خواطر المفكر الكبير عبد الله العروي لا يمكن الا ان تكون بحجم صاحبها. ما تضمنه الكتاب الجديد للخواطر يمكن أن يساهم في فك تشفيرات جزء من مرحلة المغرب اليوم. الرجل يلتقط جزئيات مفصلية تساهم في تكوين قراءة وفهم لما يعرفه المغرب المعاصر من تفاعلات وتشكلات في السياسة والمجتمع. هذه الورقة ليست مقاما لإعادة قراءة خواطر العروي، وهو المفكر الذي يستطيع التعبير عما يفكر فيه بلغة واضحة ومكثفة، غير ان توقيت نشر هذه الانطباعات يدعو الى التساؤل . أليس الأجدر لو اطلعنا على نظرة مفكر من عيار العروي في حين أحداثها، ولم ننتظر سنوات قبل ان نقرأ ملاحظات واضحة لاختيارات معينة. غير أن قراءة خواطر العروي تعطي الإنطباع بحجم الحاجة اليوم للمثقف، خصوصا أمام حجم العبث والبؤس اليومي الذي يلاحقنا سواء من ترهات السياسية أوسطحية الإعلام. خواطر العروي المعروضة للعموم تنحصر في مدة زمنية لا تتجاوز سنة 2007، في حين أن الأحداث تسارعت بشكل مهول ومباغث بعد هذا التاريخ، وهناك أشياء خضعت للتحيين. القاعدة في التواصل تقول بسيادة قانون القرب، والقرب الزمني لا ينفصل عن ذلك لأن في الإعلام كل ابتعاد عن الحدث زمنيا يطرح المنتوج على مائدة الطعام «البائت». قد نجد للعروي عذرا في هذا الإبتعاد الزمني للإصدار عن لحظة وقوع الأحداث، فالعروي يبقى ملتزما بقواعد المؤرخ وقوانين الباحث الذي يأخد مسافة مع الأحداث. لكن رغم ذلك أليس من الأجدر لو سلط لنا أضواء خواطره على أحداث كبرى مثل ما اصطلح عليه بالربيع العربي الذي زاغ عن السكة وتحول في العديد من المناطق الى كابوس، لكونه لم يستند على اساس فكري يضئ للشباب المندفع الطريق، ولان المثقف غاب بشكل او باخر تاركا المجال لاستبداد بؤس فكري يتم انتاجه، بوعي أو بغير وعي،يساهم في اعادة انتاج الجهل والظلام. الحاجة اليوم ماسة إلى نخب مثقفة يمكن أن تساهم في قيادة القاطرة،المعطوبة أصلا منذ عشرات السنين. فالمثقف ليس ملك نفسه كما يحاول التبرير ترسيخه في الأذهان، بل المثقفين هم «رسل» المرحلة. قد يقول قائل بأننا «أمة» لا تقرأ، وأن المثقف يقوم بواجبه في انتاج المعرفة، ويبقى على الناس الإطلاع على هذا الإنتاج. قد يكون لهذا الرأي جزء من الصواب، غير أنه لا يعفي المثقف من مسؤوليته في حياديته و عدم الإنخراط في الرفع من الوعي الجمعي والمشاركة في التصارع. هذا التصارع الذي يصل مستوى متدنيا للديكة، حينما يستبد به الممارس السياسي أو يبقى في حدود الإثارة الإعلامية، ويغيب عنه صناع المعرفة.