فتحت المندوبية الجهوية لوزارة الثقافة بمراكش ومكتب اليونسكو بالمغرب بتنسيق مع الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي نافذة للإضاءة على موضوع: «التهريب والمرور غير المشروع للممتلكات الثقافية» . فعلى امتداد اليومين المنصرمين انكبت نخبة من المكونين الوطنيين على تلقين أبجديات التكوين الأولي لمحاربة كافة أشكال هذا النوع من التهريب لفائدة مًدربين بوزارة الثقافة، وزارة العدل و الحريات، مديرية الأمن الوطني، إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة. وتبرز أهمية الحدث الذي يروم التعريف بمختلف الاتفاقيات الدولية المنظمة للمجال، وكذا الإجراءات القانونية والإدارية المرافقة لها، من خلال ما تعرضت وتتعرض له المعالم الثاريخية والعمرانية للمدينة من سرقات وتعديات. ففي ظل سياسة تلميع الواجهة المعتمدة في تهييء المجال بالمدينة، تبرز جملة من المشاهد السريالية والصادمة التي تعري عن واقع الحال، وتكشف عن عورة الاختلالات والتجاوزات التي ما انفكت تنخر مجمل الإرث الحضاري والثقافي لمدينة حظيت بشرف التصنيف كتراث عالمي من طرف منظمة اليونيسكو. بشاعة المشهد، تبرز بشكل فاضح على مستوى الانتهاكات التي طالت وتطال أجزاء معتبرة من الأسوار التاريخية، وتعرضها لسرقات مستفزة دون رادع أو وازع، حيث امتد حبل التطاولات المذكورة للأجزاء المقابلة لمبنى ولاية الجهة. بعض المتورطين لم يتورعوا عن هدم أجزاء من السور وبناء جدران إسمنتية على أنقاضها كجزء من بيوتات ومساكن، مع تمرير قنوات الصرف الصحي لأطرافها الخارجية، ما يشكل خطرا داهما على كامل الأجزاء الممتدة ويهددها بتسربات تنخر أساساتها وترشقها بأسباب الانهيارات المستقبيلة. وحتى تمتد مساحة العبث، فقد بادر بعض أصحاب المشاريع الاقتصادية إلى التطاول على أبراج بكاملها وضمها لمشاريعهم الخاصة، كما هو الشأن بالنسبة لمطعم شهير ينتصب مباشرة أمام الباب الرئيسي لمبنى ولاية الجهة. سرقات بالجملة يشارك فيها الفقير والثري يمتدون بأطماعهم إلى هذا الإرث الحضاري، وينتهكون حرمته عبر بناء نوافذ وجدران وضمها لأملاكهم الخاصة، فيما الجهات المسؤولة تتابع الوضع من موقع المتفرج دون أن تحرك ساكنا، وكأنها بذلك تزكي هذه السرقات وتمنحها صكوك الغفران وشواهد الموافقة. ما تتعرض له أسوار المدينة التاريخية، من تشويه وإهمال وسرقات، يكشف عنه ما يتعرض له من تطاول البناء العشوائي، الذي انغرس كخنجر مسموم في ثنايا أجزائها، فأصبحت تطل منها شبابيك وأبواب عشوائية تشوه كل معالمها، وباتت الجدران الإسمنتية تتجاوز الأسوار بعلوها ضدا على كل القوانين المنظمة للمجال، ليبقى بذلك كشوكة دامية في خصر هذه المعلمة، ولأن الجهات المسؤولة، وفي إطار سياسة تلميع الواجهة، قد صبت كل اهتمامها على جوانب السور المتواجدة بالمنطقة السياحية، فإن الأجزاء المتواجدة في المناطق الفقيرة، تدفع ثمن فاتورة هذه السياسات، حيث أن حتى مشاريع الترميم، تعتمد مقاولات غير متخصصة، وتتم بطرق اعتباطية، ومن ثمة اعتماد مواد غريبة على الأسوار في عملية الترميم، ما يؤدي إلى تشويه إضافي لمعالمها، علما بأن هذه الأسوار قد بنيت باقتراح من القاضي ابن رشد الحفيد، فبنيت بطريقة تالواحت أو ما يسمى ب«تابيا»، ليبقى الإسمنت المسلح ومواد البناء الحديثة، أجسام غريبة على مكونات هذه الأسوار. ويمتد السور على مساحة 71 كيلومترا يعود تاريخ بنائه إلى سنة 520 ه باقتراح من القاضي أبا الوليد بن رشد والذي لم يستغرق بناؤه حسب المؤرخين سوى ثمانية أشهر، كانت كافية لتمنح المدينة مناعة وحصانة تقيها من عاديات الزمن وتكالب الخصوم والأعداء، تتخله أبواب تاريخية استمدت أسماءها إما من المناطق والقبائل التي تؤدي إليها كباب أغمات وباب هيلانة (إيلان حديثا) وباب دكالة، وإما من بعض الحرف والمهن السائدة آنذاك كباب الدباغ وباب الشريعة. أخطبوط السرقات امتدت أذرعه لتطال العديد من المعالم العمرانية الأصيلة المصنفة في دائرة التراث المعماري للمدينة، حيث تتميز المدينة العتيقة باحتضانها لمجموعة من المعالم العمرانية الأصيلة التي يعود بعضها لمرحلة التأسيس، ويرتبط التنظيم السكني الخاص بمجمل الظروف التاريخية التي تعاقبت على المدينة، فجاءت في شكل وحدات سكنية،تسمى ب«الحومات» بما يرمز إليه الاسم من معاني الحماية والاحتماء، وبالتالي تستقل كل حومة بمرافقها الخاصة، من حمام ومسجد وسقاية ومسيد، وكذا سويقة صغيرة، يحيط بها سور طيني لحماية الوحدة السكنية ومنح ساكنيها شروط الأمن والاستقرار ما يفسر تواتر أسماء «السور الصغير» و«السور الدخلاني» بالعديد من الأحياء. إسماعيل احريمل