بمناسبة الزيارة الملكية إلى الصين توجه الموقع بأسئلة إلى الدكتور مصطفى الرزرازي رئيس الجمعية المغربية للدراسات الآسيوية ومدير المركز الإفريقي للدراسات الآسيوية، حول مغازي الزيارة ومراميها وأبعادها الاستراتيجية. لنتابع… * كيف تقييمون العلاقات المغربية الأسيوية في وضعها الحالي؟ ** تعيش العلاقات المغربية الصينية اليوم تطورا نوعيا سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. فإذا ما نظرنا إلى هذه العلاقات على امتداد العقود الثلاثة الماضية، يمكننا تحديدها في أربعة مراحل: مرحلة ما قبل سقوط سور برلين ونهاية الحرب الباردة، حيث كانت العلاقات المغربية تتسم بتبادل اقتصادي تقليدي يعتمد على ثنائية التصدير والاستيراد، تؤطره دبلوماسية الاحترام المتبادل، لكن دون مبادرات خاصة على اعتبار العامل الإيديولوجي، وتباين العقيدة السياسية للبلدين، التي كانت تحول دون تجاوز عتبة العلاقات التقليدية. لكن مع ذلك ظلت العلاقات رغم محدوديتها إيجابية وجيدة بالنظر إلى تقاطع نظرة البلدين المغرب والصين حول طريقة تدبير مفهوم الوحدة الوطنية واحترام سيادة الدول على التقائهما في ضرورة حل الخلافات الإقليمية أو البينية عبر السبل السلمية والسياسية. ثم تأتي مرحلة ثانية تميزت بتوقيع اتفاقية تجارية شاملة عام 1995، دخلت حيز التنفيذ عام 1999. حيث توجهت العلاقات بين البلدين نحو مراجعة القواعد الجمركية المنظمة لعلاقات التبادل التجاري، حفزتها رغبة البلدين في توسيع حجم الميزان التجاري، وقد أطرت هذه الفترة زيارة العمل التي قام بها رئيس الوزراء المغربي عبد الرحمان اليوسفي ثم زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين للمغرب عام 1999. أما المرحلة الثالثة والتي أسست لها زيارة جلالة الملك محمد السادس إلى الصين عام 2002، ثم توجت بزيارة الرئيس الصيني السابق هوجن تاو، فقد عرفت تحولا نوعيا وكميا في العلاقات المغربية الصينية المغربية. حيث ارتفاع حجم المبادلات التجارية بين البلدين من 4،05 مليار درهم عام 2002 إلى 5,3 مليار درهم . ليتابع النمو وثيرته ليصل عام 2004 حوالي سبعة مليار ثم يتجاوز النمو عتبة 30 في المائة عام 2005 ليصل عشرة مليار درهم. ما ميز هذه الفترة هو استمرار العجز التجاري في الميزان التجاري المغربي الصيني، لكن بالمقابل ارتفاع حجم الصادرت المغربية نحو الصين، ثم تميزت هذه الفترة بدخول المغرب مرحلة تنويع مبادلاته التجارية مع الصين، مع وجود إرادة في توسيع إطار العلاقات من شقها الثاني إلى شراكات موسعة خاصة في السوق الإفريقية، وهو ما عكسته مجمل الاتفاقيات التي وقعتها البنوك المغربية مع البنك المركزي الصيني أو إكسيم بانك الصيني. خلال المرحلة الرابعة التي تلت هذه الفترة، عرفت العلاقات المغربية الصينية ديناميكية من أهم مؤشراتها، تنامي إرادة هيكلة الإطار القانوني المنظم للعلاقات المغربية الصينية، وتوسيع سبل التعاون ليس فقط داخل الإطار الاقتصادي الثنائي لتشمل التنسيق داخل مختلف المنتديات والمنظمات الإقليمية والأممية، علاوة على انخراط فعال للمغرب في منظومة التعاون داخل المنتدى الافريقي الصيني وكذا المنتدى الاقتصادي العربي الصيني. وتميزت الفترة هذه أيضا بدخول الشركات الصينية في شركات فاعلة سواء في قطاع البنيات التحتية أو قطاع الطاقة أو المعادن، كما تشير إلى ذلك مجمل الاتفاقيات التي وقعها المكتب لشريف للفوسفاط مع شركة سينوشين أو المكتب الوطني للهيدروكابونات والمعادن مع المجموعة الوطنية الصينية للتنقيب عن البترول. لكن تبقى كل هذه المجهودات دون التوقعات، لأن إمكانيات التعاون في مجالات أخرى مثل السياحة، وقطاع الخدمات، و صناعة السيارات، ثم تأسيس لشراكات تصنيع لم تصل بعد إلى حجمها المرجو. * ماذا تحمل في رأيك من معاني استراتيجية ؟ ** أعتقد أن رؤية جلالة الملك في إعادة هيكلة علاقات وشراكات المغرب وتنويعها، تؤشر عليها كل هذه الزيارات. فقد ضخ جلالة الملك نفسا جديدا وحيويا في الأداء الدبلوماسي المغربي، من خلال تحرير السياسة الخارجية المغربية من منظومة العلاقات التقليدية أو البينية. في قراءة متأنية لخطاب جلالة الملك خلال القمة الأخيرة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي بجوهانسبورغ العام الماضي، نجد جلالته يضع خارطة طريق لعلاقات المغرب مع الصين قوامها التعاون جنوب-جنوب، العلاقات التجارية المبنية على مبدأ الربح المتبادل "رابح-رابح" ، ثم البحث عن فرص استشرافية جديدة للتعاون الثلاثي بين المغرب والصين وشركائه الأفارقة، سواء في الشق المتعلق بالمشاريع التنموية، أو في إطار العقيدة الجديدة للصين المبنية على منظومة طريق الحرير البحري الجديدة، والتي يتبوأ فيها المغرب موقعا مركزيا سواء من حيث هو رابط قاري ( إفريقيا- شرق أوسط-أوروبا)، أو من حيث هو مدخل أساسي على الواجهة الأفرو-أطلسية. طبعا إذا ما عدنا إلى خطاب جلالة الملك خلال القمة المغربية الخليجية بالرياض، نفهم تحديدا أن المقاربة المغربية في تنويع شركائه ليست منحصرة في الشق الاقتصادي، بل هي استراتيجية شاملة وتتناسب مع حاجة المغرب تجديد أدوات التعاطي مع التغيرات العالمية في شقها الاقتصادي والسياسي والأمني. * ماهي المشاريع التي قد تراهن الزيارة الملكية إعطاءها دفعة جديدة تعود بالنفع على الاقتصاد المغربي؟ ** في الواقع، الزيارة الملكية هي في حد ذاتها مكسب للمغرب، على اعتبار أنها ستؤطر للمرحلة القادمة من الأداء المغربي الصيني، في بناء شركات جديدة، وتفعيل أخرى، والرفع من عتبة التعاون الشامل سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي أو الإنساني. هناك بكل تأكيد إنجازات كثيرة تحققت خلال السنوات الخمس الأخيرة، تحتاج اليوم إلى تأطير جديد. فقد استقر بالمغرب بنك الصين المركزي بالمدينة المالية بالدار البيضاء، وربما ستكون الزيارة الملكية فرصة لترسيم عقود المقايضة المالية (Swap) التي ستسمح للشركات الصينية والمغربية بالدفع بالعملات المحلية من خلال هو تنازل كل طرف للآخر عن سلسلة من التدفقات النقدية في مقابل سلسلة تدفقات نقدية أخرى، سواء كانت على شكل سندات مالية مملوكة من قبل الأطراف المتعاقدة أو مشتقات مالية أخرى. وهي جد مفيدة في تعزيز مجموع الشركات التي وقعتها البنوك المغربية مع البنوك الصينية لتسهيل التعاملات المالية داخل السوق الإفريقية ككل. يتوقع أيضا أن تكون للزيارة الملكية للصين أثر كبير في جلب مزيد من الاستثمارات الصينية في قطاعات حيوية وجديدة خاصة في قطاع التصنيع والطاقة البديلة. وعموما، ستكون الزيارة الملكية للصين محطة مركزية لعهد جديد من علاقات التعاون الاستراتيجي بين المغرب والصين س. هل يمكن أن تؤثر هذه العلاقة على الاقتصاد الوطني سلبا، بالنظر إلى طبيعة وجودة المنتجات الصينية المعروضة في السوق الوطني؟ ج. لا أظن أن العلاقات الاقتصادية مع الصين تؤثر سلبيا على السوق المحلية المغربية، خاصة إذا تم تأطيرها بشكل مناسب وسليم، خاصة في الشق المتعلق بالموارد البشرية والعمالة وسوق الشغل. بكل تأكيد، المغرب بصدد بناء خطة تحسين أداء سوق الشغل سواء من خلال تعزيز كفاءات اليد العاملة والأطر التقنية أو الكفاءات العليا، أو من خلال ربط الاستثمار بالقيمة المضافة الاجتماعية المبنية على ضرورة ضخ فرص الشغل في كل مشروع اقتصادي سواء كان استثمارا مباشرا أو غير مباشر. أضف إلى ذلك، أن مفهوم الجودة في المنتجات الصينية ينتظم اليوم بشكل أحسن في ظل توقيع اتفاقيات الرقابة والحماية المستهلك. ولكن وجب القول أن الشائعات التي تروج لها بعض وسائل الإعلام ضد المنتجات الصينية هي في جزء كبير منها تحت تأثير الإعلام الغربي الذي يشن حملة واسعة ضد الوجود الصيني بمنطقة إفريقيا والشرق الأوسط. ولذا وجب الحذر في السقوط في شباك الدعاية الغربية ضد الشريك الصيني.