقيام بشكل كامل بهذه العملية المعقدة والتي تتطلب مقاربة موسوعية تمزج بين تاريخ المهنة والخصوصية الفنية لكل كاتب ومدى تأثيره على الممارسة. أود في هذا الإطار تقديم وجهة نظر حول هذا الموضوع: يجب في البداية أن نمنح مكانة اعتبارية خاصة للكتاب المسرحيين الذين اختاروا مهنة الكتابة بمفهومها المتفرد والمتخصص وأستحضر هنا بعض التجارب مثل تجربة الطيب لعلج، محمد قاوتي، عبد الكريم برشيد، يوسف فاضل والزبير بن بوشتى وآخرين... هذا الاختيار يستحق مقاربة خاصة لأنه يسمح بفهم شرطية الكتابة المسرحية بالمغرب في بعدها الدراماتورجي المحض. لا أخفي أن هذا التقليد أو الصفة هو الاختيار الأقرب لتصوري لمهنة الكتابة الدرامية بشكل عام رغم أن لدي رؤيتي الذاتية وميولا لأسلوب معين أكثر من أسلوب آخر. كما أعتقد أن مهنة الكاتب المسرحي بالمغرب يجب أن تأخذ مكانة وإطارا أكثر مهنية على مستوى علاقة هذا الأخير مع جميع الأطراف المشاركة في العملية الإبداعية بداية بدور النشر ومرورا بالمخرجين والمؤسسات المسرحية وكذلك الجمهور لكي يتحدد مجال وأفق اشتغاله. هناك أيضا جانب أساسي مرتبط بالمهنة وهو التكوين بأشكاله وصيغه المختلفة، مهنة الكتابة لم تعد فقط رغبة وموهبة ذاتية بل أيضا وأساسا معرفة وتكوين يرتكزان على التحصيل والتجربة والصقل والممارسة... ويبقى خلق فضاءات أكاديمية وحرفية خاصة بهذه الممارسة المسرحية مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى في إطار الفضاء الجامعي الأكاديمي أو المؤسسات المسرحية... هذا الموضوع سيقودنا حتما إلى طرح إشكالية كبرى يعاني منها المسرح المغربي على عكس كل مسارح العالم. ويتعلق الأمر بأفول نجم نقاد المسرح وفي المقابل صعود سهم البحث الجامعي والدراسة الأكاديمية.. كنا، في خضم الحرارة السياسية والثقافية التي عاشها المغرب إبان فترة السبعينات إلى غاية أواسط الثمانينات، (كنا) نقرأ مقالات نقدية تواكب الإنتاج المسرحي الوطني وعروض المهرجانات الوطنية بالملاحظة والتحليل وتصل أحيانا إلى حد السجال، فما أكثر ما كنا ننتظر ماذا سيقول مثلا في هذه المسرحية أو تلك، نقاد أمثال إدريس الخوري، وحسن المنيعي، ومحمد دراعو، واكويندي سالم، وعلي الهواري، وعبد الجبار السحيمي، ومحمد بهجاجي، ومحمد أديب السلاوي، ومحمد لشهب، وغيرهم من الذين يطلون علينا بانتظام بمقالات وازنة في بعض الصحف الوطنية والملاحق والمجلات الثقافية.. بينما اليوم أكاد أقول إن هؤلاء أو معظمهم انسحبوا وتركوا الساحة النقدية فارغة اللهم ما يصدر بين الفينة والأخرى من كتب ودراسات لباحثين وأعلام جامعيين أغنوا الثقافة المسرحية ببحوثهم وأطاريحهم واجتهاداتهم.. فإلام يمكن أن نعزو هذا العزوف النقدي، خصوصا وأن الساحة المسرحية تعيش، اليوم أكثر من الأمس، على الأقل على مستوى الكم، دينامية إنتاجية وإبداعية في كل ربوع البلاد، وباللغات العربية والدارجة والأمازيغية والحسانية بل وحتى باللغة الفرنسية.. ماذا وقع؟ ربما قد لا نتفق على نفس التسمية، في رأيي النقاد يدخلون في صنف الباحثين الأكاديميين أيضا، أفضل الكلام عن الإعلاميين المتخصصين والذين يتابعون الإنتاج المسرحي ويقومون بتغطية هذا الإنتاج. هذا التصنيف ليس فيه أفضلية بل هي مسألة تخصص وعلاقة مهنية ولكل واحد دوره ووظيفته الخاصة حسب المنبر الأكاديمي أو الإعلامي... بالفعل في الماضي كان هناك تواجد لأقلام إعلامية متميزة غير أكاديمية ساهمت بشكل فعال وملموس في تقريب الممارسة المسرحية من القراء والمهتمين وساعدوا أيضا في التفكير في وضعية المهنة. شخصيا ليس لدي تفسير مقنع لهذا العزوف الذي نعيشه اليوم. ربما هناك تشابك عناصر متعددة ترتبط بميادين مختلفة وعلى رأسها الإعلام ومفهوم التخصص المهني. هناك بعض المنابر الإعلامية تخصص صفحة أو صفحتين للثقافة والفن ولكن المقالات المقدمة على العموم تبقى إخبارية وقليلون هم الإعلاميون الذين لهم دراية ومعرفة دقيقة بمهنة المسرح (مع بعض الاستثنائات بطبيعة الحال)... وبالإضافة لمسألة التخصص، هناك أيضا مشكل غياب الموضوعية في المقالات المنشورة وهذه ظاهرة جد سلبية ولا تسمح بخلق علاقة ثقة مع الجمهور الذي نحفزه ونشجعه من خلال إبداء الرأي على مشاهدة هذا العرض أكثر من ذاك... الإعلام والنقد المسرحي مرتبطان أيضا بعملية التوثيق وتوفر المادة المسرحية، وهذا من مسؤولية المؤسسات والفرق المسرحية... أنتقل بك الآن إلى موضوع المهرجانات المسرحية ببلادنا، وإن كانت، في الواقع، قليلة جدا بالمقارنة مع توافر وتنامي الإنتاج المسرحي الوطني، وبالمقارنة أيضا ببعض الدول التي تشبهنا... المهم أن ثمة مهرجانات تنعقد هنا وهناك ولعل أهمها مهرجان مكناس الوطني الذي تنظمه وزارة الثقافة والذي يتوج الموسم المسرحي ويقدم مبدئيا أجود عروضه.. إلا أن هذا المهرجان، على أهميته، لم يسلم من نقد المسرحيين والمهنيين، سواء من حيث التصور الذي يحكمه، أو من حيث تأثيره الثقافي والإشعاعي، أو من حيث التنظيم والإدارة والتواصل.. اعتبارا لكل ذلك، ما هو تقييمكم الشخصي لتجربة المهرجانات المسرحية ببلادنا، وما هي اقتراحاتكم للنهوض بها وخصوصا مهرجان مكناس الوطني الذي راكم تجربة لأزيد من عقد من الزمن؟ في البداية لابد من تسجيل ملاحظة عامة حول موضوع المهرجانات المسرحية بالمغرب وعلاقة هذه الظاهرة بالمهنة، وهي أن هناك مفارقة مزعجة نوعا ما وتتجلى في تواجد عدد لا بأس به من اللقاءات أو المهرجانات أو الأيام التي تحتوي برمجتها على أغلبية عروض الموسم، بينما يبقى الترويج الاعتيادي والطبيعي لذات العروض المسرحية جد ضئيل. إذ من النادر جدا أن تتم في قاعاتنا المسرحية برمجة عرض العمل المسرحي الواحد لمدة أسبوع أو أكثر في نفس القاعة وبشكل مسترسل وبحضور جمهور ولم لا أيضا الرهان على الشباك. من هذه الزاوية يمكن قياس مستوى الاحترافية بالإضافة طبعا لمعايير أخرى ربما ليس المجال متاحا للتطرق لها الآن... على العموم أظن أن تواجد مهرجانات متعددة بالمغرب شيء إيجابي ولكن لابد من تأطيرها مهنيا بشكل أكبر وأن تندرج في إطار شبكة متكاملة وبأهداف جهوية ووطنية واضحة المعالم على المستوى الإبداعي والفكري والاقتصادي... فيما يخص المهرجان الوطني بمكناس فلا أخفيك الصديق الحسين أنه يشكل بالنسبة لي لغزا محيرا والتفكير فيه يصيبني بالحزن والقرف إذ أصبحت هذه التظاهرة السنوية مرآة تختزل جميع الإخفاقات الممكنة من لحظة الافتتاح إلى لحظة الاختتام. لقد طرحت في سؤالك كل جوانب هذا الإخفاق ولا أريد أن أدخل في التفاصيل وبتعبير جامع يمكن القول إن غياب تصور واضح على المستوى الفني والمهني والفكري وغياب أيضا مؤهلات بشرية ولوجستيكية لتجسيد هذا التصور لا يمكن أن تؤدي إلا لهذا الإخفاق المحزن والمتكرر... الحلم الممكن هو أن يكون لنا مهرجان مسرحي وطني ودولي تحتضنه العاصمة وبمواصفات ومعايير دولية يسمح لنا بالرقي بالممارسة المسرحية إلى مستوى طموحات المسرحيين المغاربة لنتجاوز هذا القرف والحزن ويصبح موعد المهرجان موعدا للاكتشاف والمتعة والافتخار... هذا يقودنا إلى طرح بعض الاستفسارات المتعلقة بعدم مشاركة فرقة مسرح أنفاس التي اشتغلت على مسرحيتكم «دموع بالكحول» في فعاليات الدورة السادسة لمهرجان المسرح العربي المتنقل التي التأمت في يناير الماضي بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان من المتوقع، حسب لجنة ما تكونت لانتقاء عرض من العروض المغربية المقدمة بمهرجان مكناس، أن تشاركوا بمسرحيتكم «دموع بالكحول»، وكان يبدو للجميع من الناحية المنطقية أن العرض المسرحي المؤهل لتمثيل المغرب بالشارقة هو العرض الذي حصد عدة جوائز وعلى رأسها الجائزة الكبرى، ولم يكن هذا العرض سوى مسرحيتكم «دموع بالكحول» التي أنجزتها فرقة مسرح أنفاس، وحظيت بثقة وإعجاب لجنة التحكيم والجمهور والمتتبعين على حد سواء.. فما الذي جرى حتى انقلبت الأمور وحرم المغرب من المشاركة؟ فعلا، ماذا جرى وماذا حدث وماذا وقع؟ بصراحة لست أدري، وهذا هو المشكل بالأساس. أعتقد أن غياب الوضوح وروح المسؤولية وغياب أيضا مرجعية فكرية وقانونية تحدد سلوك واختيارات هذه الهيئة هو المشكل. المسألة ليست مرتبطة بعدم برمجة مسرحية «دموع بالكحول» بالذات التي قدمتها فرقة أنفاس وكتبت شخصيا نصها وفازت بخمس جوائز من بينها الجائزة الكبرى، وليست مرتبطة ببعدها القطري وعدم حضور المسرح المغربي فوق الخشبة بالشارقة. المسألة هي مسألة مبدأ ويمكن طرح نفس التساؤل أيضا إذا كان الحال يخص بلدا عربيا آخر أو مسرحية أخرى. فرقة أنفاس لها وعي كبير بطبيعة المهنة ونسبية تفضيل عرض عن آخر في عملية التقييم والاختيار، لذا فضلنا الصمت حتى مشاهدة العروض المبرمجة والتعرف على قيمتها الفنية. وبالفعل تأكد الخلل والارتباك وعدم الوضوح من خلال نوعية البرمجة من طرف الأصدقاء المغاربة وغير المغاربة الذين شاهدوا مسرحية «دموع بالكحول» والذين حضروا أيضا لمهرجان الشارقة وشاهدوا جميع العروض المبرمجة في المسابقة وخارج المسابقة. ماذا جرى...؟ لست أدري، من خلال لقاء مع الصديق الحسن النفالي اطلعنا أيضا على المراسلة التي تمت بينه وبين السيد غنام غنام حول هذا الموضوع وكانت تبريرات السيد غنام أقرب إلى الإنشاء القانوني المغلف بعموميات ومجاملات وكان جوابه فارغا من كل معلومات ملموسة عن طبيعة اللجنة والمعايير المختارة والمرجعية القانونية والفنية... فإذا كان منطق التوازنات والعلاقات والاعتبارات الغير فنية هي المعيار والمرجعية، فيجب الجهر بذلك، وهكذا يمكن أن نجيب على السؤال المعلق ماذا جرى؟ لقد شاهدت العرض التونسي الذي فاز بالجائزة وفي رأيي يستحق هذه الجائزة بكل موضوعية - على الأقل بالنسبة للعروض المنتقاة من أجل المسابقة - ... ولكن بعض العروض الأخرى المبرمجة تطرح مشكلا موضوعيا وحقيقيا... فماذا جرى..؟ لست أدري... كيف تنظرون لمسألة اختيار المغرب لاحتضان الدورة السابعة لهذا المهرجان العربي في السنة المقبلة بالرغم من حرمانه من المشاركة في الدورة السابقة؟ أليس ثمة تناقض ما أو لبس ما؟ ثم كيف تتوقعون تنظيم هذه التظاهرة الكبرى الذي سيتم لا محالة بتنسيق بين الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة المغربية، وما هو تصوركم لمهرجان مسرحي من هذا الحجم سواء من حيث برمجة عروضه وفرجاته، أو من حيث أشغاله الثقافية والفكرية، أو المدينة والبنيات التي ستستقبله؟ أنا لا أعرف شخصيا الملابسات والحيثيات التي دفعت وحفزت الهيئة العربية لاختيار المغرب لاحتضان الدورة المقبلة رغم عدم وضوح التصور العام والتذبذب في القرارات لدى المشرفين على إدارة هذه التظاهرة التي تطمح أن تكون جامعة وليست مفرقة... هل هناك تناقض كما قلتم ربما... لست أدري؟ ولكن الأكيد أن هناك لبسا وضبابية تتطلب توضيح من أجل مصداقية هذه المؤسسة ونزاهة الخطاب المصاحب. الهيئة العربية للمسرح تقوم بمجهود لا يمكن نكرانه على مستوى تشجيع البحث والنشر وعقد ندوات علمية ومهنية وكذلك تنظيم لقاءات مسرحية، ولكن ربما يجب إعادة النظر في الهيكلة والتمثيلية لكي لا تبقى صورية، كما يجب ضبط طريقة التدبير لكي لا تصيبها التقلبات الارتجالية. أما بخصوص تنظيم هذه التظاهرة بالمغرب فستكون، من دون شك، فرصة للجمهور المغربي لاكتشاف عروض وتجارب مسرحية عربية جيدة وفرصة أيضا لتلاقي مبدعين ومسرحيين من مختلف الأقطار العربية لاقتسام تجاربهم الفنية؛ وأتمنى صادقا أن تكون هذه الدورة في مستوى انتظارات وتطلعات المسرحين المغاربة والجمهور المهتم... وفي ما يخص مشاركة وزارة الثقافة المغربية أو تعاونها، كنت أتمنى أن تكون هي المبادر الأول لتأسيس مهرجان مسرحي دولي حقيقي بكل المعايير يكون جسرا للاكتشاف واللقاء مع مسارح العالم ليس فقط المسرح العربي، ولكن على ما يبدو هذا المشروع هو فوق طاقة وإمكانيات وزارتنا... وعلى ما يبدو حتى الندوات واللقاءات التي تعقد على هامش المهرجان الوطني تنظم باقتراح وتعاون مع الهيئة أو أطراف أخرى.. حقيقة لا أفهم.. ربما يصادف انعقاد الدورة المقبلة بالمغرب عرض مسرحية «دموع بالكحول» وتكون فرصة للمسرحيين العرب الحاضرين لمشاهدة هذا العرض وتكوين فكرة موضوعية حول ماهية السؤال الذي بقي معلقا إلى الآن.... أنتم تعرفون أن نظام الدعم العمومي للمسرح المغربي عرف نوعا من التقنين والضبط بعدما كان مجرد «إكراميات» توزع بنوع من الزبونية لفئة قليلة من المسرحيين، اليوم أصبح الدعم ملزما للدولة بمقتضى مرسوم ووفق قرار مشترك بين وزيري الثقافة والمالية، وتحقق ذلك بفضل علاقة شراكة حقيقية بين النقابة المغربية لمحترفي المسرح ووزارة الثقافة منذ صعود حكومة التناوب.. وبفعل هذه الشراكة أيضا خضع قانون الدعم إلى تعديلات وتطوير بناء على رصد وتقييم للتجربة، وهي تجربة يتفق الجميع على كونها غنية وأثرت بشكل إيجابي على الدينامية العامة للحركة المسرحية المغربية سواء من الناحية الفنية الإبداعية أو من الناحية المهنية والتنظيمية، إلا أنه مع كل موسم مسرحي ترتفع بعض الأصوات لانتقاد مسالك ومساطر الدعم وللمطالبة بالمزيد من تكافؤ الفرص وفسح الولوجية للتنافسية بين الفرق والتجارب، وإعمال الشفافية في التقييم والمحاسبة... وخلال هذه السنة طرحت وزارة الثقافة تصورا جديدا لنظام الدعم لم يحظ بقبول الجميع الشيء الذي قد يعطل الموسم المسرحي الجديد.. ما هو تعليقكم؟ لقد اطلعت على هذا المشروع مؤخرا، وأعتقد أنه يحمل رؤية متقدمة نسبيا رغم بعض الغموض الذي يشوب آليات التطبيق والمتابعة. هناك عدة مشاريع تكون جميلة فوق الورق وتتحول إلى ورطة أو كابوس، وأقرب مثال هو الوضعية القاتمة التي تعيشها بعض الفرق في انتظار صرف مستحقاتها المالية بعد تقديمها العروض المتفق عليها. هذا مشكل ملموس ويصبح عائقا حقيقيا أمام أي تصور أو أفكار جيدة ومثمرة لصالح الممارسة المسرحية. لقد اشتغلت شخصيا لمدة ثلاثة سنوات كعضو في لجنة الدعم وشاركت في عدة ندوات ولقاءات خاصة بهذه المسألة وتم اقتراح عدة أفكار مهمة خصوصا من طرف النقابة المغربية لمحترفي المسرح.. ولكن مع الأسف يتم دائما بتر جزء منها أو إفراغها من محتواها الأساسي أو عدم تحصينها بآليات قانونية دقيقة. على أي أتمنى أن يتم الاتفاق بسرعة على مشروع متكامل يجيب على انتظارات المرحلة وليس انتظارات الأشخاص... للمساهمة في هذا النقاش، أعتقد أن هناك عدة مخارج للتعامل مع الوضعية الحالية وبداية يجب تجاوز فكرة أن الدعم المركزي هو الدعم الوحيد الممكن. من بين المخارج المكملة يمكن اقتراح بعض الأفكار: منها أولا التفكير بجدية في خلق وإعادة هيكلة بعض المؤسسات المسرحية وتزويدها بالآليات القانونية والإمكانيات المادية لتصبح فعلا مؤسسات للإنتاج والإبداع والترويج وأن يتم تعيين إدارة تتوفر على مشروع وكفاءة انطلاقا من دفتر تحملات واضح مع مراقبة صارمة. ثانيا التفكير في إعادة الحياة لمشروع الفرق الجهوية بتصور جديد أكثر مهنية على مستوى التدبير والإبداع مع تداولية مقننة في المسؤوليات. ثالثا التفكير في صيغة عملية لمشكلة الترويج وعلاقة المنتوج المسرحي بالجمهور مع التأكيد على أن المسؤولية الأولى في هذا الباب تعود لإدارة المسارح أكثر من الفرقة صاحبة العرض... أقول هذه الاقتراحات بدون حماس كبير وأتمنى أن أكون مخطئا في إحساسي... لا يخفى عليكم أن الفرق المسرحية المحترفة انتظمت في إطار فدرالي للدفاع عن مصالحها ولتطوير علاقتها فيما بينها من جهة ومع الدولة من جهة أخرى، وأصبحت هذه المنظمة الفدرالية اليوم رقما مهما في المعادلة بفضل ما راكمته بسرعة من أدبيات ومطالب وتصورات.. إلا أن ما يؤرق الجسد المسرحي الاحترافي اليوم على مستوى التنظيم هو ما يمكن أن نسميه «الهيكل المسرحي المعتمد»، بمعنى ما هي حدود مفهوم الاحترافية حين تلتصق بالفرقة أو المؤسسة وليست بالضرورة ملتصقة بالفنان الفرد؟ وهل يمكن للدولة أن تحدد معايير قانونية وأخلاقية لاعتماد الفرقة المحترفة؟ ثم ما هي المعايير التي ينبغي اعتمادها لتصبح الفرقة محترفة؟ ما هي الحدود الفاصلة بين العمل الجمعوي والعمل المقاولاتي حين يتعلق الأمر بالإنتاج وصرف المال؟ وما علاقة كل ذلك بالقوانين الجاري بها العمل ولاسيما قانون الحريات العامة وقانون الشغل والقانون التجاري وقانون الفنان؟ لا شك أن الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة واعية ومنشغلة بهذه الأسئلة، لكنها وحدها لا تستطيع الحسم في مثل هذه القضايا المفاهيمية من دون مشاركة ودعم الدولة واستعدادها لفتح ورش تشريعي يستجيب لهذه المتطلبات.. ما هو تصوركم واقتراحاتكم لتنمية قطاع المسرح الاحترافي ببلادنا بناء على فرق محترفة وممأسسة وفق قوانين مضبوطة وواضحة ووفق قواعد مهنية؟ أعتقد أن في ثنايا هذا السؤال عدة عناصر للإجابة... سؤال الاحترافية المسرحية بالمغرب سؤال معقد وتتداخل فيه عدة مستويات اجتماعية، مهنية وقانونية وأيضا ذاتية، ولكن الإطار الذي يجب الاشتغال عليه والتفكير من داخله، في رأيي، هو الإطار القانوني والمهني. يجب تملك الشجاعة الكافية لدى المسؤولين عن القطاع والمشرعين لسن قوانين ومعايير صارمة لتحديد صفة المشروع المسرحي المحترف - و ليس الفنان أو الفرقة - وكل مشروع له رغبة للوصول لهذه الصفة يجب أن تتوفر فيه الشروط الفنية والتقنية لذلك... بداية الطريق تتم بهذا الشكل رغم أن هذه العملية ربما لن تلائم البعض ولكن ليس هناك اختيار وإلا سنظل نراوح مكاننا وننتظر إلى الأزل إعادة تأهيل الفرق وإعادة طرح واجترار طرح السؤال: من هو الفنان المحترف والفنان الهاوي..؟ أنا لست مع تعدد الإطارات النقابية أو غير النقابية بالخصوص عندما تكون وليدة ظرفية معينة أو جاءت فقط كرد فعل على واقع أو واقعة ما، أعتقد - وربما أكون خاطئا - أنه يجب التفكير في إعادة تشكيل النقابة الحالية على شكل نقابة مسرحية فدرالية عامة وجامعة لها دور تنظيمي وقانوني وداخلها تنشط تجمعات مهنية (كتاب، مخرجون، ممثلون، تقنيون...) وبهذا الشكل سيكون لها وزن ومكانة وفي نفس الوقت ستكون هذه الهيئة الفدرالية الجامعة قادرة على تمثل ومراعاة التخصص المهني والمشاكل المرتبطة بكل تخصص... أما بخصوص الفرق كإطار منتج للعروض، فربما الفدرالية الجديدة يمكن أن تركز في مجال اشتغالها على قضايا الإنتاج وعلاقته بعملية الترويج. وفي هذا الباب، لدي شخصيا اقتراح يخص المجال الجهوي، إذ أظن أنه من المجدي خلق تجمعات فرق مسرحية - collectif - مرتبطة بمدينة معينة ويقوم هذا التجمع بعمل أساسي مرتبط بصلب العملية المسرحية وهو البحث عن فضاءات الاشتغال للإنتاج والإبداع والترويج... سؤال أخير حول انشغالاتكم الراهنة ومشاريعكم المقبلة.... هناك عدة مشاريع وأفكار فوق الطاولة.. أولا لابد من البحث والعمل على ترويج مسرحيتي «دموع بالكحول» و»العساس».. بخصوص «دموع بالكحول» لا زلنا ننتظر ماذا ستفعل وزارة الثقافة بهذا العمل الذي حصل على عدة جوائز ولم تتم مشاهدته من طرف جمهور واسع وبرمجته تمت فقط في مدن جد محدودة... بالنسبة لمسرحية «العساس» والذي عانينا فيها من عجز مالي جد مرهق، هناك وعد بجولة وطنية بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس... أما فيما يخص المشاريع الحالية أو المقبلة، هناك نص مسرحي شبه مكتمل تحت عنوان «سفر» وهو على شكل كوميديا غنائية حول موضوع الهجرة ويتطلب كلفة إنتاج مرتفعة، كما أشتغل حاليا على نص مونودراما باللغة الفرنسية... بالإضافة لهذا شاركت مؤخرا في كتابة حلقات من مسلسل تاريخي «دار الضمانة» في إطار مشروع تلفزي للصديق زكريا لحلو سيقدم ربما في رمضان المقبل. كما نشتغل حاليا أيضا في فرقة أنفاس مع أسماء الهوري ورشيد البرومي على مشروع مسرحي بشراكة مع فرقة سويدية... هناك أيضا فكرة كتابة نص على شاكلة «العساس» بنفس وأسلوب أكثر جرأة للممثل سعيد أيت باجا... وعلى مستوى الترجمة، ستصدر قريبا ترجمة مسرحية «العودة إلى الصحراء» للكاتب الفرنسي برنار ماري كولتيس وأيضا مسرحية «الشخصية» للكاتبة الفرنسية أندري شديد... وفي الأخير شكرا لك الصديق الحسين الشعبي على الاستضافة على صفحات جريدة بيان اليوم التي تعتبر من المنابر الجدية القليلة القلائل التي تهتم بالمسرح والمسرحيين المغاربة..