منذ السبت الماضي، وأنا أحاول مداراة حالة وهن وضعف شديدين، وارتفاع في ضغطي الدموي من جديد، نتيجة غضب وحنق أشد، من حالة الفوضى والتسيب التي يعيش فيها تلامذتي، ليس فقط هذه السنة بل كل السنوات،وليس جميع التلاميذ طبعا، لكنهم يبقون اسثناء نادرا في مقابل تزايد مهول في عدد اللامبالين والغارقين في بحر الأمراض النفسية والانحرافات الاجتماعية، التي تعوق تفوقهم المعرفي أوحتى تحصيلهم الدراسي، كل يوم أتجرع مرارة سياسة الدولة اللاوطنية واللامسؤولة اتجاه فئات الشعب،متجسدة في أجمل ماتملكه أمة وهو شبابها،ما اصطلح عليه ظلما "الثروة اللامادية"، كيف لا أهن ولاأحزن، وأنا أرى قطاعا مهجورا من كل اهتمام وتعامل جدي مع كل عناصره، والأدهى، أن الكل متواطئ بما فيهم أسرة التعليم، التي يقتل رجالها ونساؤها أنفسهم في استرزاق أبواب التعليم الخصوصي، ليتمكنوا من إيداع أبناءهم بمؤسسات تتناسل كل سنة كفيروس عملاق، يقضون ساعات قانونية وغير قانونية في التدريس بأكثر من مؤسسة في الأسبوع الواحد، ليعودوا إلى أقسامهم بالمؤسسات العمومية،حيث يلصقون مؤخراتهم المتعبة،على كراسيهم ويقوموا بأفظع جريمة في حق المتعلمين : إملاء الدروس ضمانا لحد أقصى من الهدوء والصمت، في قاعات تفتقر لأقل شروط التعليم العصري، ولاتنفجر في عيونهم دموع المقارنة والمقابلة بين المؤسسات الخاصة حيث يسترزقون وبين الواقع العمومي حيث يواجهون تلاميذ، هم أشبه بكائنات وحشية صغيرة، لا احد يهتم بمصيرها النفسي والاجتماعي، لاوجود لأخصائيين يساعدون ويوجهون، ولاوجود لفضاءات ترفيهية تجعل الشباب، يحس إنسانيته، ولايجعل من أساتذته، موضوعا لتصريف نزعاته العدوانية ورغباته في إثبات وجوده من خلال كل مظاهر العنف المضاد،رمزيا كان أم ماديا. شخصيا، لاأجد مسوغات أبرر بها، جوعي لأموال التعليم الخاص،أفضل أن أكون مدرسة دونكيشوطية، أحصد كثيرا من الفشل والحزن ورارتفاع الضغط الدموي وآلام القلب، لكنني تعلمت كيفية مراوغتها ...باستحضار صورة أساتذتي،سنوات السبعينيات والثمانييات، من تعلمت على أيديهم أبجديات دلالة الوجود الإنساني الفاعل والخلاق، حيث سيرتهم كمناضلين أو مثقفين أو أصحاب موقف، كانت تسبقهم قبل معرفة اسم المادة التي يدرسون. أحن لهذا الزمن، ويوما ما، سوف يقتلني هذا الحنين. مينة بوشكيوة