ثمة تعاطيان مع حدث موت زعيم الحركة الإنفصالية في تندوف يكشفان حجم التباعد الأخلاقي بين تمثل المغاربة للموت كحالة إنسانية ترتفع فوق الخصومات، وبين التوظيف السياسوي للموت من طرف قيادة البوليساريو التي تحاول استغلال مثل هذه اللحظة الإنسانية في استفزاز جديد للشعور الوطني المغربي. في مدينة قصبة تادلة تقاطر المعزون المغاربة على بيت والد محمد عبد العزيز لتقديم العزاء للعائلة، فرغم أنه عدو للوحدة الترابية للبلد بعد أن اختار الولاء لمشاريع النظام الجزائري على حساب الولاء لوطنه، إلا أنه يبقى ، بالنسبة لأولئك المعزين، مواطنا مغربيا. ومهما كانت اختلافات الأسرة معه حول اختياراته السياسية، إلا أنها، تشعر بألام الموت ولوعة فراق دنيوي تحول إلى فراق أبدي لم يعد معه هناك من أمل في أن يتراجع عن تمرده ويعود لأحضان عائلته. لكن، وعلى العكس تماما من هذا التمثل المغربي النبيل للموت وما يتبعه من مشاعر ألم، كانت هناك مقاربة ابتزازية واستفزازية لنفس اللحظة في مخيمات تندوف ومراكز القرار الجزائري، وحسب ما أعلن عنه مسؤولو البوليساريو فقد تقرر أن يتم دفن جثة محمد عبد العزيز في منطقة «بئر الحلو» التي تعتبر في قرارات الأممالمتحدة منطقة عازلة، بينما تريد البوليساريو جعلها منطقة «محررة». ماذا يعني ذلك؟ الجواب الأول أخلاقي، وهو يحيل على أن البوليساريو لا تتوفر فيها أدنى مستويات التقديس الأخلاقي للموت، وبدلا من أن تكون لحظة إنسانية تأخذ حجمها العادي، هاهم سيحولونها إلى توثر جديد مع المغرب، وبدلا من مشاعر التعاطف الإنساني مع عائلة الراحل، سيتحول كل شيء إلى ضغائن جديدة، ففي نهاية المطاف سيكون محمد عبد العزيز بمثابة ذلك الشخص الذي أزعجنا بحياته ويزعجنا حتى بموته. وفي الجواب الوطني، لا يمكن للمغرب أن يقبل بأن يتم تحويل المناطق العازلة إلى متاطق «محررة»، لقد كان الهدف من تحييد هذه الأراضي هو المساعدة على وقف إطلاق النار، وتعبيرا عن حسن نية المغرب في رعاية الأمن والسلم الإقليميين، وكان أيضا رسالة أوضح إلى أننا اخترنا المسار السياسي للتسوية، أما أن يأتي اليوم من يريد تحويل كل حسن النوايا الذي عبرنا عنه إلى انتكاسة لنا في سيادتنا الوطنية، فهو ما لا يمكن أن نتساهل معه، ولو كان التوقيت وقت دفن وعزاء. وها قد تحقق ما كنا قد نبهنا إليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لقد قلنا يوم فقد اتزانه و حياده في ملف نزاع الصحراء أن زيارته للمنطقة العازلة وفي ضيافة البوليساريو والجزائر هو مباركة مسؤول أممي لأطروحة «الأراضي المحررة»، وزدنا على ذلك أن ما أقدم عليه لن يزيد الوضع إلا تعقيدا في ظل إصرار القيادة الإنفصالية على التوظيف الأقصى لأخطاء أسوأ أمين عام أممي، وتحويلها إلى مكاسب ديبلوماسية وما هي الواقع إلا خروج عن الشرعية الدولية. ومن الواضح الآن أن مسؤولية تدبير هذا الانزلاق والتوثر الجديد تقع على عاتق بعثة المينورسو وبان كي مون، إنهما المعنيان الوحيدان بالضغط على البوليساريو لاستبعاد دفن محمد عبد العزيز في منطقة «بئر لحلو»، وهما المسؤولان معا عن حماية المناطق العازلة من أي توظيف سياسوي في نزاع الصحراء. أما إن اختارا حماية مراسيم الدفن والترخيص لجعل المنطقة مزارا إنفصاليا، فإنهما يضعان بذلك كل علاقة المغرب بالبعثة الأممية في موقع سؤال مصيري حول مستقبل تواجدها في الصحراء. ومن حسن حظنا في المغرب أن جاء هذا الخرق الجديد في نفس توقيت المفاوضات التي نجريها مع الأمين العام بتوجيه من مجلس الأمن بخصوص عودة المكونين المدني والسياسي من بعثة المينورسو الذين استبعدهما المغرب بعد انزلاقات بان كي مون في تندوف والصحراء. فإما أن تعبر الأمم المنتحدة عن حسن نيتها قبل موعد يوليوز المقبل بمنع تحويل «بئر الحلو» إلى عاصمة رمزية للإنفصالين، وإلا فإن المغاربة سيكون لهم كامل الحق في رفض أي تفاوض حول شروط العودة، مادام أن الأمر يتعلق ببعثة صارت تشتغل ضد المصالح العليا للبلد وليس من أجل الأمن والسلم في المنطقة. ولنقلها مرة أخر بوضوح أكبر: يمكن لمحمد عبد العزيز أن يدفن في تندوف، وللقيادة الإنفصالية أن تختار دفنه في الجزائر، ولا مانع لدينا في أن يدفن في المغرب بناء على طلب عائلته، لكن دفنه في المنطقة العازلة سيجعلنا نعتبره عدوانا يستدعي منا تحرير «بئر الحلو» من مشروع الاحتلال الجزائري الجديد.