ظاهرة أصبحت سمة تميز تلفزيوننا الوطني خلال الفترة الماضية. بل أصبحت سمة وموضا تعاطى لها هذا التلفزيون وجد فيها ربما ضالته. وتتمثل هذا التقليعة في انتشار الكثير من الوجوه الفنية المغربية المعروفة وغير المعروفة، المقبولة وغير المقبولة عند الجمهور على شاشاتنا الوطنية. هذه الوجوه التي غالبا لايزال الكثير منها يتلمس خطواته الأولى في عالم التمثيل، يفضل ترك مجال الكلاكيت مؤقتا أو بشكل نهائي لينخرط في عالم التنشيط للعديد من البرامج التلفزيونية. هذا التوجه نحو منح الفرص للفنانين المغاربة في الإشراف على التنشيط لا يكون في غالب الحالات صائبا وتشوبه نواقص كثيرة. لأن هناك من الحالات من استطاع فعلا أن ينشط بامتياز والوصول بالفقرات التي يدبرها إلى بر الآمان وبالتالي كسب المصداقية والقبول لدى المشاهد المتتبع. ومنها من الحالات من لم يستطع الإقناع وعلى رغم ذلك استمر في التنشيط من دون أن يطرح السؤال البديهي على نفسه، واش كنت مزيان، وكي جيتكم؟ في هذا الصدد، يمكن لكل متتبع لما بث منذ فترة في التلفزيون العمومي أن يلاحظ أن ثمة تيارا يدفع بأحد الوجوه الفنية إلى الواجهة حتى أصبح مألوفا لدى المشاهد المغربي الذي فرض عليه. وهو الوجه الذي استمر في دخول بيوت المغاربة من دون أن يقنع حتى الطفل الصغير منهم بجدوى الطريقة التي يتعامل بها مع مختلف البرامج التي يتم إسنادها إليه، إليها. وهو الأمر الذي يتكرر هذا العام خلال هذا الرمضان في قناة الأوفشوريينغ بطنجة. في مقابل هذا الإصرار على فرض وجوه بعينها على المشاهد، يتبادر إلى العلن السؤال الآخر المهم وهو لماذا يتخوف تلفزيوننا من إسناد مهام التنشيط إلى وجوه أو بالأصح إلى أقلام مهمة لها ما لها من خبرة في عالم الصحافة المكتوبة؟ هذه الأقلام يكون لها إلمام أكثر بعالم هذا التلفزيون وما قد يحتاجه لكي يتم تقديم منتوج تلفزيوني يليق فعلا بما ينتظره المشاهد، وذلك بحكم قرب المجالين والتقائهما في العديد من النقط المشتركة، ومن ثم تصبح عملية الجسر بين الصفتين سهلة وسلسلة. الصحافي كيفما كان الحال يبقى الأقرب إلى عالم الصورة ليس بتجسيد دور ما، لأن ذلك متروك للفنان الذي يخبر عالم الضوء والكلاكيت، وإنما بحكم توفره على مرجعية ثقافية وإعلامية مهمة تستجيب لبعض ما يتطلبه التنشيط التلفزيوني. ولنا في العديد من النماذج على مستوى التلفزيون العربي أو الغربي أسماء وأمثلة كثيرة قدمت من الصحافة المكتوبة واستحقت فعلا أن تكون منشطة, بل وتتفوق على نفسها لتصل بمختلف ما تقدمه من برامج إلى مستويات مهمة من الإقناع والقبول. محمود سعد من عالم الصحافة المكتوبة، رئيس التحرير السابق أخبار النجوم المصرية الذي أصبح علامة فارقة في التلفزيون المصري أيام الفرعون مبارك وبعده الآن. أحمد قنديل صاحب قلم رصاص في دبي, أحمد منصور معد ومقدم برامج بقناة الجزيرة، وغيرهم كثير من الأسماء العربية التي تلقى برامجها متابعة جماهيرية خاصة، وهو نفس الشيء الذي ينطبق على التلفزيون في أوربا وفي أمريكا. في المغرب يكاد هذا الأمر يكون شبه غائب إن لم يكن غائبا بالفعل. ولا تكاد تجد زميلا من الصحافة المكتوبة في إعلامنا المرئي اللهم بعض الفلتات، والتي لم تعد تمارس اليوم والتي ربما قضت ما قضت بالإذاعة قبل الالتحاق بالتلفزيون. وهنا يمكن طرح السؤال حول لماذا يهمش مسؤولوا التلفزيون الكفاءات الصحافية التي تخط يوميا في منابرها على الرغم من أنها قد تفيد كثيرا هذا التلفزيون سواء على مستوى التحضير أو الإعداد والإشراف على الفقرات التلفزيونية؟ وهنا يحصل الالتقاء بين المقولة الشهيرة التي تقر بأن المعد الجيد هو الإعلامي المتابع. لأن الصورة غالبا ما لا تكون مؤثرة إن لم تقترن بكلمة بليغة ومعبرة. واللغة السليمة المنقحة لا تأتي إلا من ممارسة الكتابة.