بات من شبه المؤكد أن المشاورات بين الحكومة والأحزاب السياسية حول القوانين الإنتخابية التي ستؤطر اقتراع السابع من أكتوبر ستسير في اتجاه حذف الائحة الوطنية للشباب التي تم بمقتضاها تخصيص 30 مقعدا للشباب الذين تقل أعمارهم عن أربعين سنة، ومن الواضح أن تعديلا قد يطال القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي استحدث هذه الكوطا في سياق ترتيبات تدبير الوضعيات المعقدة للربيع العربي. ويتوزع النقاش حاليا في غياب أي قرار رسمي بين مدافع عن حذف هذه اللائحة ، وبين من يراها مكتسبا ينبغي تحصينه، لكنه نقاش مايزال محتشما، ولذلك أعجبتني الفكرة التي أقدمت عليها حركة شباب جمعيات أحياء الدارالبيضاء الكبرى بتنظيمها السبت المقبل بالدارالبيضاء، لقاء تشاوريا حول موضوع هذه اللائحة من زواية «الحصيلة وآفاق المشاركة الفعلية للشباب في صياغات السياسات العمومية». وحسب أصدقائي المنظمين فإن « هذه البادرة يتوخى من ورائها الوقوف على حصيلة المشاركة الشبابية في الولاية التشريعية الحالية في أفق بلورة مقترحات عملية من أجل تعزيز المشاركة الفعلية لطاقات الشباب في القرار العمومي» . في تقديري ثمة إشكال حقيقي يتعلق بمشاركة الشباب في العملية السياسية، فمن جهة لا يتعدى عدد الشباب المنخرطين في الأحزاب السياسية نسبة واحد في المائة من مجموع ثلاثة في المائة من المواطنين الملتزمين حزبيا، كما أن فئة الشباب التي تمثل غالبية الهيئة الناخبة هي الأكثر نفورا من التسجيل في اللوائح الإنتخابية، وبالنتيجة وبدون إثقال هذا المقام بلغة الأرقام، فهم الأقل إقبالا على صناديق الإقتراع، أي أننا في المحصلة أمام ديمقراطية ناشئة تستند على قاعدة اجتماعية ديمغرافية هشة. ومنذ سنوات خلت والمغرب يعيش على نقاش تشبيب الأحزاب وإعطاء نفس شبابي للمؤسسات المنتخبة وتجويد الممارسة السياسية باعتبار ذلك أحد المداخل الممكنة للتشجيع على ولوج هذه الفئة العمرية معترك السياسة، لكن أحداث الربيع العربي سنة 2011 والتي قادها الشباب عجلت في المغرب مثلا بإيجاد آلية تضمن تمثيلية هذه الفئة في مجلس النواب، لكن وبعد مرور خمس سنوات تقريبا على إعمال هذا المقتضى التمييزي الإيجابي يظهر أن هناك إجماعا حول الحاجة إلي تقييم هذا الإجراء الدستوري الذي ربما انتفت أسباب وجوده، ولم تتتحق الغايات المرجوة منه. وثمة انتقادان يوجهان لأداء الللائحة الوطنية للشباب، آلأول مفاده أنها تشبه ريعا سياسيا يستفيد منه المقربون من القيادات السياسية وأفراد عائلاتهم، وهو انتقاد لا يجانب الصواب ويكشف عن جوانب انتهازية في تدبير الفاعل الحزبي للسياسات العمومية، إذ أن تفحص لائحة النواب الشباب في الغرفة الأرلى للبرلمان يكشف عن شبكة معقدة من العلاقات الزبونية والقرابات العائلية التي تحكمت في صعود عدد كبير من الأسماء إلى قبة التشريع المغربي. أما الإنتقاد الثاني الذي يوجه لللائحة الوطنية، فيشير إلى أن تشبيب البرلمان، إن شئنا القول، لم يحمل قيمة مضافة أو بصمة شبابية خالصة للأداء التشريعي، وظل النواب الشباب مثلهم مثل الآخرين يقومون بنفس العمل الروتيني في المراقبة والتشريع، وإن كان أغلب الشبان الذين دخلوا البرلمان لم يظهر لهم أثر في العمل البرلماني الللهم ما تعلق باستثناءات قليلة محسوبة على رؤوس الأصابع. وفي اعتقادي فإن تشبيب البرلمان، وحتى الأحزاب، يتعلق بنقاش مغلوط يعطي الإنطباع بأن السياسة تعيش صراعا جيليا، وهو أيضا نقاش خضع لظرفيات عابرة تحكمت فيها تعقيدات الربيع العربي، فبدا للطبقة السياسية أن الجواب عن إحدى الأسئلة الشائكة التي طرحتها حركة عشرين فبراير على السياسيين المغاربة، قد يكون مصدره إيجاد صيغة تسمح بتمثيلهم في البرلمان. وتعود بي الذاكرة وأنا أتابع هذا النقاش إلي سنوات التسعينات، كانت أحزاب اليسار والحركة الوطنية قد رفعت حينها من حدة مطالب تعديل الدستور، وكان جواب الدولة من باب «البوليميك» والمزايدة هو الدعوة إلي تشبيب الأحزاب السياسية، ومن سوء الحظ سقط بعض «المناضلين» في فخ اللعبة، وبدؤوا صراعا جيليا كان بمثابة تحريف غير واعي للتناقضات السياسية الرئيسية التي كانت مطروحة في تلك المرحلة السياسية وأساسها إعادة التوزان في العلاقة بين السلطات الدستورية. وقد كنت دائما من أولئك الذين يعتقدون أن نقاش التشبيب في الأحزاب نقاش مغلوط، لأنه عبارة عن تجزيء للكل وتفريعه إلى قضايا جزئية، أما فكرتي الأساسية فهي أن التشبيب متضمن في سؤال الديمقراطية الداخلية، وإذا ما نجحت الأحزاب السياسية في دمقرطة حياتها الداخلية، فإنها ستقدم وبالضرورة إجابات تلقائية ْعن أسئلة الشباب والتشبيب. لكن المشكلة أن الأحزاب لاتريد الخوض في مثل هذه التعقيدات وتفضل أن تصدرها إلي السياسات العمومية. ولأجل ذلك أجدني في صف أولئك الذين يدعون إلي إلغاء العمل باللائحة الوطنية للشباب، وتوجيه مقاعدها نحو الإهتمام أكثر بالرفع من تمثليلية النساء تطبيقا لمبدأ المناصفة الذي ينص عليه الدستور، أما بالنسبة لإشكالية تمثيلية الفئات العمرية فإن المكان الطبيعي لتسوية قضاياها هو الللوائح التي تقدمها الأحزاب السياسية التي ينبغي لها أن تواجه مشكلة شبيباتها بدل تصديرها إلي التشريعات والمؤسسات الدستورية التي تقوم بوظيفة تمثيل الأمة وليس تمثيل الأجيال.