في المغرب، وجد الساسة الألمان وجهة محفزة، فبعد زيارة وزير الخارجية فرانك شتاينماير ووزير التنمية غيرد مولر، جاء الدور على وزير الداخلية توماس دي مزير. طبعا وان اختلفت أجندة كل زيارة، يبقى ملف اللاجئين أحد المواضيع التي تتقاطع عليها كل الاتصالات واللقاءات. من دون شك، تأتي هذه الزيارات في ظرفية خاصة، على ضوء النقاش المعقد حول ملف اللاجئين، ولكنها تحمل أيضا بعدا استراتيجيا، ينبغي على الرباط إدارة ملفاتها بشكل جيد، لضمان استفادة مستدامة. الزيارة الأخيرة لوزير الداخلية الألماني للرباط، وإن جاءت في سياق الضغط التي تعيشه ألمانيا، جراء سياسة اللجوء التي تتبعها المستشارة أنغيلا ميركل التي لا تزال متشبتة بحل أوروبي لهذه الاشكالية، فإن الزيارة فتحت الباب أمام تقارب كبير بين الرباطوبرلين. فتنويع الشركاء سياسة ناجعة للمغرب، للخروج من ضائقة الشركاء التقليديين الذي يضفون على العلاقات نوعا من التحنيط، يحد من إمكانية استفادة البلاد من كل إمكانياتها. تأتي الاتفاقات الأخيرة، ضمن رزمانة من التوافقات على أكثر من صعيد، ضمنها ما هو سياسي، خاصة بعد تجميد المغرب لكل اتصالاته مع المؤسسات الأوروبية، بسبب موقف المحكمة الأوروبية. وفي هذا السياق تلقت الرباط دعما كبيرا من برلين في قضية إجراءات الاستئناف ضد هذا الموقف الغريب. هذا دون أن ننسى أن جل العواصم الأوروبية بالاضافة إلى المفوضية الاروربية، عبرت هي الأخرى عن تضامنها مع الرباط وتفهمها للموقف المغربي. الاتفاق الأخير بين الرباطوبرلين له أيضا بعد استراتيجي، يهم التنسيق الأمني الذي يشمل محاربة الجريمة المنظمة ومحاصرة الارهاب والهجرة غير الشرعية وتبادل المعلومات. فالبرغم من توقيع المغرب وألمانيا لاتفاقية الترحيل في 1998، إلا أن التعاون بين البلدين على هذا المستوى لم يكن كبيرا، خاصة وأن إشكالية عدم توفر المهاجرين غير الشرعيين على وثائق ثبوتية وانكارهم لهوياتهم المغربية، صعب من حجم التعاون. وفي هذا السياق تعهدت برلين بتقديم دعم لوجستيكي وتيكنولوجي من ألمانيا إلى المغرب لتسهيل عمليات تحديد هويات، خاصة وأن المغرب يتوفر على قاعدة بيانات متينة للبصمات. إن الخبرة المغربية في مجال محاربة الارهاب وموقعه الاستراتيجي الذي جعل منه بلد هجرة لجنوب الصحراء، يجل منه ماسكا لعدد من الملفات يمكن استثمارها في علاقته بالاتحاد الأوروبي. كما أن الاتصال الهاتفي بين العاهل المغربي محمد السادس والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أعطى بعدا استراتيجيا لكل هذه التحركات، لتعزيز العلاقات المغربية الألمانية ورفعها إلى مستوى أكبر عبر زيارات متبادلة بينهما. فآخر زيارة ملكية لألمانيا تعود إلى منتصف الستينات، حين زار الحسن الثاني بون، كما أن هيلموت كول، كان آخر مستشار ألماني يزور المغرب في سنة 1996. بعد آخر، يكتسي أهمية كبيرة في العلاقات المغربية الألمانية، ويتعلق الأمر بالتعاون والتنمية، فزيارة وزير التنمية غيرد مولر للمغرب حملت مشاريع تنموية في مجال الطاقة تبلغ قيمتها أربعمئة مليون يورو. هذا بالاضافة إلى الامكانية الهائلة التي يمكن أن تساعد بها برلينالرباط في مجال التعليم والتكوين المهني ونقل الخبرة والتكنولوجيا في عدة قطاعات وعلى رأسها صناعات السيارات وقطاع الخدمات والسياحة. لقد حقق المغرب قفزة هامة لا تقتصر على معدلات نمو جيدة بحدود 3 إلى 5 بالمائة خلال السنوات القليلة الماضية فقط، بل تشمل أيضا تنويع اقتصاده من خلال الانفنتاح على قطاعات جديدة، كصناعة السيارات وصناعة أجزاء ومكونات الطائرات ، والطاقات المتجددة والاتصالات. وهنا يمكن أن تلعب الكفاءات المغربية في ألمانيا والتي تتجاوز الأربعة ألف، دورا كبيرا في نقل الخبرة والتكنولوجيا. من هنا تستطيع برلين أن تكون دعامة أساسية في عدد من الاصلاحات الهيكلية، على رأسها الاصلاح الاداري والأنظمة الاجتماعية والاصلاح الضريبي ومحاربة الفساد. إذ يقدر الخبراء أن الأضرار الناجمة عن الفساد يضيع نقطتين مئويتين من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يزيد على 2 مليار دولار سنويا. محمد مسعاد