إنهم بكل بساطة منسيون ومحرومون من الاعتراف المادي والمعنوي، الذي طالما بحثوا عنه بين دواليب الإدارات المحلية والمركزية. هو حال العشرات من أسر أسرى وشهداء ومفقودي الصحراء، بعدد من المدن المغربية، في المطالبة بتحقيق مطالب عمرت لأزيد من ثلاثة عقود، وجحود المؤسسات الرسمية وفي مقدمتها مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين. نموذج التهميش والإقصاء، كما نقلته شهادات عدد من أفراد أسر هذه الفئة من تمارة . في هذه المدينة تتشابه فصول المأساة، وتصبح « الحكرة» مرادفا يتجرع مرارته، كل يوم القاطنون داخل عمارة الشهداء. تتناسل شهادات القاطنين بها، لتسرد تفاصيل مؤلمة من المعاناة المزدوجة مع المرض والعطالة من جهة، وقلة ذات اليد، من جهة أخرى وعدم استفادة جزء آخر من السكن اللائق، أو على الأقل السعي إلى تسوية وضعية العمارة من الناحية القانونية، وتمكين أصحابها من الحقوق الموثقة، عبر تحفيظها لصالحهم. « في هذه العمارة هناك مريضة قد يضيع حقها، إذا استمرت وضعية عدم تحفيظها لصالحها قائما، المريضة الشابة تضطر إلى البحث عن منافذ لتوفير مبالغ الاستشفاء واللجوء إلى المحسنين للحصول على الإمكانيات للعلاج، في الوقت الذي كان من الممكن أن تتكفل بها مؤسسة الحسن الثاني، وتتابع حالتها الصحية» يصرح معاذ قيس رئيس فرع جمعية أسر الأسرى وشهداء ومفقودي الصحراء بتمارة، ثم يستطرد قائلا « تقدمنا كفرع للجمعية بطلب إلى المسؤولين المحليين بتمارة للتسريع وتمكين أسر الشهداء و الأسرى الذين مازالوا يقطنون بدور الصفيح من بقع أرضية، لكن دون أن نتلقى أي جواب لحد الآن». مطالب ساكنة عمارة الشهداء التي تقدم واجهتها أكبر دليل على اللامبالاة اتجاه قاطنيها، دفعت الجمعية كذلك إلى التقدم بطلب «للحفاظ على جماليتها، تقديرا لأرواح شهداء الوحدة الترابية بعد أن تحولت جنباتها إلى مكان للتبول ». لكن المشكل الأعمق لدى الأسر في الوقت الحالي»يكمن في تعقد مسطرة تحفيظ المساكن المسلمة للأسر منذ أوائل الثمانينيات والتي مازالت لم تعرف مسارها الصحيح لحدود الساعة. فلو تم ذلك منذ سنوات لأمكن إنقاذ الأبناء من الضياع و تأمين مستقبلهم«. يضيف معاذ في تعليقه دون أن ينسى التقدم الحاصل في عدد من المدن بخصوص قضية التحفيظ، حيث بادر المسؤولون بها، إلى تسهيلها، وتمكين أسر الشهداء من تحفيظ مساكنهم، وضمان حقهم، وحق أبنائهم،. وأفراد أسرهم. الاعتراف بهذه الفئة تلخصه كذلك حكاية أخرى لفاطمة، وهي أرملة لما يزيد عن ثلاثة عقود بعد استشهاد زوجها في الصحراء قبل عشر سنوات، رحيله خلف رحلة كلها صراع بين دروب الإدارات والمصالح، بحثا عن الإنصاف المادي والمعنوي. « بغيت غير شهادة السكنى لولدي، مابغاوش ايعطيوها ليا .. هذا حرام» الأم تعترف، وفي سرد جزء من معاناتها صدمتها، حين تلقت مايشبه الصفعة بدل الإنصاف بمقر إحدى مقاطعات تمارة، كان ذنبها الوحيد وهي تتقدم إلى المسؤول أن طالبت بوثيقة عادية تثبت أن ابنها يقطن بالفعل بالدوار الصفيحي، وهو مزداد بنفس الدوار المذكور منذ بداية الثمانينيات، لكنها تعرضت « للتجريح والإهانة بالرغم من وضعها الاجتماعي المزري، وكونها أرملة شهيد، حيث إن ابنها لم يشمله الإحصاء لظروف مجهولة». مأساة فاطمة هي جزء بسيط من معاناة هذه الفئة، ،في نيل الاعتراف والاستفادة من حقها في سكن لائق، خاصة أن عددا من أفراد هذه الفئة لايزالون يقطنون بدواوير صفيحية كدوار الفحلة، دوار الصهد، دوار بناصر الشرقية، دوار بناصر الغربية – دوار الجديد-، دوار لولالدة الخشانية. علاوة على الصعوبات والمشاكل التي يواجهها أعضاء الجمعية على المستوى المحلي والوطني، وأمام سياسة الصمت واللامبالاة التي تقابل بها مطالب الجمعية فإن رئيسها ابراهيم الحجام، وفي حديث للجريدة أكد أن الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء تنبهت، وبعد مهلة انتظار تنصيب الحكومة الجديدة، عمدت إلىتوجيه، مذكرة مطلبية إلى رئيس الحكومة، طالبت من خلالها هذا الأخير بالتدخل الملموس والعمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لهذه الشريحة، ووضع حد للإقصاء الممنهج الذي طال أمده بخصوص ظروف عيش هذه الفئة. الجميعة طالبت كذلك بضرورة إعادة النظر في قانون مكفولي الأمة بما يتلاءم والوضعية الحالية لأبناء الشهداء والمفقودين والأسرى. والسعي إلى إعادة النظر في عمل وأداء وفلسفة مديرية مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين ومنذوبياتها بالتراب الوطني، بما يتماشى وحاجيات ومتطلبات الفئة المستهدفة بشكل مباشر.لايخفي معاذ قيس حالة اليأس الشديد التي تعيشها هذه الفئة، وخاصة الأرامل اللواتي يواجهن صعوبات في تدبر القوت اليومي، والبحث عن الحقوق، في انتظار ما قد تحمله الأيام المقبلة من إنصاف قد يكون من مؤسسة الحسن الثاني، أو من مؤسسات وجهات أخرى ذات علاقة بملفات المئات من أفراد هذه الأسر المنسية