كريستيان كالب المستشار الدولي في محاربة تبييض الأموال والمراهنات الرياضية المفبركة قال لأحداث.أنفو إن 85 ٪ من السوق العالمي للمراهنة الرياضية تأتي من أموال مشبوهة المصدر AHDATH.INFO– البيضاء – أجرى الحوار : سعيد نافع – عدسة: محمد العدلاني كريستيان كالب يوجد اليوم في المغرب. الخبير الرياضي الذي أمضى 25 سنة من العمل في الرياضة والألعاب المالية ومعها نفس المدة من التجربة في محاربة الفساد في كلا القطاعين، كان قد بدأ مشواره المهني في محاربة المنشطات في الرياضة خصوصا في سباق الدراجات ثم في التحقيق في أزمات الارتشاء في كرة القدم. منذ سنة 2000 شغل كريستيان كالب منصبا مهما في مؤسسة «الفرنسية للألعاب والرياضة» وتحديدا في قطاع الرهان الرياضي، ثم صار منذ ثماني مستشارا مستقلا لدى الحكومات من أجل تقنين قطاع الرياضة والرهان الرياضي في بلدانها، مع مساعدتها في تطوير آلياتها القانونية للحد من المراهنة الرياضية المفبركة وتبييض الأموال . يتحدث اليوم لأحداث.أنفو عن تجربة المغرب المميزة في مراقبة المراهنة الرياضية، وعن اختلالات سوقها العالمية وأساليب مافيات التلاعب في نتائج المباريات الدولية. * أصدرتم مؤخرا كتابا يتناول بالتدقيق ظاهرة سيطرة المافيات الدولية على الرهان في عالم الرياضة . كيف جاءت الفكرة ؟ ** فعلا ألفت كتابا بعنوان « تبييض الأموال : الآفة الجديدة في الرهان الرياضي» الذي يتطرق عبر دراسات وتحقيقات ميدانية، لكيفية تسلل مافيات تبييض الأموال للرهان الرياضي، عبر تحسيس الدول والحكومات لخطورة الانزلاقات التي يعرفها هذا القطاع خصوصا وأن الغالبية العظمى للدول لا تتوفر على قوانين خاصة لمواجهتها لأن الأمر يتعلق بظاهرة جديدة . في هذا الكتاب اعتمدت أيضا على حوارات أجريتها مع عدد من منظمي المعدلات المالية للرهان الرياضي في أزيد من 30 دولة، لمعرفه مدى تطور الترسانة القانونية المتبعة فيها ضد تطور هذا النشاط، وإن كان قد وصل لمفهوم الجريمة الكاملة أم لا . الكتاب إذن يحاول الإجابة على ثلاثة أسئلة محورية : كيف تتعامل الدول مع هذا النوع من الجريمة المالية ؟ من أين تأتي هذه الجريمة ؟ وهل واكبت الدول تطور هذا النوع الإجرامي المالي الجديد تقنيا وقانونيا ؟ * بالحديث عن الدول والمناطق الجغرافية التي تنشط في هذا النوع المنحرف من الرهان الرياضي ، كيف تقيمون الوضع بالمغرب ؟ ** يجب أن نقر أولا بأن هذا النشاط جديد للغاية. قبل خمس سنوات كان فقط الحديث في الموضوع يعطي الانطباع على أننا قادمون من كوكب آخر. الجديد في الموضوع يكمن في تطور أدوات وأساليب المراهنة الرياضية. قبل 15 سنة كانت المراهنة إما ممنوعة في العديد من الدول أو تمارس بطريقة تقليدية كما هو الشأن بالنسبة ل«طوطوفوت» في المغرب، وهو ما كان يعني صعوبة التلاعب في المراهنات، لأنه لم يكن من السهل التلاعب في 15 مباراة لكرة القدم مثلا . هناك مستجد دخل اللعبة منذ تلك الفترة : انترنيت . فمع نهاية تسعينيات القرن الماضي، اكتشف بعض المتلاعبين بالمراهنة الرياضية أن ثمة ثغرة قانونية كبيرة وأنه من السهل إدخال الأموال إلى بعض «الجنات المالية» وأنه أصبح بالإمكان تقديم عروض المراهنات المشبوهة في العديد من مناطق العالم. هذه «الجنات المالية» توجد خصوصا في أمريكا الوسطى كوسطا ريكا وجزر الكايمان وباناما وانتيغوا، ثم اوروبا مالطا وجبل طارق وقبرص. في المغرب الأمر مختلف تماما، المجال المالي عموما مراقب بصرامة، وشركات الرهان الرياضي تقوم بدور كبير في عدم انزلاق الممارسة نحو أبعادها المشبوهة، لذلك أعتقد أن المغرب بعيد عن الأمثلة المذكورة. * لماذا هذه الدول تحديدا ؟ ** لأنه ببساطة هذه الدول كانت قد اعتمدت استراتيجيات مالية متسامحة مع إدخال الأموال بوفرة من أجل جلب أكبر عدد ممكن من المستثمرين في كل القطاعات الانتاجية، ما سهل المأمورية على مافيات المراهنة في الرياضة. يجب أن نعرف أن المراهنات الرياضية في دولة كمالطا مثلا تمثل ثاني مصدر دخل في الناتج الداخلي الخام. الأمر نفسه ينسحب على كوسطاريكا والفلبين. بالجمع بين هذا المعطى وسهولة التداول على الانترنيت، ينشأ هؤلاء المضاربون مواقع الكترونية للمراهنة ويشرعون في تدوير الأموال التي يضعونها في المراهنات، والتي يغلب عليها الطابع المشبوه في المصدر. * كيف تسللت المراهنات المشبوهة للرياضة عموما ؟ ** سؤال مهم. يجب أن نعلم أن كل المضاربين في الرهان الرياضي، الذين ارتفع عددهم بالمناسبة من 200 إلى 10000 مضارب في العالم مع مطلع الألفية الثالثة، اكتشفوا أن هذا النشاط مثالي لتبييض الأموال. فالأموال القادمة من تجارة المخدرات والرقيق والأسلحة وأحيانا بعض النشاط السياحي يتم البحث عن طريقة لإدماجها في دائرة الأموال القانونية المتداولة دوليا أي تحويلها من الاقتصاد الأسود إلى الاقتصاد العادي. من أجل الوصول إلى هذا الهدف تتبع خطة من ثلاثة مراحل : أولا يتم وضع الأموال في دولة ما أو في بنك غير مراقب بصرامة ويتم استعمالها في شراء بعض التحف الفنية، بعد ذلك يتم تحويلها إلى دول أخرى، على أن يتم إقحامها في اقتصاد بلد آخر في مرحلة أخيرة. المراهنة الرياضية أصبحت أهم مرحلة في عملية تبييض الأموال، حيث يتم ايداع المال المشبوه في المراهنات مع ضمان الحصول على أرباح، قد لا تصل نسبها إلى 100 ٪ من المال المستثمر لكنها على الأقل تضمن تبييض جزء منها وهذا هو الهدف الأول لمافيات المراهنات الرياضية. أعطي مثالا في هذا الشأن، قبل 15 سنة عبر أحد المضاربين في المجال عن سعادته البالغة لأنه ربح فقط 60 ٪ من المال المستثمر أصلا وهو ما يعني الكثير من الأموال بالنسبه له ! فالمهم بالنسبة للمضارب هو الحصول على دليل الأرباح الذي يسمح له بوضع أمواله بطريقة قانونية فيما بعد. غير أن مافيات المراهنة الرياضية تريد دائما الحصول على المزيد من الأموال. فبعد أن تأكدت بأن هذه الوسيلة تضمن استعادة جزء من الأموال المشبوهة، فكرت في وسيلة أخرى للربح بشكل أكبر، فقررت المرور مباشرة إلى التلاعب في نتائج المباريات، وهو ما اكتشفه الاتحاد الإيطالي مثلا في مباراة «ليتشي ولازيو» حيث توصل النائب العام إلى أن أرباح المراهنة حول هذه المباراة بلغت 3 ملايين أورو ، تحصلت عليها مافيا مشتركة من سنغافورة وهنغاريا وكرواتيا وايطاليا، في ما صار يعرف فيما بعد بفضيحة «الكالشيو سكوميزي» . * الحديث عن المراهنة الرياضية المشبوهة يجرنا للحديث عن دور المؤسسات الرياضية الدولية في كل ما يقع. كيف يمكن توصيف تعامل هذه المؤسسات مع هذا النشاط المالي المشبوه ؟ ** الخطير في الأمر أن هذه المؤسسات، كالفيفا أو الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الافريقي أو باقي الاتحادات المحلية، لم تنتبه إلى هذا الاقتحام إلا في سنة 2007، حيث تبين لها أن عددا كبيرا من المباريات يتم التلاعب في نتائجها. بالفعل حاولت هذه المؤسسات مواجهة هذا النشاط عبر سن قوانين ومساطر إدارية، إلا أنها ظلت غير كافية في مواجهة موجة المراهنات العالمية، كتحسيس اللاعبين بخطورة التورط في هذه المراهنات، وعبر وضع برنامج لتعقب تطور نسب المراهنة في كل العالم، حيث يتبين في كل مرة أنه كلما ارتفعت النسبة في منطقة من العالم إلا وارتفعت شبهة التلاعب في نتيجة مباراة معينة. * للتلاعب بنتائج المباريات لا بد من تورط اللاعبين، المدربين، ربما الحكام أيضا… كيف يتم ذلك ؟ ** صحيح، هناك طريقتان للتقرب من الرياضيين بهدف توريطهم في التلاعب بنتائج المباريات. هناك الطريقة الأبسط التي تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية، حيث يتم الاتصال باللاعبين قصد التعرف على مدى رغبتهم في التجاوب. وهو ما يحصل عادة في مباريات التنس، حيث تتم مراسلة لاعب ما وتنبيهه مثلا إلا أنه في الغد لديه مباراة مع لاعب آخر في دوري ما. يطلب منه مثلا الانهزام بحصتين ( 6 – 2 / 6 – 2 ) وينتظر معرفة رد فعله. إذا تجاوب اللاعب بالسلب أو الايجاب ورد على الاقتراح يتوقع المضاربون بأنه قد يصبح صيدا سهلا، أما في حالة التجاهل التام، فإن المضاربين يصرفون النظر بصفة نهائية عن الموضوع. المقاربة تعتمد الأسلوب المباشر، حيث يتم التقرب من اللاعبين عن طريق وسطاء ينجحون في نسج علاقات صداقة مثلا معهم. بعد فترة يقترح هولاء الوسطاء على اللاعبين التلاعب بتفاصيل غير مثيرة للانتباه في المباريات، كعدد الركنيات المتوجب التسبب فيها، أو الأخطاء أو الأوراق الصفراء. العملية تنجح بعد أكثر من محاولة ومع أكثر من لاعب. هنا يصبح اللاعب عبدا لمافيات المراهنة، لأنه مقابل التجاوب يحصل على المال، لكنه في المقابل يكون قد سجل صوتا وصورة من قبل هذه المافيات، وهو ما يدخله في دائرة انصياع وعبودية كاملة لكل ما ستقترحه عليه فيما بعد. * هل تقتصر المراهنات المفبركة على رياضات معينة ؟ ** الأكيد أن كل الرياضات أصبحت مستهدفة بالمراهنات المشبوهة أو المفبركة، لكن المؤكد أن كرة القدم تظل الرياضة الأكثر استهدافا نظرا لشعبيتها الجارفة ولرغبة الملايين عبر العالم في المراهنة على نتائجها، سواء بطريقة سوية أو مختلة. سأعطي مثالا واحدا لأقرب الصورة للقراء، فعدد المراهنات في مباراة واحدة لدوري عصبة الأبطال الأوروبية قد يصل إلى 200 نوع، تضم سلسلة متنوعة من المراهنات قد تذهب مثلا من المراهنة على عدد البطاقات الصفراء التي سيتحصل عليها لاعبو هذا الفريق أو ذلك خلال شوط واحد فقط، إلى لون لباس الحكم أو الحكام المساعدين. * انزلاقات المراهنات لا تتعلق فقط بتبييض الأموال والتلاعب في نتائج المباريات، بل تمتد إلى المراهن العادي. ماذا تعدون كآليات لتحسيس المراهن بخطورة الرهان المشبوه أو المبالغ فيه ؟ ** أول الأخطار التي تهدد المراهنين تتعلق بالأدمان، ومن هنا ننبه إلى ضرورة التقيد بالمبادئ الصارمة للمراهنة النظيفة، كما هو الحال في المغرب مثلا، حيث القوانين الصارمة ضرورية للعب الجاد والنظيف. المغرب مثلا يستفيد من معطى آخر في هذا الباب، حيث أنه يتوفر على شركة رهان رياضي واحدة، وبالتالي فمراقبتها تصبح عملية سهلة للغاية، بخلاف ايطاليا مثلا حيث توجد أكثر من 1000 شركة للمراهنة. إذا الدول الآن توضع أمام مسؤولياتها في الرغبة في الحد من المراهنات المشبوهة من عدمها، إذ يجب التعامل مع مسألة الرهان الرياضي بالكثير من الحزم والذكاء. يجب التوصل إلى توازن بين العرض والطلب، فالألعاب يجب أن تكون مثيرة وجذابة لأنه في حالة العكس سيتجه المراهنون نحو عروض أخرى قد تكون خطيرة، كما أن هذه الألعاب لا يجب أن تكون مثيرة للغاية، لكي لا تتسبب في الإدمان ولكي لا تغري مافيات التلاعب وتبييض الأموال بالدخول فيها. علينا أن نعرف مثلا أن مثل هذه الثغرات أغرت العديد من المافيات العالمية على إنزال الأموال في المراهنات الرياضية لدرجة أن المال المستثمر في المراهنات الرياضية في العالم يقدر ب 10000 مليار درهم، حوالي 85٪ منها يأتي من مصادر غير معروفة أو مشبوهة، ما يعادل الناتج الداخلي الخام لدولة متقدمة ككوريا الجنوبية مثلا. الجزء الأكبر من هذه الاستثمار المشبوه يأتي من آسيا، حيث تقدر مساهمة هذه القارة ب 60 في المائة من سوق المراهنات الرياضية، فيما أصبحت أوروبا أيضا ملعبا مشبوها للمافيات المتخصصة في المراهنة الرياضية المشبوهة، حيث تقترب النسبة من 50 ٪ في سوق التلاعب بنتائج المباريات. الخبير كريستيان كالب رفقة يونس المشرفي المدير العام للمغربية للألعاب أثناء إجراء الحوار مع أحداث.أنفو والأحداث المغربية * هل يمكن التحكم في انزلاقات المراهنات الرياضية في عصر الانترنيت والتطور التكنولوجي الذي يسمح بالتسلل إلى كل المجتمعات وكل الأفراد تقريبا في العالم اليوم ؟ ** يجب الاعتراف بأنه ليست هناك طرق أو أساليب مثلى في مواجهة هذا المد، لكن هناك بعض التقنيات التي قد تمكن من تعقب المضاربين ومافيات المراهنة الرياضية. مثلا في أمريكا الأبناك صارت ملزمة بتقديم بيانات دورية لكشف الحسابات البنكية بما فيها الخاصة أو السرية للسلطات. هذا الإجراء قد يمكن من الكشف عن مصادر وصيرورات الأموال غير معروفة المصادر أو المشبوهة. هناك خمسة دول في العالم نعتبرها مثالية في التعامل مع الرهان الرياضي عموما، هي المغرب وتركيا وسنغافورة وكندا وكوريا الجنوبية، لأنها تفرض قيود صارمة على هذه الممارسة بشكل يجعلها تتفادى الانزلاقات المذكورة في هذا الشأن. * كيف يمكن للمغرب تطوير الممارسة دون السقوط في هذه الانزلاقات ؟ ** أنتم في المغرب لديكم مثال جيد للمراهنة الرياضية النظيفة، وربما لتطوير الممارسة أنصح برفع نسب الربح قليلا للمراهنين، حيث تظل اليوم في المغرب في مستويات عادية أو أقل. هناك مبدأ في المراهنة الرياضية يسمى «نسبة الربح للمراهن» وهي نسبة تعني قيمة الربح التي يمكن لمراهن الحصول عليها في كل مراهنة. في جبل طارق مثلا أو اسبانيا أو آسيا قد تصل نسبة الربح هذه إلى ما بين 95 و 99 ٪ من قيمة المراهنة، أي أنه مثلا أمام كل مراهنة ب100 اورو فإن هامش الربح المضمون يترواح بين 95 و 99 أورو وهي نسبة تعتبر عالية جدا، مقارنة مع فرنسا التي تصل فيها هذه النسبة إلى ما بين 80 و 95 في المائة. في المغرب النسبة لا تتجاز 57 في المائة وهو ما يعني أنكم في المغرب مازال أمامكم هامش من الاتساع في رفع نسب الأرباح لدى المراهنين قد تصل إلى 70 في المائة دون أن يشكل هذا أي خطر على سلامة المراهنة الرياضية في البلاد . « جنون المراهنات في كرة القدم وصل في مبايريات عصبة الأبطال الأوروبية إلى 200 رهان عن المباراة الواحدة، تمتد من من المراهنة على عدد البطاقات الصفراء التي سيتحصل عليها لاعبو هذا الفريق أو ذلك خلال شوط واحد فقط أو عدد الركنيات، إلى لون لباس الحكم أو الحكام المساعدين »