«تخيلت أن جلالة الملك قال للعرايشي هذا الكلام...!» ابن الدار يشرح واقع الدار ويدق ناقوس الخطر • أول سؤال يتبادر إلى الذهن, هو لماذا اختيار هذا التوقيت من أجل هذه الخرجة الإعلامية؟ • • ربما هي روح الحرية التي نعيشها الآن والتي نادت في دواخلي نداء ضمير أساسي, فلقد صبرنا طويلا في الحقيقة لكن انتظارنا طال, وصمتي الذي امتد على مدار كل هذه السنوات، ليس جبنا مني ولكنه كان احتراما لصيرورة معينة وفقها قلت لنفسي إن لكل زمن رجاله, وأنه من المفروض علينا أن نخلي المكان لهؤلاء الذين أتوا لكي «يصلحوا حال التلفزيون». لكن وبعد كل هذه السنوات من الانتظار أستطيع أن أقول باطمئنان إن العرايشي نجح في خلق إحساس واحد أساسي لدي هو أن الوطن جحود. لقد كان ممكنا لو سألتني قبل 12 سنة وأنا في موقع المسؤولية على قسم الدراما في التلفزة، عن تصوري لنفسي في سنة 2011, وأصارحك أنني كنت سأقول لك حينها إنني أتصور أنني سأكون مديرا للتلفزيون أو ربما وزيرا للاتصال. لكن اليوم الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أقوله هو إن ذلك الطموح تم اغتياله, فلقد جاء العرايشي وعمري 36 سنة، وفي آخر لقاء بيني وبينه قرر أن يغيرني، قال لي كلمة لن أنساها ماحييت «لك تجربة كبيرة في السمعي البصري، لكن التغيير بالنسبة لي مسألة نفسية». اليوم لدي يقين كامل بعد أن تحدث كل الإعلاميين والمهنيين المغاربة عن حال إعلامنا البصري ولم يتغير شيء, أن لاحياة لمن تنادي. • لكن لماذا الحديث الآن؟ هل استعدت الأمل الذي قلت إنك فقدته في البلد؟ • • لا وهم لدي نهائيا في هذا الجانب. هذه صحوة ضمير سأقول فيها كل شيء من باب الحق «وصافي» أما أنا فلقد فقدت الأمل في كل شيء يهم هذا التلفزيون ويهم إعلام هذا البلد. هذه كلمات أقولها للتاريخ فقط,لذلك سأتحدث، وأنت تعرف أنني كان لدي مسلسل تلفزيوني في طور التوقيع وبمجرد صدور البيان الأول للجمعية المغربية لمهنيي التلفزيون توقف هذا المسلسل وأنا كنت أعرف قبل تأسيس الجمعية هذه النوعية من السلوكات الانتقامية, وكنت أعرف أنني أغامر، لكنني قلتها للإخوان في الجمعية «طز في المسلسل, فالمغرب ينادينا في هذه اللحظة». • هل تعتقد أن كل الحقائق صالحة فعلا للقول الآن؟ • • لايهم. الأساسي بالنسبة لي هو أنني سأسجل موقفي مما يقع، فلامجال للتفكير في وصف مايقع في الإعلام المحلي, هناك أرقام تتحدث عن نفسها وأتذكر الآن أول لقاء جمعنا بالرئيس المدير العام فيصل العرايشي بعد تعيينه سنة 1999 حين قال لنا قولة شهيرة وكنا قرابة الأربعين مخرجا ومنشطا وصحافيا في القناة الأولى: «بعد سنة أو سنتين، سأجعل من القناة الأولى الأكثر مشاهدة في العالم العربي». الكل انبهر حينها والكل ضحك بعدها, لكن اليوم الكل يبكي للحال الذي أوصل إليه هذا الرجل هذا التلفزيون. اليوم وصلنا إلى أقل من 5 في المائة من نسبة المشاهدة وطنيا, وهذه الأرقام أتصور أنها لو مست قناة أجنبية من قنوات الإعلام العمومي في فرنسا أو إنجلترا لاستقال وزير الاتصال وطاقمه ولما اقتصر الأمر على مدراء القنوات, لكن في المغرب لا إشكال إطلاقا، أنا اليوم أرفع التحدي دون أن يزايد علي أي كان ويقول «هادا كانت فكرشو العجينة داكشي علاش كان ساكت ودابا مانعرف شنو بغا». لا, أنا أرفع تحدي النزاهة والمهنية والوطنية، فكل ممارساتنا خلال عملنا كصحافيين ومهنيين كانت كلها حبا لهذا الوطن. وبعد 1999 أصبت بخيبة أمل خرافية بسبب كثير الأمور الظالمة التي تعرضت لها مثلما تعرض لها زملائي ممن هم في مثل حالتي. أعطيك مثالا صغيرا على درجة الوفاء الموجودة في هذا البلد: تصور حتى على مستوى الرزق أنني لما خرجت من المسؤولية سنة 1999 كنت أتقاضى راتبا شهريا قدره 816 درهما. بعد أن اقتنيت شقة لأسرتي وبدأت أداء أقساطها، وكرئيس مصلحة الإنتاج الدرامي، كل ما كان في حسابي البنكي هو مبلغ 11 ألف درهم وإخواني هم الذين كانوا يساعدونني على شراء حليب ابنتي التي كانت تبلغ تسعة أشهر. تصور حجم السوداوية حينها التي أصبت بها وانعدام الثقة في كل شيء، لكن لحسن الحظ ثقتي بنفسي ومساعدة أصدقاء أخرجتني من تلك المحنة وساعدتني على العودة إلى مجالي ومكنتني من المواجهة, حيث شرعنا في الاشتغال مجددا وانطلقنا واشتغلت كمدير فني في عدد من الأعمال إلى يومنا هذا. • هل ماتقوله يعني أن العرايشي كان ملزما بالإبقاء عليك في منصب المسؤولية؟ • • عندما جاء العرايشي إلى التلفزيون، وجدني مدير إنتاج فني ومنشطا لبرنامج تلفزيوني ناجح بل وواحدا من نجوم التنشيط التلفزيوني حينها، ووجدني مسؤولا عن مصلحة الإنتاج الدرامي، وفي لحظة من اللحظات أصبحت لاشيء بقرار منه، وهذا الوضع لست الوحيد الذي يعيشه. أغلب أبناء الدار عاشوه مع هذا الرجل، ودعني أصارحك بمسألة أساسية للغاية: عندما كنا نرى صور استقبال جلالة الملك للعرايشي سنة 1999 لكي يسلمه أمانة التلفزيون، كنا نتخيل من خلال حس السيناريو الذي نملكه أن جلالته كان يقول له حينها: «كن حريصا على خدمة هذا الوطن، كن قريبا من المواطن، كن قريبا من الموظفين الذين سنأتمنك عليهم كمسؤول، كن وفيا لروح القسم الذي ستؤديه». • هذه الأشياء كلها شنو دار منها فيصل العرايشي؟ • • عندما نرى جيشا ممن شبحوا وفرض عليهم أن يتحولوا إلى أشباح، والآخرون وهم جيش من المرتزقة ينتجون الرداءة، نطرح فعلا السؤال: هل جاء العرايشي لتطبيق النصائح والتوجيهات الملكية في هذا القطاع أم أتى لتدميره وتحطيم الروح المعنوية لأبنائه لهدف في نفسه لا نعلمه حتى الآن. حاوره: مصطفى الإسماعيلي