«إذا رددنا على الحقد بالحقد فمتى سينتهي الحقد؟» «بوذا» أيها الصديق العزيز شكراً على اهتمامك بما يجري في العالم العربي.ولا عجب،فمواطن عالمي مثلك لا يمكن إلا أن يكون مهموماً بمصير البشرية وبمصير كل جزء من أجزائها. يبدو أن رسالتك موجهة للإسلاميين ،إذ انك تستشهد فيها ب”مفكركم حسن الترابي”.وهو مفكرهم وحدهم...وحسناً فعلت بتوجيه الخطاب إليهم،فأقصى اليمين السياسي الإسلامي في تونس ومصر هو المسيطر على المشهد السياسي، أساساً بفضل ثروته الهائلة... مثلاً ،في تونس يقال إن حزب “النهضة” برئاسة راشد الغنوشي :”يسدد ديون العطار وفواتير الماء والكهرباء ... “(اليومية الصباح 20/06/2011).تماماً كما يفعل الإخوان المسلمون في مصر لكسب الجمهور بالعمل الخيري.نظراً لقوتهم المادية واحتكارهم، خاصة في تونس، للإعلام،فإنهم أصبحوا العمود الفقري ل”حزب الانتقام” الذي لا يرى في:”الثورة إلا التشفي والانتقام”كما قلت في رسالتك؛وهم يقصون كل من كانت له صلة بالنظامين السابقين . وهذا فعل :”خاطئ وقد يسبب للثورة متاعب خطيرة” كما جاء في رسالتك.”الكارثة الاقتصادية” التي توقعتها رسالتك هي اليوم أمر واقع.في تونس مثلا انهار الاقتصاد بسبب الفوضى العمياء وغياب الأمن المرشّحَيْن للتصاعد. سياسة الأسوأ La politique du pire التي يمارسها أقصى اليمين الإسلامي هي “الفوضى الخلاقة” ،التي حبذتها كوندليزا رايس للعراق، بحجة أن تونس عاشت “نصف قرن تحت الديكتاتورية فلماذا لا تعيش عدة سنين في الفوضى الخلاقة؟” .هذه السياسة الانتحارية هي المطبقة يومياً في تونس ومصر، ففي الإحصاء الشهري الأخير لوزارة الداخلية التونسية (01/08/2011):”تراجع معدل النمو الاقتصادي منذ 6 شهور (= بداية الانتفاضة)إلى – 3%، وحُفرت 10 آبار نفط فقط من جملة 28 كانت مبرمجة؛لأن الشركات البترولية العالمية “حذرة”من الوضع غير المستقر في تونس؛نسبة الاعتصامات ارتفعت 100 % في شهر يوليو مقارنة بشهر يونيو 2011 فبلغت 156 اعتصاماً؛ارتفعت نسبة غلق الطرقات والمؤسسات الاقتصادية الحيوية إلى 80 % فبلغت 184 حالة”.أما الاقتتال بين العشائر والقرى فقد غدا مألوفاً:”الجار لم يعد يثق في جاره ولا أحد في أحد” (جون أفريك).إنه الخوف والبارانويا الجمعيان المُعممان !. المقلق هو أن هذه الفوضى ليست،كما يُقال تضليلا،عفوية.بل وراءها استراتيجيا مدروسة وحركات قوية وغنية تتوسل الفوضى لتدمير الدولة التونسية”العلمانية”لتقيم على أنقضاها دولة دينية طالبانية!. انهيار الأمن و انهيار الاقتصاد، كنتيجة له، ضروريان في نظر أقصى اليمين الإسلامي لتوسيع وتعميق “الفوضى الخلاقة”وتغذية مناخ عدائي يجعل التفكير في المصالحة غير ذي موضوع.الخوف من الحاضر واليأس من المستقبل هو ما يدفع غالبية السكان (70 – 80 %)إلى العزوف الكثيف عن التسجيل في القوائم الانتخابية.حتى انتهاء موعد التسجيل الأول(01/08/2011)لم يتسجل إلا حوالي 2 مليون من 8 مليون ناخب.وقد قالوا في الاستطلاعات منذ 5 شهور ان صناع الانتفاضة لا يمثلونهم. فهم،في نظرهم،المسؤولون عن”الفوضى الخلاقة” ،أي الفلتان الأمني وتفاقم البطالة – خاصة بين الشباب:40 %ممن هم دون ال 35 عاما كما ارتفعت نسبة العنف والانتحار بينهم(171 انتحاراً منذ الانتفاضة) – والتهديد الخطير الذي يشكله مشروع أقصى اليمين الإسلامي المعادي للأمن والاستقرار والدولة المدنية القوية وحقوق المرأة ومؤسسات وقيم وعلوم الحداثة . أعلى نسبة للعازفين عن الانتخابات كانت من الشباب،83 %، والنساء،87 %، الذين فقدوا الأمل في المستقبل.لماذا؟ أساسا لتحول وعود الانتفاضة إلى وعيد مثل ظهور الإسلاميين:”الذين لا هم لهم إلا مطاردة الفتيات السافرات في الشوارع (...)والتشكيك في قانون الأحوال الشخصية(...) وهكذا فالثورة أتت معها بشبح إعادة النساء إلى البيت وتهديد مكاسبهن(...) ف 55 عاماً من تحرر المرأة التونسية وترسانة قانونية، من الأكثر تقدماً في العالم ،توشك أن تذهب هباء منثورا فتعود تونس إلى الوراء” قروناً(جون أفريك 26/07/2011 ص 66) . توضح مراسِلة جون أفريك صناع هذا الخطر الإسلامي الداهم الذي يخيف الشباب والنساء :”لاح الخطر الإسلامي في الأفق . أعضاء حزب “النهضة” ما عادوا يبالون بالخطاب الديمقراطي كما كانوا يفعلون في الربيع، بل بدأوا تدريجيا يعلنون نيتهم في إقامة دولة إسلامية تلقي بالمرأة خارج المجال العام. صعود”النهضة”،إضافة إلى الأفعال القمعية التي يمارسها السلفيون ضد النساء والفنانين ، تدفع الديمقراطيين إلى الاتحاد والمقاومة” (جون أفريك،نفس المصدر ص 62). وصفة للحرب الأهلية بين تيارات أقصى اليمين الإسلامي والديمقراطيين ... رسالتك تنطلق من مبدأ العقلانية السياسية ،والتفكير في المستقبل، وقيم اللاعنف والمصالحة والحوار، والحال أن معظم قادة أقصى اليمين الإسلامي غرباء عن العقلانية وجهاديون معادون لللاعنف والمصالحة، وماضويون متسمرون في الماضي وأحقاده ومراراته.من الصعب إذن أن تجد رسالتك عندهم آذاناً صاغية. خُذ مثلاً،بين عشرات،أحد قادة أقصى اليمين الإسلامي المتحكم الآن في المشهد السياسي التونسي:” راشد الغنوشي رفض دائماً الحوار؛واختار اللجوء إلى العنف”.(عبد الفتاح مورو،جون افريك 12/06/1991. مورو هو نائب الغنوشي في رئاسة النهضة وشريكه في تأسيسها. ممارسات الغنوشي السياسية أكدت دائماً هذا التعريف الدقيق لشخصيته النفسية-السياسية.مثلاً،عندما كنت أنت تطّهر إفريقيا الجنوبية من السلاح النووي الذي أدخله إليها العنصريون البيض،كان راشد الغنوشي، انتهاكاً صارخا لمعاهدة حظر انتشار السلاح النووي،يطالب بالسماح للحكومات الإسلامية بإدخال هذا السلاح الفتاك.فقد كتب:”لماذا تتسلح الهند وإسرائيل بالقوة النووية،فضلاً عن الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا،و يُمنع ذلك عن باكستان وإيران ومصر والعراق ...؟ هل لذلك من تفسير غير أن الإسلام وحده يُراد له أن يعيش في غابة من السباع بلا مخالب،على حين أن المسيحية والكنفوشيوسية والهندوسية والبوذية واليهودية تكدس وتطور أسلحة الدمار الشامل وتصوبها إلى عواصم المسلمين؟” (الأسبوعية الإسلامية المغربية “الراية”،19/09/1994). لاحظ الهذيان البارانوي:جميع الديانات،من المسيحية إلى اليهودية مروراً بالكنفوشيوسية والهندوسية والبوذية:”تكدس أسلحة الدمار الشامل وتصوبها إلى عواصم المسلمين”.! في 2009 لام الغنوشي باكستان لأنها لم تستخدم قنابلها الذرية ضد الجيش الأمريكي والجيوش الحليفة التي دخلت أفغانستان بتفويض أممي؛فتحت باكستان حدودها أمام هذه الجيوش الغازية:”بدل أن ينهض السلاح (النووي) بمهمة الدفاع عن البلد من كل تهديد”(راشد الغنوشي،موقع الجزيرة، 02/11/2009). في نظر السيد الغنوشي كان على الرئيس برويزمشرّف أن يضغط على الزر الأزرق لإبادة الجيوش الأمريكية والفرنسية والبريطانية ... وكلها دول نووية لن تبقى مكتوفة اليدين أمام هذا الرد الضارب ! لا تبالي غريزة الموت أخذاً وعطاء عند الغنوشي باندلاع الحرب العالمية الثالثة النووية هذه المرة التي،كما يقول العارفون، سيسود بعدها شتاء نووي يدوم 4 قرون ويقضي على كل أشكال الحياة بما فيها البكتيري!. تصور ، أخي نيلسون ، ماذا ينتظر العالم وماذا ينتظر تونس عندما يحكمها مثل هذا المحرض على الحرب العالمية النووية والمتحمس لها حتى الهذيان؟. على الأرجح،لا أمل في كسب أقصى اليمين الإسلامي إلى المصالحة الوطنية الفورية والشاملة التي حققتها أنت في إفريقيا الجنوبية ،وتدعو في رسالتك إسلاميي مصر وتونس لتحقيقها أيضاً . لعلمك منذ مارس الماضي وأنا أشرح في سلسلة رسائل لفرقاء الانتفاضتين المصرية والتونسية فضائل المصالحة الوطنية والعواقب الوخيمة للإصرار على التشفي والانتقام ، وفي مقدمتها تفكك البلدين في الفوضى والدم على غرار الصومال الذي تحالفت عليه آفتان :المجاعة وفوضى أقصى اليمين الإسلامي . السياسة الخارجية لأية مؤسسة،حزب أو دولة،تعكس عموماً سياستها الداخلية.”النهضة”،التي تنادي بلسان رئيسها بالعنف النووي في العلاقات الدولية،ليست فقط عقبة كأداء أمام المصالحة الوطنية بل هي أيضاً تمهد في تونس اليوم الأرضية لسيادة شريعة الغاب الدينية،لحرب أهلية بين أحزاب”الثورة” نفسها، بين دعاة الدولة الدينية التي تجمع بين الدين والسياسة،وأنصار الدولة الديمقراطية التي تفصل بين الدين والدولة.مثلاً الصادق شورو،عميد سجناء النهضة ورئيسها في الداخل،يخوّن ويكفّر من يخالف “النهضة” بتبني قيم حقوق الإنسان.فقد صرح:”العقد الجمهوري [=بيان أصدره"البرلمان"المؤقت يعتبر فصل الدين عن السياسة والتمسك بقانون الأحوال الشخصية والالتزام بحقوق الإنسان ملزمة لكل أغلبية ستحكم تونس]وهو عقد،يقول الصادق شورو، تواضع عليه أطراف من اليسار العلماني الاقصائي ليكون سيفاً مسلطاً على كل من يعارض فلسفتهم الإلحادية.والغاية منه عزل “النهضة”.فهم بهذا العقد أقاموا على أنفسهم الدليل على أنهم (...)يعملون بالليل والنهار للالتفاف على أهداف الثورة ولتزييف إرادة الشعب والقفز عليها. إن “النهضة” لا يسعها إلا أن تعارض بشدة هذا العقد، منحازة بذلك إلى إرادة الشعب.وهي ترفض أن تتآمر مع هؤلاء المتآمرين على الثورة الساعين إلى إفراغها من مضامينها وخيانة أهدافها (...)”.[الصادق شورو،اليومية الصباح 20/06/2011]. هذا النداء التفتيشي،التكفيري والتخويني ، يجد صداه في:”إعلام الإثارة الذي يوجه النداء إلى قتل المبدعين والمفكرين الأحرار”(جون أفريك،07/08/2011 ص 75).بالمثل، المساجد التي طرد منها أقصى اليمين الإسلامي أئمتها ونصّب مناضليه أئمة مكانهم:”غدت منابر لتكفير الجميع وكل حاكم مقبل لا يحكم بما أنزل الله خالطين هكذا الدين بالسياسة”.السيد شورو لا يرى في ذلك بأساً:”من حق خطباء المساجد ، بل من واجبهم أن يبينوا رؤية الإسلام لكل قضايا الأمة ومشاغلها بما في ذلك القضايا السياسية”.(الصباح 20/06/2011). قال جاليلو لمحكمة التفتيش التي كانت تحاسبه على”ضلالته” العلمية:”الكتاب المقدس يعلمنا كيف نمشي إلى السماء لا كيف تمشي السماء”.بالمثل،القرآن يعلم المؤمنين به كيف يحضرون أنفسهم للقاء ربهم ... لا لإدارة الدولة !. تونس – وأيضاً مصر – تعيش الآن”الإرهاب الأبيض” La Terreur Blanche ،الذي عاشته فرنسا في ربيع 1795 وصيف 1815،عندما سلطه الملكيون المتطرفون على البونابرتيين ... قد يعيد التاريخ نفسه في تونس على الأقل،نظراً لعزوف غالبية الناخبين عن الاقتراع للتأسيسي في أكتوبر 2011.وهكذا قد يكون التأسيسي الموعود نسخة من “الغرفة النادرة” La chambre introuvable ، أي البرلمان الفرنسي المنتخب في 1815 والذي فاز فيه الملكيون ورجال الدين المتطرفون الذين حاولوا الارتداد إلى العهد الإقطاعي البائد، مما جعل فرنسا غير قابلة للحكم .لذلك فما إن عاد الملك الدستوري،لويس 18 ،للحكم سنة 1816 حتى بادر إلى حله بعد 14 شهراً من انتخابه.! فهل ستنجب تونس لويس”ها” 18لإنقاذها من غرفتها النادرة المحتملة؟. فما العمل؟ أخي نيلسون،ربما لآخر مرة،ُكن كعادتك على موعد مع التاريخ، لتواصل مهمتك الجليلة التي دشنتها برسالتك: بالاتصال بجميع أصدقائك من الشخصيات العالمية مثل كوفي أنان وجاك شيراك وكارتر وبيل كلنتون وبعض الحائزين على جائزة نوبل للسلام ليوقعوا معك رسالة مماثلة لرسالتك الأولى موجهة لتونس ومصر،يحملها وفد منهم،أتمنى أن تقوده بنفسك إذا كانت صحتك تسمح بذلك؛فحضورك الشخصي ذو إشعاع و وقع و رمزية من القوة بمكان عسى أن تقنع نُخب البلدين بضرورة حكومة مصالحة تضم الجميع بما فيها نخب 7 نوفمبر في تونس والحزب الوطني في مصر.فالمطلوب اليوم هو توسيع قاعدة النظام الاجتماعية بإضافة نخب جديدة،اقتصادية وسياسية وثقافية،للنخب القديمة،وليس تضييقها بإقصاء نخب الحكومات السلطوية السابقة التي تتمتع بخبرات اقتصادية وسياسية وأمنية لا غنى عنها لمواصلة التنمية الاقتصادية وإعادة الأمن والاستقرار، كما أكدت على ذلك في رسالتك الغنية بالدروس. حكومة المصالحة الوطنية ستلعب،في تونس ومصر،نفس الدور الذي لعبته “لجنة المصالحة والحقيقة” التي شكلتَها أنت غداة خروجك من السجن،و”التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر” كما قلت في رسالتك.المعتدي في افريقيا الجنوبية كان العنصريين البيض.نُخب الحكومة السلطوية في تونس ومصر،التي يتحسر علي أيامها 80 % من الشعب،لا يمكن مقارنتها بنخب الحكومة العنصرية. باستثناء أقصى اليمين الإسلامي وأقلية من المصابين بما أسماه لينين “مرض الطفولة اليساري”،لم تكن القوى الحية ، بما فيها التي كانت تعارض النظام التونسي ، تشكك في مشروعه المجتمعي الذي كانت العقلانية منطلقه والحداثة رائده،بل كانت تشكك فقط في طريقة إدارة الدولة وفي مسار الانتقال البطيء جدا من الدولة السلطوية إلى دولة القانون[= استقلال القضاء وحرية الإعلام]للانتقال لاحقاً إلى الدولة الديمقراطية[= الفصل بين الدين والدولة وبين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية التي يراقب بعضها بعضاً + المجتمع المدني القوي الذي يراقبها جميعاً ]. اعتقال ومحاكمة وسجن ومطاردة نخب ما قبل الانتفاضة، بدلاً من دمجهم في نخب ما بعد الانتفاضة لوقف الانهيار الأمني والاقتصادي ،هو جريمة ضد مستقبل تونس ومصر. من حق 2 مليون”تجمعي”حققوا لتونس انجازات،ذهبت مثلاً في المؤسسات الدولية والإعلام العالمي ُيهدّمها اليوم أقصى اليمين الإسلام باسم “الفوضى الخلاقة”،المطالبة بإلغاء الفصل (=المادة)15 القراقوشي الذي جرد حوالي 14 ألف منهم من الحق في الترشح إلى التأسيسي، ليترشحوا له على الأقل على قدم المساواة مع الذين يهدمون اليوم انجازاتهم ويتأهبون لحكم بلادهم بالحديد والنار!. في الديمقراطية، المحكمة الوحيدة المؤهلة للحكم هي صناديق الاقتراع.حرمان قادة حزب نظام الرئيس بن علي من المشاركة في انتخابات التأسيسي هو قرار تعسفي يترجم الخوف من المنافسة الديمقراطية، التي تشكل الأرضية الخصبة التي تنبت فيها شجرة الديمقراطية وتترعرع عليها. انه لخبر سيء للديمقراطية التونسية الموعودة أن تدشن نفسها بمجلس تأسيسي “نادر”ينتخبه على الأرجح أقل من 10 % من الناخبين وأقل من 4 % من السكان وهكذا تُدفن الديمقراطية في يوم ميلادها !. حكومة المصالحة الوطنية الشاملة والفورية هي الوحيدة الكفيلة بإعطاء القادمين الجدد للمشهد السياسي شرعية شعبية يفتقدونها افتقاداً مأساوياً. أراهن على أنه لو يتاح لقادة 7 نوفمبر، السجناء تعسفياً، المشاركة في الانتخابات القادمة لانتخبتهم غالبية العازفين عن المشاركة السياسية لقلة من يثقون فيه من سياسيي وسياسويي تونس اليوم؛لو لم يكن قادة أقصى اليمين الإسلامي مصابين بالعناد العصابي L'obstination névrotique وانكار الواقع Le deni de réalité لاعترفوا بواقع انه لو يشارك الرئيس زين العابدين بن علي في الرئاسات المقبلة لفاز بما لا يقل عن 70 % من أصوات مجموع الناخبين؛لكن أين الشجاعة السياسية التي تجعل صاحبها قادراً على النظر للواقع وجهاً لوجه والاعتراف به كما هو وبلا خجل؟. أخي نيلسون،أتمنى أن يسمع عقلاء تونس ومصر لنصيحتك الثمينة:” عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق هم في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد،فدمجهم ومصالحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة،ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائياً،ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم،وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة”.هكذا تكلم غاندي العصر، نيلسون مانديلا.أما أقزام “حزب الانتقام” التونسي والمصري فيعتبرون أن محاكمتهم وشنقهم هما أكبر هدية يقدمونها للبلاد المبتلاة بهم!. المصالحة هي البديل من الفوضى الزاحفة ومن الانقلاب العسكري – لأن جيشاً يعي مسؤولياته لن يتسامح مع حكومة فرضت نفسها بانتخابات صورية على شعب لا يريدها – وتاليا ستكون عاملاً لزيادة الفوضى إلى الفوضى ، مما سيشكل خطراً داهماً على البلاد.في السوسيولوجيا السياسية:يتدخل الجيش، حتى في البلدان الديمقراطية،كلما حّوم خطر الموت فوق رأس النظام السياسي الاجتماعي لإنقاذه. حكومة المصالحة الوطنية هي التي قد تسمح بإنقاذ تونس ومصر من الانقلاب ومن الفوضى المندفعة،لا تلوي على شيء، كقاطرة مكسورة الفرامل.