أين العيب في أن يجمع حزب سياسي أنصاره ومؤيديه والمتعاطفين معه، وحتى سائر المواطنين، قبل الحملة الانتخابية بشهور أو أسابيع، ليشرح لهم برنامجه الانتخابي؟ وأين العيب إذا حدث شيء من هذا القبيل حول موائد من الولائم؟ كثيرا ما يوصف هذا، عندنا في المغرب، بالحملة الانتخابية السابقة لأوانها، وتخاض ضد هذه المبادرات حملة منددة بوجود نوايا لتزوير الانتخابات وإفسادها. صحيح أن هناك من يستعمل وسائل الدولة للترويج لمشاريعه الانتخابية رغم أن ذلك محرم قانونا، وهناك من يستخدم نفوذه أو قربه من السلطة لاستدراج الناس إلى صفه، ومن لا يتورع في استغلال المناسبات الرسمية مثل المباريات الرياضية للدعاية لنفسه. هذه ممارسات غير مشروعة، وتتعارض مع الأخلاق الديمقراطية، وبالتالي تستدعي المواجهة الصارمة من طرف الدولة. لكننا، من جهة أخرى، نشكو من غياب التواصل مع المواطنين، ومن انعدام النقاش السياسي، ومن الجهل ببرامج الأحزاب والمرشحين. إننا ننتظر الحملة الانتخابية لكي نتعرف على وجوه المرشحين في الملصقات المعلقة في شوارعنا، ونسمع أصوات مؤيديهم عبر المواكب الفلكلورية التي تخترق شوارعنا، أوننعم بوعودهم التي لن يلتزموا بها... عبارة «الحملة الانتخابية السابقة لآوانها» لا تسمع في البلدان التي تعمقت فيها الممارسة الديمقراطية. هناك، يبدأ المتنافسون حملات التعريف بمشاريعهم وبرامجهم، والدفاع عنها، شهورا قبل انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية. وتجند لها وسائل التواصل الجماهيرية، وتنظم حولها التجمعات، والمنتديات، والموائد المستديرة، ويعبأ لها المناضلون والمناصرون. وعندما تنطلق الحملة الانتخابية الرسمية، التي يسمح فيها للمرشحين بالدعوة الصريحة للتصويت لصالحهم، يكون المواطن قد اطلع على مشاريع ومقترحات المتنافسين، وتسلح بما يكفي من المعرفة لتحديد اختياره بحرية واستقلالية. لماذا، إذن، لا يتم خلق أكثر ما يمكن من مناسبة للنقاش السياسي والفكري، وتوسيع مساحات المنافسة بين مختلف القوى المشكلة للمشهد السياسي، وجعل قنوات الاعلام مفتوحة باستمرار للآراء المختلفة لكي تتقارع وتتجادل؟ لقد أظهر الاقتصار على أيام الحملة الرسمية لشرح البرامج أنه غير مجد لاقناع المواطنين بالمشاركة. فلعل تنشيط النقاش والجدال قبل الحملات الانتخابية الرسمية يكون محفزا لنسبة مهمة من المواطنين لكي يتخلصوا من عزوفهم.