“الماء ديال المنطقة رجع ملوث، هانتا شوف واش هكذا مياه العيون اللي كنشربوا منها” يقول سعيد وهو يحمل بضع قطرات مياه بين يديه، تكاد تختلف عن لون الماء الذي لا لون له ولا طعم، لكن مياه تلك العين التي يشرب منها غالبية ساكنة الدوار، أصبح لها لون وطعم أيضا. المقالع المنتشرة بمنطقة تاغرمت وضواحي قصر المجاز، أصبحت شبيهة ب «مركب تشيرنوبيل» يعلق أحد شبان المنطقة، وهو يضيف «خاص وكالة الطاقة النووية تزورنا هنايا، راه اللي كيوقع أكثر من اللي كيوقع في المركبات النووية». قد يكون الأمر دعابة او مستملحة بالنسبة لمن لم ير حال المنطقة فعلا، لكنها الحقيقة المرة التي تعيشها تلك المنطقة، حيث الغبار والتلوث بكل أشكاله وصوت المتفجرات الذي لا يتوقف. بيان لجمعيات مختلفة بقصر المجاز، استنكر غياب دور المصالح الوصية على قطاع الماء بالمنطقة، نظرا لما تتعرض له الفرشة المائية من تدمير إثر التفجيرات التي لا تخضع لأية معايير، والتي يقوم بها أصحاب المقالع بجماعة تاغرمت، إذ توقفت جل الينابيع وتم تغيير مجراها، وغدا الحصول على مياه نظيفة هناك أمرا شبه مستحيل. “الماء كنلقاوه مخلط بزيوت المقالع” يقول السبتي رئيس جمعية أبناء الأرض، وهو يحمل بين يديه صورا غير واضحة لما قال عنه إنه زيوت متسربة لمياه جوفية. رغم عدم وضوح الصورة لتبرز ذلك، إلا أن عشرات من الساكنة هناك أكدوا أنهم فعلا يجدون كل ما لا يمكن أن يوجد بعيون الماء، من زيوت محروقة، ورمال وأتربة وغيرها من الملوثات ناهيك عن تدني منسوب مياه العيون بفعل ذلك. الكثيرون طالبوا المصالح المختصة والسلطات المحلية بإعادة حفر الآبار السبعة التي تم طمرها من طرف الشركات المشرفة على تهييء الميناء المتوسطي، خاصة بدوار الحومة، الدالية وواد الرمل، حيث لم يتم حفرهم أو حتى مناقشة إعادتهم لحد الآن، مما يثير غضب الساكنة التي كانت تعتمد عليها في جلب المياه الصالحة للشرب. غبار في كل مكان وبنيات متردية للغاية، تلك حالة منطقة تاغرمت وضواحيها، بفعل المقالع المنتشرة هناك والتي تزيد الوضع سوء، خاصة منها تلك التي لا تخضع للمراقبة والموجودة على مشارف بعض المداشر والمنازل، ويقول الكثير من الساكنة إن هناك بعض أصحاب المقالع المحظوظين يستفيدون من مساحات شاسعة، وفي غياب تام لأي تتبع أو مراقبة من لدن السلطات المعنية، بل إن هناك من لا يؤدي حتى ما يتوجب عليه لا للجماعة ولا للجهات المختصة. ويذكر البعض بمحاولات الجماعة القروية لثلاثاء تاغرمت استخلاص مستحقاتها، إلا أن رئيستها الشابة ومعها بعض المستشارين تعرضوا للإهانة والتضييق خلال زيارتهم لأحد المقالع هناك. حظوظ بعض أصحاب المقالع، ممن يجدون في فمهم ملاعق ذهبية، لا يقف عند حدود منطقة ثلاثاء تاغرمت التي كادت تتحول حسب بعض سكانها إلى «ثلاثاء المقالع العشوائية”، فقد امتدت الاستفادة من هاته المقالع على طول خارطة الجهة وخاصة بمنطقة تطوان والمضيق الفنيدق، حيث غدا بعض أصحاب المقالع مقربين من جهات نافذة في السلطة المحلية، ولهم ارتباطات وطنية أيضا يقومون بما يريدون، بل وتحظى ملفاتهم وطلبات تجديد عقودهم بالأولوية، حتى وإن لم تستجب لكل المعايير المطلوبة، من بينها أحد الأشخاص المعروفين، الملقب ب «المراكشي»، الذي كانت الدنيا قد قامت له ولم تقعد بخصوص مقلعه بمنطقة تمزقت، لكنه مع ذلك استمر في العمل بل واستمر العمل ببعض مقالعه المنتشرة، رغم خروقاتها وتجاوزاتها الدائمة. مقابل ذلك تمارس السلطات المحلية والوصية على القطاع، سياسة “العصا والجزرة” بالنسبة لعدد من المقالع الأخرى، أو بالأحرى ضد مستثمرين آخرين بعضهم جاء من البلدان الأوربية، للاستثمار ببلده مستعملا كل الأساليب والوسائل الحديثة، لكنه مع ذلك لا يجد لا من يصغي إليه ولا من يفتح أمامه أي باب للبحث عن حل، ليجد نفسه بين ملايير خسرها من أجل مشروع لم تكلف السلطات الوصية، نفسها عناء فتح ملفه أو حتى الحوار معه للبحث عن حلول، ولعل ذلك ما جعل بعض الشباب الراغب في الاستثمار في هذا القطاع يتراجع، أمام لوبيات وأخطبوطات قديمة، تريد أن تبقى وحدها مسيطرة. المشكل البيئي للمقالع والتحفظات التي يبديها المجتمع المدني ضد بعضها، يكون في الغالب السلاح الذي تستعمله السلطات المختصة، عندما “تعرقل” بعض الاستثمارات في هذا المجال، في وقت يلاحظ الكثير من المتتبعين، أن نفس السلطات لم يسبق لها أن بادرت لتوقيف أي مقلع احتج عليه السكان، أو كتبت ضده مقالات أو عرائض، بل إنه سلاح لصالحها تستغله متى تريد وحيثما تريد فقط... مصطفى العباسي