يعتقدون أن زواجهم سيدوم في السراء و الضراء، لكن حالات الضراء تكشف ضعف العلاقة، وتملص الأزواج من تحمل وضعيات جديدة يفرضها القدر على زوجات غيرت الحوادث معالم أجسادهن، لتتغير معها قناعات الزوج بخصوص زوجته، ويصبح قرار الفراق الذي يتخذه الزوج بطريقة فردية، سببا في زيادة معاناة زوجات يؤكدن أنهن ما كن ليتخلين عن أزواجهن في محنهم. جميلة التي كانت لحدود بلوغها سن السابعة والأربعين اسما على مسمى لم تعد كذلك، بعد أن انتهى بها المطاف مشوهة الملامح إثر تعرضها لحادثة منزلية، حيث يستبعد في الغالب عن ذهن كل امرأة إمكانية تعرضها لمكروه داخل مملكتها. جميلة لم تعد جميلة تقول جميلة أنها قصدت المطبخ كعادتها من أجل تحضير وجبة الغذاء، لتستعين بطنجرة الضغط التي اعتادت استخدامها بالرغم من العطب الذي يلحقها في كل مرة، لكن طريقة جميلة الترقيعية في إصلاح الطنجرة، جعلها لا تكترث لسلامتها اعتقادا منها أن عطب غطاء الطنجرة ليس بالشيء الذي يستحق الاهتمام. لكن لا مبالاة جميلة انتهت بها شبه جثة بقسم المستعجلات بعد أن انفجرت طنجرة الضغط لترتطم عدة مرات بجسدها. كانت تعلم أن إصابتها بليغة لكن ليس بالقدر الذي سيطمس جل ملامح وجهها، ويصيبها بحروق في قدميها وبطنها. تعرض فك جميلة للكسر، إضافة للحروق التي غطت وجهها مما قلص بشكل ملحوظ اللحم الذي يكسو وجهها، ليصبح الجانب الأيمن من وجهها أشبه بالجمجة المكسوة بنسيج مرهف، مع تشوه تام في شكل الأنف. لم تكن جميلة تنتظر مطالعة وجهها في المرآة لتعلم تعقد حالتها، إذ كانت دموع والدتها وباقي أفراد أسرتها كفيلة بتهيئتها من أجل تقبل واقعها الجديد، «كنت نتمنى نموت من شدة الألم اللي كنت كنحس بيه، وملي خرجت تخبيت في الدار ومبقيت باغية حتى شي واحد يجي يشوفني»، تقول جميلة بعد أن أصبحت على دراية بحقيقة ملامحها الجديدة التي غيبت عنها ملامح زوجها الذي غادر البيت بالتزامن مع خروجها من المستشفى. جميلة كانت تعلم أن زوجها لن يتقبل الوضع، «لأن جمال وجهي هو الذي شده إلي في بداية علاقتنا، كما أنني كنت أعلم جيدا مدى تقززه عند رؤيته لبعض الندوب على أجسام الناس»، تقول جميلة التي كانت تعلم أن حالتها أكثر تعقيدا من الندوب، وأن زوجها لن يتقبل وضعها الجديد. لم يفلح بعض المتدخلين من أفراد الأسرة في إقناع الزوج من أجل العودة للمنزل احتراما لمشاعرها، لكن الأمر كان أكبر من أن يدفع الزوج لتبني موقف إنساني يخفف عن الزوجة آلامها النفسية. «كان يكتفي بزيارة خاطفة لرؤية أبنائنا وتزويد والدتي بمصروف البيت، ويستفسر عن حالتي دون أن يبدي رغبة في رؤيتي»، ليس الزوج فقط من زهد في وجه زوجته، بل جميلة نفسها فضلت الانزواء في غرفتها، و”عافت” رؤية وجهها في المرآة بعد أن لاحظت أن آثار الذعر تتلبس بملامح ابنها الأصغر الذي كان يكتفي بالنظر من بعيد. انمحى ألم الحريق بعد مرور سنوات، لكن ألم التخلي الذي لم يترجمه الزوج بعد مرور كل السنوات إلى طلاق، لم ينمحي بعد، ليكتفي بالابتعاد النهائي مع حفاظه على رابط الزواج، والتزاماته المادية اتجاه الأسرة.« لن أسامحه لأنه تخلى عني في محنتي، لأشعر بالوحدة والضعف، كما أنني لم أكن لألزمه بالعيش معي وأنا نفسي أعاف رؤية نفسي في المرآة، لكن بقاءه لجانبي في البيت كان ليشعرني بنوع من الرضى». مابقيانش صالحين لبعضياتنا كانت ملامح جميلة المشوهة تغني الفضوليين عن الاستفسار لمعرفة سبب تخلي زوجها عنها، لكن في حالة نزهة يبدو الأمر غريبا بعض الشيء حين الوقوف أمام امرأة شابة لم تغادر النضارة وجهها ذو الملامح المتناسقة، لكن ما سترته الثياب، تكشفه الكلمات التي استنفرها الحديث عن غدر الأزواج، « الرجال كلهم ماركة وحدة، إلى كان فيك الضو يبقاو معاك مزيانين، ولا غدراتك صحتك يلوحوك»، تقول نزهة التي استرسلت بدون مقدمات لتخفف من آلامها في جلسة نسائية عابرة بإحدى الحدائق العمومية. مشكلة نزهة بدأت حين أصيبت بإحدى الأمراض الجلدية لتجد نوعا من الصد من لدن زوجها الذي أصبح يتحاشاها، قبل أن يفاتحها بمسألة أن يستقل كل واحد منهما بغرفته. لم تجد نزهة مهربا من أن تتقاسم الغرفة مع أبنائها، بحجة الرطوبة التي غزت غرفة نومها، ومنعتها من النوم “الهانئ”. اعتقدت نزهة أن الأمر سيقف عند هذا الحد، لكن زوجها فاجئها في اللحظات التي كانت تعمل فيها على لملمت كرامتها المجروحة، ليطلب منها التخلي عن مهمة إعداد الطعام، « رغم محاولاتي كي أشرح له أن حالتي ليست معدية، إلا أنه كان يكتفي بهز رأسه أثناء كلامي ليقرر فعل ما يشاء في النهاية». لم يعد الإقصاء داخل المنزل كافيا لطمأنة الزوج بخصوص حالة زوجته، ليقرر مفاتحتها في إمكانية التحاقها ببيت والدتها إلى أن تشفى نهائيا من مرضها. رفضت نزهة الإذعان لفكرة زوجها، «لأن الزوج لا يقرر إبعاد زوجته عن المنزل إلا في القرارات المصيرية التي يتخذها بمفرده، وهي في الغالب قرارات صادمة» تقول نزهة التي لم يفلح حذرها من ثني زوجها عن القرارات التي اتخذها بينه وبين نفسه. «ابنت الناس مابقيانش صالحين لبعضياتنا»، تقول نزهة وهي تتذكر عبارة زوجها الحاسمة، التي تنقلها من خلال وصف هيئته وهو يتهرب من مواجهتها، «كان يضع عينيه في الأرض...الغدار». دافعت نزهة باستماتة لتقنع زوجها أن الكثير من الأزواج يمرون بمشاكل أكثر قسوة، وأن الأمر مجرد حالة صحية عابرة، «لو كنت مكانك لما تخليت عنك» تردد الزوجة جزءا مما دار بينهما بحرارة وكأنها تستحضر وجوده. لم تفلح في إقناعه لتجد نفسها مجبرة على التعايش مع لقب المطلقة المريضة التي هجرها الزوج بعد أن زحف المرض الجلدي على جزء كبير من جسدها. ما تتمناه اليوم نزهة لزوجها هو تحقق انتقام الأقدار، « أدعو الله أن يبتليه بما ابتلاني به، لكي يجد نفسه وحيدا»، تقول نزهة التي ترفع رأسها باعتزاز، «على الأقل أنا لقيت ولادي ودارنا اللي اهتمو بيا، أما هو غادي يلقى راسو مليوح، والناس عايفة تقرب ليه»، تقول المرأة بثقة غريبة وكأنها اطلعت على جزء من الغيب... فقدت ساقها وزوجها داخل المسجد، تقصد الحاجة مكانها القار كل جمعة، وهي تستند لعكازيها. حين تنتهي الصلاة لا تتوانى المرأة عن رفع كفيها للسماء من أجل الدعاء على من ظلمها، يعرف المقربون جيدا هوية الظالم، تماما كما يعرفون النشاط والحركة الدؤوبة التي كانت عليها المرأة قبل أن ترغمها الأقدار على استعمال عكازين يستحيل عليها الحركة في غيابهما، بعد أن بترت رجلها حين تعرضت لحادثة سير. استغرب المحيطون تماسك المرأة بعد فقدان جزء من جسدها، لكن قوة الحاجة سرعان ما تهاوت حين تخلى عنها زوجها الذي رأى فيها شبه عاجزة، « آش بغا يدير بمرا ولات عندها رجل ديال البلاستيك»، تقول الزوجة التي تحاول إيجاد تبريرات مقنعة بعد أن تخلى عنها الزوج، مؤججا ما تعتبره شماتة الشامتين، لتنزوي بعيدا عن المعارف وتلتحق بمنزل أحد أبنائها. ما يحز في نفس الحاجة أن زوجها خبر جيدا معدنها حين وقفت لجانبه في العديد من الأزمات، ولم تتخلى عنه أثناء مرضه حين أجرى عملية جراحية على مستوى المثانة، وكذلك على مستوى القلب. خلاصة القصة بالنسبة للحاجة أن الزوجة لم توجد لتمرض، بل وجدت لتحمل تبعات مرض زوجها، وامتصاص غضبه ومزاجيته أثناء الضعف الذي يعتريه في حالات المرض، « أما هي النهار اللي تمرض، غير تجمع حوايجها قبل ما يلوحهم ليها في الزنقة...» تقول الحاجة. سكينة بنزين