تضع المجتمعات المحافظة موضوع الجنس في خانة رمادية، بالكاد تتغذى على ومضات، تبقى غير كفيلة بتبين ملامح هذه الممارسة، التي وضعها التراث الديني في إطار العبادة، ليبرز الموقف المتناقض بين نص شرعي أكثر انفتاحا، مقابل نظرة تتسم بالارتباك، يتبناها مجتمع يوصف بالمسلم. قد يوحي الكثيرون أن آخر شيء يفكرون فيه هو الجنس أثناء رغبتهم في الارتباط، لكن شرح وجهات نظرهم توحي بالعكس، وتظهر أن الجنس المسكوت عنه، يتصدر اللائحة عند التفكير في اختيار الشريك. الجنس أولا فاطمة زوجة شابة مضى على ارتباطها بضعة أشهر، لكنها تفكر جديا في إنهاء علاقتها، بعد أن اكتشفت أن زوجها مصاب بداء السكري، وأن حالته الصحية تؤثر على حياته الزوجية. تفكير فاطمة في الانفصال مرده تعنت زوجها في عدم الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية تتهدد حياتهما، إضافة إلى عدم إخبارها بحقيقة مرضه قبل الارتباط. لا تنكر فاطمة أن زوجها كان يلمح للموضوع أثناء فترة التعارف القصيرة التي سبقت موعد الارتباط. « كان يخبرني أن العلاقة الروحية أسمى من العلاقة الجسدية»، تعبير لم تتمكن من فهم مغزاه إلا بعد إتمام مراسيم الزواج. لتجد أنها تعرضت لشيء من الخداع. تعترف فاطمة أن قرارها كان سيختلف لو علمت بمرض الزوج، «لأنني عشت ما يكفيني من التوتر قبل الزواج، ولا أريد أن أكمل ما بقي من حياتي رفقة رجل يفرض علي التضحية»، تقول فاطمة التي ترى أنها تتخبط داخل مصيدة من صنع الزوج. الغريب في الأمر أن الزوجة الشابة لا تتردد في ذكر مجموعة من الخصال التي تميز زوجها، غير أن قناعتها ترجح كفة الجنس على حساب كفة تعج بأحاسيس من الاحترام، والحرية، والعمل على توفير جل المتطلبات. قرار الانفصال الذي تلوح به الزوجة، يصطدم بالتخوف من مصارحة العائلة، التي لن تتأخر في طرح السؤال عن حقيقة الفشل السريع للعلاقة. لكن رغم التخوف تصر أنها ستتغلب على الأمر في حالة قبول الزوج إنهاء الأمر بطريقة ودية. علاقة غريبة تتبين ملامحها حين تستمر فاطمة في سرد معطياتها، مد وجزر بين الزوجين، والكثير من المزاجية التي تدفع الزوج لاتخاذ القرار، ونقيضه في نفس اليوم. «لم يتردد في الكثير من المرات في إبداء تفهمه، وموافقته على الانفصال، لكنه يتراجع عن قراره، بدعوى أنني متسرعة». الزوجة الثانية تملأ الخانة لم تتبين بعد معالم النهاية التي ستؤول إليها قصة فاطمة وزوجها. لكن بالنسبة لنجاة الأمور عرفت طريقها نحو الاتجاه الصحيح بعد رحلة من المعاناة الجسدية والنفسية. لم تكن نجاة المفعمة بالحياة، تعلم أن المستقبل سيسرق منها سحر الماضي. عاشت الزوجة والأم لطفلين رفقة زوجها حياة طبيعية، لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب بعد تعرض نجاة لحادثة سير، دخلت على إثرها في غيبوبة استمرت لأسابيع داخل إحدى المصحات بقطر. بعد أن استفاقت من الغيبوبة، بقيت حبيسة المستشفى لأشهر بسبب عجزها عن الحركة، واحتباس نسبة السوائل بدمها، مما زاد من وزنها. إضافة إلى ظهور مجموعة من المشاكل الصحية التي جعلت منها شبه جثة. بعد خروج نجاة من المستشفى، وعودتها للمغرب، كانت عاجزة عن توفير الرعاية لنفسها، وأسرتها، إضافة إلى عزوفها عن ممارسة حياة زوجية طبيعية، بعد أن أصبحت وظائف جسدها شبه معطلة، وهي تنتقل من عملية لأخرى، ومن علاج لآخر. كانت نجاة تعلم أن زوجها لا يحتاج لمساعدة في تربية طفليه فقط، أو لمدبرة بيت تسد الفراغ الذي خلفه حضورها المغلف بالغياب. لكن الزوج بحاجة لامرأة تشاركه حياته، وتلبي رغباته الجسدية. فكرة نجاة لم يكن مردها رغبة في التضحية فقط، لكنه نوع من المساومة التي تضمن لها البقاء في ظل مؤسسة لا تؤمن بالوجود النظري للمرأة العاجزة عن تلبية رغبات زوجها. كان الحل مثاليا للزوج الذي تمكن من اختيار زوجة ثانية، لتعيش نجاة في الظل، بعد أن سقطت من ذاكرة زوجها رغم ارتباطهما الموثق على الورق. زواج مع وقف التنفيذ إذا كان سبب العجز الجنسي لنجاة، وزوج فاطمة مرده لحواجز صحية، فإن أمينة وقفت حائرة أمام زوجها، قبل أن تلجأ إلى والدتها، كما هو الحال في العديد من المشاكل المشابهة التي تعد فيها الأم مرجعا موثوقا، حتى لو كانت مرجعا ينهل من ينابيع الجهل، والشعوذة، والخرافة. بالنسبة لأمينة كما شريحة واسعة من الناس، طقوس ليلة الدخلة غير قابلة للتسويف، إلا في حوادث عرضية، يتم تأويلها، وتحميلها فرضيات تفوق طاقة الحدث، كنتيجة للجهل التام بالتربية الجنسية الشبه مغيبة داخل المجتمع، إضافة إلى التوتر النفسي المصاحب للمقبلين على الحياة الزوجية. لم تحاكي أولى أيام الزواج الصورة التي تحملها أمينة في ذهنها، لكنها لم تفاتح شخصا في الموضوع، لتجد نفسها وجها لوجه رفقة زوج يكتفي بالتحديق من بعيد، قبل أن يباشر عملية تغييبه عن الوعي، من خلال تعاطي بعض أصناف المخدرات. تكررت فصول القصة بنفس الرتابة، لتجد أمينة نفسها مجبرة على مكاشفة والدتها في الموضوع. لم تستغرق المشاورات إلا دقائق معدودة، لتخرج الأم “الخبيرة”، بتشخيصها للحالة التي ربطتها بموضوع السحر. أعلنت حالة الاستنفار بين الأم وابنتها، بحثا عن العلاج بين الجدران المظلمة، حيث الشعوذة ومراسيم فك السحر، وإعادة الألفة والمحبة المفقودة بين الأزواج. جهد لم يؤت أكله، ليواصل الزوج حياته بنفس الوتيرة، مع بعض فترات التوتر التي تحاول فيها الزوجة التقرب من الزوج، ليقابلها بنوع من البرود واللامبالاة، وفي حالات أخرى ينفجر الزوج غضبا، أمام المحاولات التي يرى فيها نوعا من الحيل النسائية. لم تتقبل أمينة الفشل، لتعتقد أن محاولاتها ستحسب لها، وستلمع صورتها أمام زوجها في المستقبل، وفقا لنصائح والدتها. لكن النتائج كانت عكسية، ليزداد نفور الزوج. حاولت أمينة طرق باب علاج جديد عندما قصدت معالجا نفسيا، لكن تعنت الزوج في الاعتراف بالوضع الشاذ الذي تعرفه علاقتهما، منعه من تقبل فكرة زيارة مختص. حاولت أمينة من جهتها طرق باب الحوار، الذي تأكدت معه أن الزوج لا يرغب في التخلي عن تعنته، حين ربط الأمر بمشاكل في العمل تشوش تفكيره، إضافة إلى أن فكرة الزواج كانت من اقتراح والدته، وأنه كان مجبرا على القبول تحت إلحاحها. حاول الزوج جبر خاطر الزوجة، من خلال إقناعها بتميزها، وأن الأقدار أخطأت وضعها في الطريق الغير المناسب. مصارحة لم تغير من الأمر شيئا، ليقرر الزوج السفر نحو إيطاليا، على أن تلتحق به الزوجة في أقرب فرصة. لكن خطة الزوج عرفت تغييرا مفاجئا، حين وجدت أمينة نفسها أمام خبر طلاقها، لتصبح ضحية زواج مع وقف التنفيذ. بيت الأسرار يفضل الكثيرون دفن أسرار حياتهم الزوجية بين جدران غرفهم، لكن البعض يطفح به الكيل ليجد نفسه مجبرا على هتك ستر خصوصياته. لا أحد كان يتوقع أن زهور الزوجة الشابة التي تملأ الدنيا صخبا أينما حلت، كانت تمثل ببراعة دور الزوجة السعيدة التي تدفع البعض نحو تمني نفس الحياة السعيدة التي توحي بها الابتسامة المنحوتة على ملامح الزوجة الحسناء. المظاهر تبدو خادعة في الكثير من الأحيان. لم تتمكن السيارة الفاخرة، والانخراط بأحد أكبر الأندية بالدار البيضاء، والاستفادة من رحلات موسمية داخل المغرب وخارجه، من هدم الهوة التي يسببها فارق السنوات بين زهور الشابة، وزوجها الذي لعب دور الجد قبل الارتباط بها. رغبة زهور في الحصول على امتيازات مادية، جعلها لا تكترث لفارق السنوات، أو علها كانت تعتقد أن الأقدار ستقف لجانبها، لتأخذ الزوج الغني نحو دار البقاء، حتى تتمكن الزوجة الشابة من ترميم جرحها. عاش الزوج، وبدأ الموت البطيء يعرف طريقه نحو «زهور»، التي حاولت طمس معالم اضطرابها من خلال تقمص دور الزوجة السعيدة، التي تبادر بامتداح زوجها بمناسبة، وفي أحيان كثيرة بدون مناسبة، وكأنها تستبق إخراس الألسن قبل نطقها. لكن الأمور انقلبت بسرعة حين بدأت الوشوشات المصحوبة بالسخرية تصل إلى مسامع «زهور»، التي علمت أن الجارات يتناقلن حكايات زوجها اللاهث خلف خلطات تعيد له الشباب. انتقل التوتر داخل بيت «زهور» التي لم تتردد في وصف معاناتها وهي شبه منهارة أمام بوابة إقامتها. لم يعد للأسرار مكان، والتقط الفضوليون ما يروي عطشهم، عن معاناة زوجة شابة ترى أنها أشبه بعاملة جنس تحاول تقديم خدمات، لبعث الروح في جسد منهك لم تجد معه التركيبات المجلوبة من صيدليات الخارج، مقابل حصولها على امتيازات مادية تجعل منها سيدة مجتمع. لقد وقفت الشابة متأخرة على وهم “المسلمات” التي تتحدث عن رجولة لا تشيخ. الجنس في لائحة القذارة وافقت «نعيمة» على الارتباط، بعد رفض غير مبرر لسنوات، لكن ليلة الزفاف كشفت المستور، حين دخلت العروس في حالة هيستيرية تلاها سكون صلب أطراف نعيمة لتتحول إلى ما يشبه التمثال. وقف الزوج وبعض أفراد أسرة العريسين حائرين أمام غرابة الموقف. لم تؤت الآيات القرآنية أكلها، والأدعية، لتبقى العروس في شبه غيبوبة. أول شيء تبادر لذهن الأم، تعرض الابنة لأحد أعمال الشعوذة. اضطرت الأم لقضاء الليلة رفقة ابنتها التي ظلت متسمرة على هيئتها حتى مطلع الصبح. فوجئت الأسرة بعودة النطق للعروس، التي طلبت على الفور العودة إلى بيت أهلها. لم تتأخر الأم عن إحضار “الفقيه”، الذي أعلن أن العروس تعرضت لسحر يمنعها من دخول بيت الزوج، وأن الفعل مرده للغيرة، وحسد الحاسدين. خضعت «نعيمة» لمجموعة من “جلسات العلاج” على يد الفقيه، ليعود توازنها، وتبدو أكثر ارتياحا عند زيارة الزوج. ارتياح ترجم على أنه بمثابة إبطال للسحر، مما استدعى عودة نعيمة إلى بيت الزوج، لتتفاجأ العائلة بتكرر الحادثة، ولأن “الفقيه” يمتلك قدرة خارقة على التشخيص، تم التوصل إلى أن نعيمة لا يمكن أن تكون زوجة لشخصين في نفس الوقت، باعتبارها زوجة لفرد من مملكة الجن، لذا كان لا بد من إخضاعها لطلاق ضمن بعض مراسيم الشعوذة، أمر لم يرق للزوج الذي أقنع زوجته بأن تعرض نفسها على مختص نفسي. زيارات نعيمة للمعالج النفسي، جعلها تتعرف على نفسها، وعلى بعض ترسبات الماضي حيث الجنس لا يغادر خانة الطابوهات، وحيث القصص عن الزيجات الفاشلة التي انتهت بالطلاق، أو بالفضيحة بعد اكتشاف الزوج أن زوجته غير عذراء، أو عن ردود أفعال تحيل على عدم الرضا بين الطرفين، تهيئات كثيرة كانت تسكن مخيلة نعيمة، إضافة إلى بعض الاعتقاد بقذارة الممارسة الجنسية، التي كانت ترى فيها نعيمة تلويثا للمشاعر العذرية. معطيات كانت تقف سدا مانعا، أمام بداية طبيعية لحياة زوجية كاملة. وقوف نعيمة على حقيقة هواجسها، إضافة إلى تفهم الزوج، ومشاركته في عملية العلاج من خلال تفهمه وعدم تسرعه، دفع بالأمور نحو النهاية الطبيعية. حزن الأم البدايات الطبيعية لا تحيل دائما على نهايات طبيعية، هكذا تبدو الأمور في قصة «سليمة» التي عاشت حياة زوجية طبيعية رفقة زوجها، حيث رزقت بخمسة أبناء. لكن تعرض الزوجة لصدمة نفسية بعد وفاة ابنها البكر، جعلها تدخل في نوبة حزن شديد. كان من الطبيعي أن يشعر الأب أيضا بالحزن، لكنه تمكن من تجاوز المرحلة، ليرغب في عودة الأمور إلى سابق عهدها، إلا أن الأقدار كانت أكثر قسوة بحق «سليمة» التي فقدت والدتها أيضا، ليحكم الحزن قبضته حولها. في خضم الحالة النفسية المهتزة التي كانت تعيشها «سليمة»، كان من الصعب عليها التفكير في حياتها الجنسية، الشيء الذي تسبب في شيء من التنافر بين الزوجين. تحول البيت لما يشبه فضاء للعزاء بعد أن توفيت شقيقة سليمة رفقة ابنيها في حادثة سير، لتزيد حدة توتر الزوج الذي رأى أنه وأبناءه أول المتضررين من حالة الحزن التي أصابت الزوجة. كانت الأمور تزداد تعقيدا كلما حاول الزوج معاشرة زوجته، لتتصدى له باللوم، والدخول في نوبة بكاء حزنا على من فقدت. أصبح الزوج أكثر صراحة حينما خير زوجته بين الخضوع لرغباته، وبين اللجوء للارتباط بزوجة ثانية. لم تمانع «سليمة» من الحل، لتجد فيه نوعا من التملص من واجبات ثقيلة، بعد أن أصبح وجود الزوج بالنسبة لها محفزا على المزيد من الحزن، بعد تملصه من دور المواسي. زوجة الناسك بالنسبة ل«ربيعة»، وجدت نفسها دون سابق إنذار مجبرة على التضحية، بالرغم من محاولاتها المستميتة من أجل الحصول على الطلاق، إلا أن تعنت الزوج أجبرها على البقاء، بالرغم من معرفة الجميع، أن ارتباط الشخصين، مجرد حبر على ورق منذ سنوات طويلة. كانت حياة الزوجين طبيعية، لكن ميول الزوج الدينية، جعله يميل للعزلة، ويفوض تسيير أعماله للزوجة التي كانت تسهر على تربية الأبناء، وتسيير الأعمال أثناء غياب زوجها الذي يستمر لأشهر يتفرغ فيها للعبادة بإحدى الزوايا، رفقة بعض المريدين. أصاب الشلل الحياة الجنسية للطرفين. كان الأمر اختياريا بالنسبة للزوج الذي لاحظت الزوجة أنه يزداد بعدا عند كل عودة، أما بالنسبة للزوجة الشابة فقد كان الأمر اضطراريا، وهي تحاول مسايرة الزوج اعتقادا منها أن الأمر مجرد عزوف مرحلي. لم تتأخر ربيعة عن مناقشة الأمر مع الزوج، بعد أن تبين لها أن الأمور وصلت للباب المسدود، لكن النقاش كان عقيما، وقد كانت ربيعة تتلقى المؤاخذات من جهات متعددة، وتلام عن رغبتها في الطلاق ركضا خلف رغباتها الجنسية. كان الزوج ينصح ربيعة بأن تركز اهتمامها حول تربية الأبناء، وأن تدفن رغباتها التي لا تليق بأم وزوجة صالحة. لا يقبل الزوج مناقشة الأمر، ولا حتى الوقوف على تشخيص الحالة، ليكتفي بمحاولة إقناع زوجته أن الحياة تحمل في طياتها أمورا أسمى وأهم من الجنس، خاصة بعد الحصول على أبناء. حاولت ربيعة أن لا تخل بواجباتها كأم، لكنها في الوقت نفسه استماتت في طلب الانفصال، أو الدعاء بأن تنعم عليها السماء بحمل لقب أرملة. سكينة بنزين