كان يصرخ، يستغيث، يتألم. وصل أنينه إلى آذان وقلوب الجيران والمارة. غادر البعض منازلهم، وهب عدد من العابرين لأزقة القريبة إلى مصدر الصوت المذعور. أول مشهد اخترق أبصارهم، تسرب أدخنة سوداء خارج نافذة شقة بالطابق الأول لإحدى العمارات السكنية بحي أناسي بالدار البيضاء. كانت الساعة تشير حينها إلى حوالي الحادية عشر من صباح أمس الثلاثاء، عندما أثار انتباه ودهشة كل من حضر إلى مكان الحريق، أن هناك طفل يصارع الموت تفحما، وهو محاصر بين بأس اللهب وسياج حديدي لنافذة مطلة على الشارع. بكاءه وفزعه ووجعه، لم يتركوا خيارا لكل من كانوا شهودا على هذا المنظر الرهيب، أن يبقوا مجرد متفرجين. سارع بعضهم إلى نجدته بالوسائل المتاحة، حيث استعمل شبان من أبناء الحي، بشكل بطولي، سلما للوصول إلى الطفل العالق خلف سياج النافذة، وبعد جهد ومقاومة للأدخنة ولهيب النار، تمكنوا من تحرير جسده الواهن، لكنه للأسف كان مثخنا بحروق بليغة، استدعت نقله في حالة حرجة إلى المستشفى الجامعي ابن رشد. فحسب شهادات من عين المكان، فإن ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين عشر وأربع سنوات، كانوا داخل شقة أسرتهم، حيث غابت عنهم أمهم لقضاء غرض، لكن بشكل مفاجأ حاصرتهم النيران، التي اندلعت في بادئ الأمر بالمطبح، لتمتد ألسنتها لباقي مرافق البيت. هول الحريق دفع بالابن الأكبر إلى حمل أخيه الصغير والفرار إلى خارج المنزل، بينما حاصرت النار المستعرة والدخان الخانق الضحية ذو الست ربيعا، الذي حاول الإفلات بجلده من الاحتراق باللجوء إلى إحدى النوافذ، ليجد نفسه سجينا خلف سياج حديدي. وقد حضر عناصر الإطفاء بعد ذلك، وطوقوا النيران بخراطيم المياه قبل أن تنتقل إلى الشقق المجاورة، غير أن قوة الحريق حولت أغلب أثاث الشقة ومحتوايتها إلى فحم ورماد. سعيد لقلش