يعتبر سؤال المرجعية أمرا حاسما في التأسيس لمواقف الأحزاب السياسية ،بحيث لا يكفي ما تروجه من خطاب دعائي للحكم على مواقفها و خطابها . و عليه فخطاب قوى الإسلام السياسي (أقصد بالإسلام السياسي ما راكمه الفقهاء من أحكام و فتاوى نتيجة اجتهاداتهم التي قد تصيب و قد تخطأ ، و التي عبرت عن واقع ثقافي و معرفي لمرحلة تاريخية معينة ، لكنها تحولت بقدرة قادر الى مقدس ،و أصبح ينظر اليها على أنها جزء من الدين لا يسمح النظر إليها خارج هذا الإطار . و كل من اقترب منها بالنقد الا و واجهه دعاة هذا الفكر بسلاح التكفير) فتبني دعاة الإسلام السياسي لخطاب الديمقراطية و حقوق الإنسان ليس سوى تبني تاكتيكي ما دام يخدم مصالحهم و أهدافهم و يقربهم من السلطة السياسية .قد يقول قائل بأنك تحاكم النوايا و ليس لديك ما يثبت هذا الحديث . أقول له عفوا و لا تتسرع في الحكم الى غاية نهاية هذا المقال على الأقل. لذلك أطرح بعض الأسئلة على هؤلاء :كيف تؤصلون لمفهوم الديمقراطية من خلال مرجعيتكم ؟من أين تستمدون مفهوم فصل السلطات ؟ لماذا تتعاملون مع حقوق الإنسان بطريقة انتقائية؟كيف تقبلون بالديمقراطية و ترفضون الأسس الفلسفية التي تأسست عليها ؟ ألا ينهلون من نفس المنهل الفقهي الذي تنهل منه داعش و القاعدة؟ المرجعية الفكرية التي ينطلق منها دعاة الإسلام السياسي تفرق العالم فريقين دار الاسلام و دار الحرب ، فكل من هو معهم يمثل الاسلام و كل من هو ضدهم يمثل الكفر الذي وجب قتاله. مرجعيتهم ليست دينية لأن الدين جاء رحمة للعالمين ،بل مرجعية قتل وإقصاء تعبر عن عقلية فقهاء القرون الوسطى المتحجرة الذين يدعون لتكفير و قتل مخالفيهم.مرجعية تعتبر البرلمان كفر لانه يشترك مع الله في التشريع ،و الانتخابات كفر ،و الأبناك كفر و المرأة عورة وقتل اليهود و المسيحيين تقربا من الله .مع ذلك تجد من يحاجج ويقول بثقة ان لا احد من "الاسلاميين" المعتدلين يقول بهذا. نعم انهم لا يجرؤون على القول بهذا و لكن من منهم يجرؤ على انتقاد ذلك؟ و حتى ان وجد من أين سيؤصل لعكس ذلك؟ هل من البخاري أم من مسلم أم ابو حنيفة أم الشافعي أم من بن تيمية… و الله لست أدري !!! إنهم يمارسون التقية التي يتهمون الشيعة فقط بتبنيها ،لكن عندما يحشرون في الزاوية و يشعرون بالتهديد و الخطر على مصالحهم و مواقعهم السياسية فإنهم سرعان ما يتراجعون الى أوكارهم الفكرية مهرولين متمسكين بالأسلحة التي توفرها لهم فيرتفع صوتهم بالصراخ و العويل زاعمين أن الاسلام في خطر من طرف خصومهم السياسيين العلمانيين الملحدين عملاء الصهاينة المندسين…و قس على ذلك من التهم الجاهزة التي يضللون بها الرعاع الذين يستغلونهم كاحتياطي انتخابي ، أو تجييشه من خلال اللعب بعواطفه الدينية ،و لما لا إستعماله في أوقات الشدة كقنابل بشرية عندما ينتقلون من التكفير الى التقتيل. و لعل خير دليل على ذلك الحملة المسمومة التي يقودونها ضد الياس العمري الذي أوٌلوا كلامه عن سوء نية عندما قال باننا جئنا لمحاربة الاسلاميين ،و هم يعلمون أشد العلم بأنه يقصد حزب العدالة و التنمية .فصاروا يرفعون صوتهم بالصراخ :الإسلام في خطر ! إلياس العماري يحارب الإسلام ! الأصالة و المعاصرة تحارب الإسلام ! و لكم الحق أن تتساءلوا معي ، اذا كان كل هذا يحدث للاسلام في داره و أمام أعين أمير المؤمنين ، فكيف سيكون حاله في بلاد الغرب الكافر؟ إذن لماذا هذا الكذب؟ لماذا يحاولون أن يظهروا للناس أنهم فقط هم المسلمون الحقيقيون الذين يدافعون عن الإسلام ضد خصومهم العلمانيين الذين لا هم لهم حسب زعمهم سوى محاربة هذا الدين، بل وصل الامر ببعضهم الى وصفه بأبي جهل، و كأننا أمام دعوة دينية جديدة يبشر بها هذا الرجل، و ليس مجرد فاعل سياسي له مشروع يختلف مع مشروعهم و ينافسه، ينبغي مواجهته بأدوات السياسة و في معترك السياسة و ليس معترك الدين. لا عفوا هذا ليس بكذب بل هو عين الحق، الإخوان في عقلهم الباطن على الأقل يعتبرون انفسهم هم الاسلام و الاخرون كفار. و كمثال أخر على رفضهم للاخر و عدم ترددهم في استعمال مختلف الأسلحة و خصوصا القدرة منها ،و في سياق هجومهم على العماري و من خلاله حزب الأصالة و المعاصرة خلال ندوة نظمها حزب العدالة و التنمية في أكادير حول موضوع "الانتقال الديمقراطي" طرح أحد المتدخلين المحسوبين على الحزب عدة مقاربات تعيق الانتقال الديمقراطي ،و لعل أخطرها المقاربة الايديولوجية التي تتجسد في حزب الأصالة و المعاصرة الذي يحارب الإسلام و يدعو للالحاد حسب تعبيره. هذا على مستوى الحاضر أما إذا استنجدنا بالتاريخ فحدث و لا حرج فدماء الشهيد آيت الجيد بنعيسى لا زالت تطاردهم ،هو و غيره من الشهداء . إن هكذا مستوى من النقاش السياسي في الحقيقة إن عبر على شيء إنما يعبر عن تدني الأخلاق و القيم السياسية ، و يعبر عن أزمة الإنتقال الديمقراطي الحقيقية ،باعتبار الديمقراطية ضامنة لحرية التعبير دون خوف من التكفير و تبعاته. فهذه الأخيرة و على عكس ما يعتقدون ليست مجرد صناديق اقتراع و أغلبية و أقلية .الديمقراطية بالإضافة الى ذلك و ربما اهم من ذلك هي الحق في الاختلاف و قبول الآخر و التسامح دون لي عنق الكلام و التهديد بتهم الالحاد ،و نصب محاكم التفتيش و تأليب البسطاء و الأميين ضد من يختلف معهم لتشكيل طابور إنتخابي .إنه إرهاب فكري و إعلامي ،و هو الذي يؤسس و بالضرورة للإرهاب المادي . الإرهاب إديولوجية قبل أن يكون سلوك .و سوف يزداد إرهابهم هذا كلما اشتد الخناق عليهم و الاسلام في كل هذا مجرد ورقة يلوحون بها لكسب مصالح سياسية .فبالله عليكم تذكروا كم كانوا يصرخون و يتباكون عن الاسلام بسبب مهرجان موازين لما كانوا خارج السلطة ،و كيف بلعوا ألسنتهم تماما لما أصبحوا جزءا منها .أين هذا من الإسلام ؟لماذا سكتوا عن السياحة الجنسية و عن دور القمار و الخمارات و غيرها ؟ لماذا سكتوا عن الفساد و المفسدين ؟ من حوكم في عهدهم بتهمة سرقة المال العام؟ هذه هي الأسئلة الحقيقية التي يتهرب "الإسلامويون جدا جدا" من الإجابة عنها ،و يصطادون فقط في الماء العكر بالطعن في إيمان الأشخاص و معتقداتهم الدينية ،و كأننا ننتخب من يصلح لنا أمور آخرتنا و ليس أمور دنيانا. الانتقال للديمقراطية يحتاج نخبة سياسية مقتنعة فكرا و سلوكا بالديمقراطية و قيمها و ليس نخبة سياسية تجتر قيم العصور الوسطى و تغلفها في مفاهيم معاصرة .و أكثر من ذلك فإن هذا الإنتقال يحتاج الى اصلاح ديني حقيقي من خلال قراءة تاريخية لتراثنا الفكري على شاكلة ما عرفته أوربا خلال عصر النهضة ترفع عنه طابع الجمود و التقديس و تحرره من الأحكام التي تكبح الإجتهاد ،بل أكثر من ذلك تجعله يستلهم قيم العقلانية و الحرية كقيمتين لا مناص منهما للتقدم و التوجه نحو المستقبل ،من أجل الحصول على أجوبة عملية للمشاكل التي يعانيها مجتمعنا في كافة المجالات ،و الدخول لعالم اليوم عالم الانتاج و الاستهلاك المادي و الثقافي ،الذي يمكننا من منافسة الامم الاخرى و الوقوف معها على أرضية مشتركة ،أرضية العلم و الحرية. نحن بحاجة لأحزاب إسلامية ذات قراءة متجددة لتراثنا ،قراءة تنزع عنه التقليد و الجهل و التعصب و تؤصل من خلاله لقيم التسامح و العقلانية و الحق في الاختلاف،إذا أردنا أن يتسع هذا الوطن للجميع ، أما إذا سادت ثقافة الإقصاء التعصب و التكفير فلا تنتظر من الذي تواجهه بالسلاح أن يواجهك بالورود… امحمد غالم أستاذ التعليم الخصوصي البريد الإلكتروني :[email protected]