يعرف عن عمر عزيمان الكثير من الحنكة والاتزان . معارفه المتشعبة المنهلة من مشواره الأكاديمي المتميز والتدريسي الأميز، والمناصب الحساسة والمختلفة التي شغلها، جعلت منه شخصية تحظى بالإجماع، لبعدها أولا عن التباينات السياسية والحزبية من جهة، ولإخلاصها للمبادئ الوطنية في كل ما اضطلعت به من تكليفات وأعباء . غير أن التطورات الأخيرة في ملف إصلاح التعليم قد تكون المطب الذي ينتظر عمر عزيمان . التوصية بإلغاء مجانية التعليم لأول مرة في تاريخ المغرب، كما أدمجتها ديباجة خلاصة الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للتعليم، ستشكل في حال اعتمادها نهائيا نقطة سوداء تلطخ بياض السجل الحافل بالإنجازات للأستاذ والمحامي والقانوني الأسبق . فبعد شهور من النقاشات الحادة والجلسات الطويلة، يستعد عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتعليم، لرفع التقرير الذي يتضمن الوصفة التي أعدتها هذه الهيئة لإصلاح التعليم المغربي، الأسبوع المقبل إلى القصر الملكي. التقرير يحمل عنوان "من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء.. رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030″، وفيه بسط المجلس موقفه الواضح من عدة نقاط أثارت نقاشات واسعة، مثل المجانية ولغة التدريس والمناهج المدرسية وطرق التقييم والزمن المدرسي، وتضمنت دراسة انجزها "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي"، حول تمويل المنظومة التربوية، توصيات من أجل إنهاء مجانية التعليم في المغرب. المشروع يحمل في طياته الكثير من النقط الإيجابية التي تهدف إلى تحسين مستوى التعليم المغربي وتطويره. ومن بين المقترحات التي استعرضها المجلس، تشير التوصية إلى ضرورة "تنويع مصادر التمويل للتربية والتكوين في المستويات الأخرى، وهي التعليم العالي والتأهيلي"، مؤكدا على أنها ستأتي "عن طريق مساهمة المستفيدين من المرفق العمومي، على أساس مبدأي الاستحقاق والقدرة على الأداء". وربط المجلس ذلك وفق نمط متباين، على المدى القريب، حسب المسالك بالنسبة للتعليم العالي، وعلى المدى المتوسط بالنسبة للتعليم التأهيلي". ودعت التوصية المثيرة للجدل، إلى "منح تحفيزات جبائية لفائدة التعليم الخاص، ولاسيما المسهم في مجهود تعميم التعليم الإلزامي، مع ربط التشجيعات والامتيازات المخولة للمقاولات المستثمرة، خاصة الأجنبية، بمدى مساهمتها في تطوير البحث التنموي". وأشارت التوصية ذاتها، إلى ضرورة إحداث مساهمة اجتماعية للتضامن من أجل إدماج الساكنة المعوزة في المنظومة، وذلك عن طريق "اقتطاع مداخيل ضريبية على الدخل، وعلى الشركات والمتوفرة من عائدات صندوق المقاصة". لكن أمام الاعتراض الذي أبداه بعد أعضاء المجلس حول هذه النقطة تحديدا، اضطر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، إلى تأجير النظر فيها إلى وقت لاحق. ازداد عمر عزيمان في 17 أكتوبر 1947 بتطوان. مارس التدريس بكلية الحقوق بالرباط منذ سنة 1992 بعد أن تابع دراسته في الحقوق بالرباط ونيس وباريس، كما شغل منصب صاحب كرسي اليونسكو لحقوق الإنسان بجامعة محمد الخامس. وسبق له أن اشتغل محاميا ومستشارا لدى عدد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية الوطنية والدولية. وسبق لعمر عزيمان أن تقلد مهام وزير منتدب لدى الوزير الأول مكلف بحقوق الإنسان من نونبر 1993 إلى فبراير 1995 ووزيرا للعدل من غشت 1997 إلى نونبر 2002. وعين بعد ذلك في 10 دجنبر 2002 رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. كما شغل منذ يونيو 1997 منصب الرئيس المنتدب لمؤسسة الحسن الثاني للجالية المغربية بالخارج، وهو أيضا عضو أكاديمية المملكة منذ سنة 1996، وعضو مؤسس لعدد من المنظمات غير الحكومية الإنسانية والعلمية والثقافية والحقوقية الوطنية والإقليمية والدولية. ومثل عمر عزيمان المغرب في عدد من الدورات السنوية للجنة الأممالمتحدة حول القانون التجاري الدولي من 1988 إلى 1993، كما قام بعدد من المهام الدبلوماسية ولا سيما بأمريكا اللاتينية. وفي 22 نونبر 2004، عينه الملك محمد السادس سفيرا للمغرب لدى إسبانيا. وفي مارس 2007، عين عزيمان عضوا شرفيا بمؤسسة كارلوس الثالث، اعترافا بمساهمته في مجال التفاهم بين المغرب وإسبانيا. مشوار مثقل بالنجاح جعله يحظى بتكريمات خاصة، كوسام العرش من درجة فارس سنة 1995 والحمالة الكبرى للاستحقاق (البرتغال 1998) ووسام قائد جوقة الشرف (فرنسا 1999) والعلامة الكبرى للاستحقاق (إسبانيا 2000). وفي 14 نونبر 2006، تسلم عزيمان جائزة من طرف المنظمة الاسبانية "منتدى الأطر العليا"، التي كانت تحت الرئاسة الشرفية للعاهل الإسباني الملك خوان كارلوس الأول، وهي هيأة نافذة للتفكير والحوار، وتضم نخبة الفاعلين والمقررين في عالمي السياسة والمقاولات بإسبانيا . ولعمر عزيمان عدد من المؤلفات والدراسات والمقالات والتحليلات، كما ساهم في تأليف عدة كتب جماعية، وأشرف على عدد من المنشورات، ونظم عدة لقاءات علمية مغاربية ودولية. كل هذا ليس سوى غيض من فيض قيمة عمر عزيمان، رجل الدولة الذي تلتجأ إليه في القضايا الصعبة والشائكة. ولعل مروره في وزارة العدل ثم على رأس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مطلع الألفية الثالثة، لدليل على هذه الثقة التي تجعله من الوجوه القليلة التي تحظى بالإجماع داخليا وخارجيا، وتستطيع أن توازن بين مختلف الرؤى المتضاربة في الملفات الحساسة التي تواجه البلاد. وهذا هو المنتظر منه تحديدا في ملف إصلاح التعليم الذي يجر المغرب منذ سنوات إلى مستتنقع فشل مزمن، على الرغم من الإجراءات العادية والاستعجالية والمؤتمرات والمناظرات التي أقرت فيه ونظمت حوله منذ أزيد من ثلاثة عقود كاملة. عمر عزيمان وكرئيس للمجلس الأعلى للتعليم الذي ينتظر أن يخرج غدا على المغاربة برؤيته النهائية في الإصلاح، يوجد أمام منعرج صعب وحساس. ولعل الفورة التي تعرفها مواقع التواصل المغربية منذ تسريب خبر إمكانية إلغاء المجانية في التعليم، لمؤشر على ما يمكن أن تؤول إليه شعبية عمر عزيمان في حال إقرار توصيات تمس شرائح واسعة من المجتمع المغربي في إمكانيات ‘‘ الأمل ‘‘ لتعليم أبنائها دون أن يتم ذلك على حساب قدراتها الاقتصادية. ففي هذا الباب لا مجال للمخاطرة . تواريخ مهمة : 1947 : الولادة بتطوان 1992 : أستاذا للحقوق بجامعة محمد الخامس 1997 : وزيرا للعدل 2002 : رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان 2010 : رئاسة اللجنة الاستشارية للجهوية 2014 : رئيسا للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي