ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يختار المغاربة المناسبات الدينية لممارسة طقوس الشعوذة؟

رغم المحاولات المستمية من أجل اختراق عوالم اللاممكن، لاعطاء تفسيرات علمية لظواهر كان الانسان القديم يضطر لنسج أساطير حولها حتى يرضي غروره المعرفي، ويغالب ضعفه البشري، ليؤكد أنه يعرف كل شيء، بقيت الغلبة للخيار اللاعلمي واللامنطقي، لينجرف العديد من الناس خلف الوهم والخرافة، بحثا عن حلول سحرية تشمل الصحة، والبحث عن الشريك، والتخلص من الحظ العاثر الذي يقف حجر عثرة أمام الكثيرين، وفي صورة سمتها التضاد يلجأ الكثيرون لممارسة طقوس الشعوذة في أوقات يجمع الكل على قداستها، وعلى وقوفها موقف المانع المحرم لتلك الممارسات، ومع ذلك يتم القفز على هذا الحكم الشرعي، ليجتهد كل شخص في إعطاء تبريرات، تجعل من الحرام حلالا.
تجمع المصادفة الغريبة بين النقيضين خلال كل مناسبة دينية، قد يبدو الأمر غريبا ومستبعدا بالنسبة لفئة تعتبر مثل هذه المناسبات فرصة للزيادة في الطاعات، دون أن يخطر لها على البال وجود نوع من الممارسات ذات الطابع الغرائبي، والتي لا تراعي ما يفترض أنها أوقات تحاط بهالة من القداسة، لكن فئة أخرى تتحدث عن الأمر بطريقة توحي بمشروعية الممارسة، «راه الله كيقول سبب أعبدي وأنا نعينك».
* السحر “الحلال”
هكذا تدافع خديجة عن قناعة غير قابلة للنقاش، فالعبارة التي ترددها بمثابة بطاقة مرور تضمن لها الدخول للعالم الممنوع، دون تحرج، ودون تردد في استعراض معلومات يبدو أن جهابذة علوم الدين، والتاريخ لم يتوصلوا لها بعد، «راه سيدنا داوود وسيدنا سليمان كانو كيحكمو في الجنون». هي ذي العبارة التي تحاول من خلالها خديجة انهاء ما تعتبر معركة كلامية لصالحها، فبالنسبة لها لا فرق بين نبي مارس سلطته على الجن، و بين مشعوذ عقد صفقة مع الجن، أو لعل الجن من اختاره ليكون “الممثل الرسمي” له في عالم المرئيات. تعتبر خديجة مجرد السؤال عن ماهية هذه الممارسات، أمرا شاذا، فهي بمثابة وصايا الجدات، التي تنتقل عبر الوشوشات، من أجل المبالغة في السرية بخصوص الاحتفاظ ببعض الجزئيات التي ترفع من مستوى مردودية الوصفة. لكن ماذا بخصوص نساء لم يسبق لهن السماع بمثل هذه الطقوس، «هن لا يستحقن حمل صفة امرأة»، هكذا تقيم خديجة الوضع بنبرة الواثق، لتستعرض بحكمة المجرب أهم الأوقات التي تؤتي فيها الوصفات أكلها.
عيد الأضحى، عاشوراء، ليلة القدر، يوم الجمعة، الفترة الممتدة ما بين العصر والمغرب، الليالي المقمرة...لا يتعلق الأمر بجدول زمني لأحدى الناسكات العابدات، وإن أوحى الأمر بذلك، لكنها الأوقات المثالية التي تقول خديجة أن الله «كيجيب فيها التيسير، حيت باب العرش كيكون مفتوح».
ماذا لو كانت احدى وصفات خديجة يهتز لها عرش الرحمان؟ تساؤل لا تستسيغه المرأة، لأنها لم يسبق لها أن فرقت بين زوجين، مشهد يحيل على دور الساحرة الطيبة كما تصوره الأفلام الكارتونية، وكما تصوره وصفاتها”البسيطة” التي تحتفظ بجزء منها لنفسها، وهي تقدم مساعداتها للصديقات والقريبات، خلال مناسبة العيد من أجل تقوية رابط العلاقة بين الزوجين، أو من أجل الحصول على زوج. تتم الاستعانة برأس الأضحية وقلبها، من خلال إضافة بعض المواد التي تقول أنها غير مؤدية، ويمكن للزوجة أن تتناولها رفقة الزوج، لأن الغرض منها توثيق العلاقة. أما الراغبات في أن تكون كلمتهن العليا داخل مؤسسة الزواج فيلجأن لأذن الأضحية وبعض من دمها. نصائح لا تبتغي منها خديجة “سوى وجه الله” وكلمة «الله يرحم الوالدين».
* وصفة القدر خير من ألف شهر
يبقى كلام الله هو الأكثر حضورا في كلام المتاجرين بوهم الشعوذة الشائعة في المناسبات الدينية، كنوع من الاستغلال للجهل الذي تعرفه نسبة كبيرة من النساء. سميرة ذات السابعة والعشرين أم لطفلين، تتغير ملامحها ذات اللمحة الساذجة حين الكلام عن السحر، لأنه من المحرمات التي تغضب الله، «هذا ما ربتنا عليه والدتنا»، لكن الاسترسال في الكلام يثبت أن الأمور بخواتيمها، فسميرة لم يخطر لها على بال أن اللجوء لبعض أنواع البخور، واذابة بعض الأوراق المحتوية على طلاسم “السي الفقيه” من أجل مناولتها للزوج، تعتبر من باب السحر، لأن الأمر في عرفها يرتبط بالأذية، وهي تعتزم تقوية الروابط فقط. ممارسات تقول سميرة أنها ليست سحرا بالمرة، لأنها ترفقها بتلاوة القرآن و بعض الأدعية، مستغلة قدسية ليلة القدر«حيت هذه ليلة عظيمة عند الله» ، تقول سميرة التي ترى أن المناسبة فرصة لجلب الرزق، والصحة لأبنائها الذين يصادف مرضهم كل ليلة قدر. تصر سميرة أن ما يكتب على الورق مجرد آيات قرآنية مكتوبة بماء الزعفران، تليق وروحانية ليلة القدر.
*كسكس بنكهة الموت
روحانية تفرض نوعا من الطقوس التي يشكل الكسكس أهم ضيوفها. فالكثير من الأسر لا تستغني عن هذه الوصفة في ليلة السابع والعشرين من رمضان، وبالنسبة لعشاق طقوس الشعوذة والممارسات الغرائبية، تشكل المناسبة فرصة سانحة، لتقديم طبق كسكس بأنامل محنطة، لا يتعلق الأمر بطقس فرعوني، لكنها من أحد أهم معالم الشعوذة، التي تقشعر لها الأبدان، نعيمة تتحدث عنها بنوع من المرارة الممزوج بالسخرية، بعد أن ربط مصيرها بمصير والدتها سيئة السمعة. «لا أحد كان يتجرأ على تناول الطعام بطريقة مباشرة في بيتنا»، ومع ذلك كان طعام الأم يجد طريقها للأفواه الغافلة، وقد كانت المناسبات الدينية التي يحضر فيها الكسكس كطبق رئيس فرصة لتذوق الوصفة المرعبة. «كانت والدتي تحتفظ بالذراع داخل صندوق بغرفة نومها» تقول نعيمة التي لا تعرف تفاصيل حصول والدتها على تلك الذراع، ولا عن سر التركيبة التي حفظت الذراع من التلف. لكنها تذكر أن والدتها كانت تخضع الذراع لمراسيم الحناء خلال كل مناسبة دينية، « كانت تخضب يدها بالحناء، ثم تقوم بغمس أنامل الذراع في الحناء، مع رسم بعض المثلثات المتداخلة وسط الكف»، مراسيم كانت تحرص الأم على عدم تفويتها عند دخول العشر الأواخر من رمضان، استعدادا لليلة الموعودة، حيث العمل يعادل جهد ألف شهر« كانت تعمل على استخراج اليد وشدها برباط معد من ثوب أحد الأضرحة، والذي تعتمد على تغييره سنويا، بعد الراسيم المعروفة ب”كسوة السيد”» تصف نعيمة المشهد بدقة وهي تتحدث عن الكيفية التي تعتلي فيها يد والدتها اليد المحنطة، لتشرع في فتل الكسكس. تبقى الوصفة واحدة في جوهرها لكن نتائجها تختلف باضفاء بعض التغييرات التي يعلمها الراسخون في هذا المجال. يمكن للوصفة الشيطانية التي تعد في الليلة الروحانية أن تؤدي الى طاعة الزوج العمياء، كما يمكن استغلالها في احلال لعنة أبدية تمنع الشخص من الارتباط، إضافة لظهور بعض أعراض الجنون على الضحية.
تستمر طقوس الشعوذة المرافقة لليلة القدر، حتى مطلع الشمس، حين يعمد البعض لزيارة المقابر، ليس من باب الترحم على أموات المسلمين، ولكن من أجل دس بعض الأغراض التي سرقت في غفلة من أصحابها، أو سلموها بأنفسهم عن طيب خاطر وحسن نية، دون أن يخطر على بالهم المآل الذي ينتظر أغراضهم.
لا ينفع حذر من قدر
على عكس الغافلين، هناك أشخاص يحاولون حماية أنفسهم من خطر الشعوذة، لذا يرفعون درجة الحذر، لكن لا ينفع حذر من قدر في كثير من الأحيان، وجل المتخوفين ممن يعتقدون بخطورة تزامن سلوك الشعوذة و المناسبات الدينية، هم ممن عاين شخصا قريبا، أو أحد المعارف الذي عانى من تبعات تلك الممارسات. أمينة التي تقول أنها لم تكن تؤمن بتأثير الشعوذة، غيرت قناعتها منذ اصابة شقيقها بالعمى بعد أن تعرض عشية عيد الأضحى للرش بواسطة وصفة قوامها الأساس دم الأضحية. وصل الحذر بأمينة الى امتناعها عن الخروج بعد المغرب خلال المناسبات الدينية، كما أنها تؤكد حرصها على التحديق طويلا في عتبة بيتها، «حيت صاحبتي تخطات الدم ليلة العيد، أو ختي علقو ليها كتاب في الشجرة اللي حدا الباب ليلة سبعة وعشرين...» تستظهر أمينة كل القصص التي تجمعها منذ أصبحت تعتقد جازمة “بفاعلية” تلك الممارسات.
على نفس وتيرة الحذر الاستثنائي الذي يبلغ ذروته خلال المناسبات الدينية، تعمل ثورية الأم الشابة على تلقين ابنتها ذات التسع سنوات بعض التحذيرات التي تلقنتها على يد والدتها، « لم يسبق لي أن مارست الشعوذة، لكنني أومن بوجودها من خلال قصص المقربين»، تقول ثورية التي لا تتردد في أن تشك في نفسها خلال بعض المناسبات. أول ما تعلمته ثورية من والدتها،« مخصكش تقولي نعام الى سمعتي سميك ليلة القدر»، لأن الأمر حسب تبرير ثورية، يعود إلى مراسيم شعوذة تقوم من خلالها الساحرة بمناداة الشخص المقصود بالسحر، وبالرغم من بعد المسافة، يمكن للصوت أن يصل، وفي حالة التجاوب مع النداء، تقوم الساحرة باطباق قفل بين يديها مما يعيق المستهدف من مباشرة حياة زوجية طبيعية في المستقبل. من الأمور أيضا التي تقول ثورية أنها حذرة بخصوصها خلال عيد الأضحى، هناك رغبتها في التأكد من أن كل أجزاء الأضحية في مكانها، مثال ذلك أذن الكبش وعينه وقلبه، بحجة أ نها لا تثق في والدة زوجها وشقيقته.
من الأمور التي تحرص عليها ثورية أيضا، التنبه لملابسها حتى لا تستغل في إحدى أعمال الشعوذة، ومع ذلك تشير أن خبث بعض النساء يفوق الخيال، حيث تمكنت احداهن من الحصول على بعض ملابس فتاة تنازعها قلب رجل، من خلال استغلال امرأة ثالثة توجهت نحو باب الضحية متقمصة دور متسولة. قصص ترى فيها ثورية مسوغا لشكها المفرط، قبل أن تستدرك نصائحها بالحديث عن الأضافر، وشعر الرأس، التي يجب الانتباه لطريقة التخلص منها خلال فترة عاشوراء.
*جمعة التابعة
من الأمور التي يحرص البعض عن التخلص منها، هناك” التابعة” التي ترتبط في ذهن الكثيرين بسوء الطالع الغير مبرر، الذي يعيق سير الأمور على مستويات مختلفة، سواء من الناحية العاطفية، أو الفشل الدراسي، أو التأخر في الزواج، وحتى في العمل. وكثيرا ما ترد هذه الكلمة على سبيل المزاح في حوارات المغاربة دون الالتفات لحقيقتها بالتحديد، لكنها تعتبر مرادفا لعائق غير مبرر. ولأن سوء الطالع هاجس يثقل نفسية الكثيرين مما يجعلهم حريصين على إيجاد حلول سريعة، فقد توافق أهل الطقوس الغرائبية على اختيار مناسبة دينية تتكرر كل أسبوع، فكان الاتفاق على الجمعة، التي يبدو أن المغاربة توافقوا عليها قبل أن تصبح موضة الربيع العربي. إنها “جمعة التابعة” فرصة للتخلص من سوء الطالع، باستغلال الهالة القدسية التي تتصف بها الجمعة. وإذا كانت شريحة من المغاربة لا تولي للأمر اهتماما، وبالتالي لا تعلم بوجوده، فإن البعض تعود على طقوسها التي تزكم الأنوف باعتماد مجموعة من الأعشاب والوصفات التي يتم التخلص منها في مراسيم من الحرق على فحم “المجمر”، أو من خلال التوجه للبحر يوم الجمعة من أجل التخلص من بعض الملابس بحثا عن بداية جديدة. ويتم الاعتماد على الرقم سبعة لما له من هالة قدسية في أذهان الناس، حيث يطلب من الفتاة الباحثة عن الزواج، التعرض لسبع موجات. لكن أمواج الشاطئ لا تعد دائما ” بصيد العرسان”، حيث يشير البعض أن النساء أو الفتيات الراغبات في الحصول على شعر مميز وسريع النمو، يمكنهن التعرض لسبع موجات، وانتظار نتائج تفوق الوصف. وقد كان لنجية التي ذهبت للبحر رفقة ابنتها قصة تفوق الوصف كما تحكي شقيقتها، حيث اتجهت الأم رفقة ابنتها بعد أن رغبت في حصولها على شعر مميز، قامت الأم بقص جزء من شعر ابنتها خلال عاشوراء كما نصحتها النسوة، ثم انتظرت يوم الجمعة لتدفن تلك الخصلات تحت جذع شجرة، ومن تم التوجه نحو الشاطئ لتعريض ابنتها للأمواج السبع. قبل أن تنهي الأم عدها انفلتت الصغيرة من يدها بعد أن فاجئتها موجة عالية، لم تتمكن المرأة من تعقب ابنتها التي تلاعب بها الموج كما القشة، لتنتهي جثة هامدة.
* مشاغبة السحر الأسود
بعيدا عن القصص الهادئة، والمصادفات التي لا تكترث للبحث عن كنه الأشياء، تعج حياة رجاء بأسئلة لا تنتهي. تلتقي حكايتها مع باقي النسوة في ممارسة الشعوذة، لكن الأمر معها لا يتوقف عند الممارسة، كما تقول الشابة الجامعية ذات الثقافة الانجليزية، والتي بدأت أولى لحظات تعرفها على طقوس الشعوذة في بيت جدها “الفقيه” الذي تقصده نساء من طبقات ميسورة، يتوزعن ما بين موظفات ومهندسات، ومسؤولات عن العلاقات العامة داخل مؤسسات وازنة، « جدي مكانش كيدير شي حاجة خايبه غير القبول وصافي». تعترف رجاء أنها لم تكن تكترث لعمل جدها التقليدي، بقدر ما كانت تستهويها كتب السحر الغربية، قبل أن تنتبه أن الوقت مسألة حاسمة في مسألة السحر، لتركز انتباهها على المناسبات الدينية التي ترى أنها تصادف أوضاعا فلكية دقيقة، أمر دفع الفتاة إلى الدمج بين ما تطالعه في الكتب الغربية، وبين الوصفات السحرية المتعلقة بالمناسبات الدينية، «حتى إذا لم تشتهر الوصفة بارتباطها بمناسبة دينية، لا بأس من تطبيقها خلال المناسبات الدينية»، تقول رجاء، التي ذهب بها الفضول وهوسها بعالم السحر والشعوذة، حد الاستحواذ على أحد الأقلام التي يستعملها “فقيه” من فقهاء الشعوذة. رجاء تنفي ممارستها للشعوذة، وتقول أن المسألة أشبه بالعلم، خاصة أن اختيار المناسبات الدينية، أو الجمعة يحتاج لمعرفة فلكية، ومعرفة بعلم الأرقام، وتضع الأمر في خانة الهوايات والمصلحة الشخصية. هواية غريبة تحتاج لحدس وبراعة وتوليفات دقيقة بين معرفتين متناقضتين «في ليلة القدر قمت بأول تجربة من خلال استعمال احدى الطقوس التي تعتمد الكتابة على الماء وقد كانت ناجحة جدا ومشجعة، وهو مازاد قناعتي بأهمية التوقيت في ممارسة هذه الهواية»، تقنية رجاء تعتمد وضع عدد من الكؤوس في دائرة تضم مثلثات متداخلة، ومن تم اعتماد بعض الطقوس التي تنتهي بتجمع الكؤوس وظهور حروف على الماء تقوم رجاء بتجميعهم واستخلاص المعلومات التي تريد، دون أن تتخوف من الطرف الخفي المسؤول عن تجميع الكؤوس، وكتابة الأحرف. رجاء مستمتعة “بهوايتها” التي لم تؤدي بها شخصا لحد الساعة حسب قولها.
*موسم العجلات المحترقة
بعيدا عن رجاء وهوايتها الغريبة، هناك من يدفع ثمن مثل هذه الممارسات دون أن يكون طرفا فيها. تفتخر فاطنة بطيبوبة ابنها ووسامة ملامحه، إلا أنها تستدرك» كان ليكون أجمل لولا تشوه جمجمته»، تشوه ترجعه فاطنة ليوم عاشوراء، حيث تكثر ممارسات الشعوذة، وقتها دخل الابن في نوبة بكاء شديد استمرت لمدة شهرين دون أن يكون هناك سبب واضح، رغم زيارة الطبيب. انتهى الأمر بزيادة حجم الجمجة بشكل غير طبيعي كما تقول الأم، والسبب في نظرها أنها لم تحترز كما نصحتها الجارات من أجل حماية الابن، « كان عليا نحرق طرف ديال البنو باش الولد ميتأترش بالسحور ديال العواشر»، تتأسف فاطنة التي ترى نفسها مسؤولة عن تشوه جمجمة الابن. لذلك تحرص الكثير من النساء على حماية أبنائهم من خلال احراق قطعة “كواتشو”، يحصلون عليها من اطار عجلات. وحدهن الأمهات يعلمن الرابط العجيب بين إطار العجلات، ورد السحر، ليبقى الأمر عصيا على الفهم أمام المتتبع لتفاصيل هذا العالم لأول مرة.
*شعوذة بصيغة المذكر
وعلى عكس الشائع في كون ممارسات الشعوذة ترتبط بالنساء فقط، نجد أن للرجال حصتهم في هذه الطقوس، حيث يعمد البعض إلى انتظار المناسبات الدينية، من أجل الاستفادة من خدمات المختصين “في عالم الغيبيات”. لا يتأخر الحاج الوقور على استغلال هذه الظرفية لاستقدام” الفقها” من أجل التنقيب بشكل دوري عن سحر مدفون و تلاوة بعض الطلاسم الممزوجة بالآيات القرآنية، لاستبعاد الجن، والعين، والتابعة، دون اغفال أثر العين التي من شأنها التأثير على الأبناء، والتجارة، كما لا يستوعب الرجل فكرة بقاء بناته عازبات، ليرجع الأمر للسحر والشعوذة، ويعمل بالتالي وفق منطق، وداوها بالتي كانت هي الداء، لتقابل الشعوذة بشعوذة مضادة، وليتأرجح الرجل بين الرضى والسخط عن نتائج لا تؤتي أكلها بطريقة قطعية.
سكينة بنزين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.