المئات من المواطنين اليوم وبعد أسبوع من التساقطات الغزيرة والسيول الجارفة باتوا بلا مسكن ولا مؤونة ولا ماء ولا كهرباء. جلهم فقد كل ما يملك. بعضهم لم يكن يملك سوى سقف بيت سواه من الخشب ومع أولى التساقطات انهار. الفقر والعوز دفع آخرين إلى بناء بيوت عشوائية في مجرى الوادي، جيرانهم على ضفتي النهر وثقوا بالصوت والصورة كيف هجمت السيول الثائرة على هذه البيوت وجرفتها بلا رحمة. لكن لماذا وقع ما وقع؟ بعيدا عن تحميل المسؤولية للطبيعة، هناك طرفان أساسيان في معادلة التعمير يتحملان جزء غير يسير من هذه المسؤولية التي خربت دواوير وأغرقت تجمعات حضرية بكامل مرافقها. السلطة والمنتخبون. الأولى بغضها الطرف على البنايات العشوائية إما بسبب فساد بعض أعوانها وما يترتب عن ذلك من دورة اقتصادية غير عادلة، أو بسبب رؤيتها الاجتماعية للخروقات القانونية التي لها علاقة بتدبير الحياة اليومية، خاصة فيما يتعلق بالبناء العشوائي والباعة المتجولين في بعض المناطق التي تحتاج فيها السلطة إلى المزيد من الاستقرار. غير أنه في كلتا الحالتين هناك خرق واضح للقانون الذي يعتبر أسمى شكل من أشكال تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية، وبتفاقم هذه الخروقات فإن الأمر يتحول إلى فوضى لا تنتهي دائما على خير، وهو بالفعل ما وقع في الأسبوع الأخير من الشهر الذي انقضى. بالنسبة للمنتخبين فإن مسؤوليتهم تتجلى في عدم قيامهم بالمهام التي انتخبوا من أجلها، والتي على رأسها تهييء الجماعات التي يمثلون سكانها واقتراح وإنجاز مشاريع لخدمتها وتوفير الخدمات العمومية المحلية وتطويرها (لا أتحدث هنا عن البنيات التحية التي من اختصاص بعض القطاعات الحكومية)، ولعل الفضيحة التي زادت من حدة الخسائر هي انعدام قنوات الصرف الصحي في بعض التجمعات الحضرية التي مرت منها السيول، أي أنه طوال السنوات والعقود الماضية كان سكان هذه التجمعات يجمعون «خراءهم» في حفر قبل التخلص منه في أماكن متفرقة بنواحي المنطقة التي يعيشون فيها، في الوقت الذي ينعم فيه سكان مدن أخرى ب«نعمة» تصريف فضلاتهم بحركة بسيطة من سبابتهم!! التفاوت في الحقوق الأساسية الذي تعرفه مناطق متفرقة من البلاد هو بالأساس راجع إلى عقليات وإمكانيات، ولأن هذه العقليات ترضى بالواقع الفقير لجماعاتها قروية كانت أو حضرية وتنصرف إلى تدبير شؤونها الخاصة، فإن السيول ستجرف المزيد من الدواوير والتجمعات السكنية.